الفنان خليل عبد القادر وفوضى الألوان..

اسماعيل رسول

في لوحاته أتمعنُ جليّاً كي تستقر عيناي على دلالاتٍ في عمق ألوانه، لكنني لا أستطيع إلا القبض على المزيد من الحنين إلى حيث ماضيه الكردي وذكرياته المتجذرة من مدينته الحسكة ببعدها النائي على جغرافية سوريا ..

في أغلب لوحاته تَحضرُ المرأة بلا موعد و عبر ريشته العفوية، المدغدغة لذاكرته بقوة، تطغى عليها الدهشة من اللاشيء أو من عُري النساء بلا تردد.

المرأة طاغية بقوة حتى باتت هاجساً لريشته أو توقيعاً متموضعاً على حافة اللوحة أو الجنون . يشطب ويحذف ويضيف وفي كل حركة يبدع شيئاً آخر يضفي على اللوحة حياة تبقى ثابتة أو تتعثر على حوافها أو على ضفاف الحياة .

بعشوائية تحضر المرأة بين ألوانه قبل الشروع في الرسم، وكلّما مزج الألوان بريشته، خرجت لدينا امرأة تحاكينا وتنظر إلينا بقوة وخزن شديدين حتى نتوه معها لنصبحَ جزءً من اللوحة كذبابةٍ حقيقية التي باتت جزءً من إحدى لوحاته.

لديه روح الفكاهة العالية ( قدّس الله سره وفنه ). ينقد بطريقة النكتة أو المزحة، فلا يجعلنا نملُّ من كتاباته مثلما لانملُّ من أدواته الفنية الرائعة .

خطوطه تشي ربما أعمق من ادراكنا الزمكاني، فتبثُّ الروح في الزي الكردي على أجساد نسائه وبشكل أقرب إلى الفوضى والجنون ” فوضى الحواس فنيّاً “ كفوضى حواس المستغانمي أدبياً .

نكهة الألوان لديه طاغية وصارخة في مطبخه الذي اتخذه كمرسم لمشاغباته الشبه يومية ، وكأنه يستعين مقاديره من الألوان كتوابل الطبخ في رسوماته، حادة، مالحة، حائرة، وكطباخة ماهرة عرفت مقياس يديها بشكل آلي كمية وجرعات لقياس التوابل في كل طبخة.

هنا يستحضرني منشوراته في الفيس المرافقة بألوانه ولوحاته المتألقة والعارمة.

يُهرب أفكاره على شكل مجسمات روحية أو لوحات حاضرة في الذهن الجمعي الكردي القروي وذكرياته المفعمة بالحزن .

يعود بنا خليل عبد القادر  من طيف ألوانه المتبعثرة الى حيث أصالة تراب الوطن الموحل بالذكريات على شكل لوحات عائمة على خطوطه وعمقها اللامرئي .

إنه خليل عبد القادر الذي لم نُكرمه بعد وهو على قيد الفن .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…