كاميران حرسان يرتحل في ذاكرة الطفولة وعوالم مدينة منسيّة

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاباً جديداً بعنوان “بورتريه لمدينة صغيرة” للروائيّ والشاعر الكرديّ السوريّ كاميران حرسان. يتناول الكتاب بأسلوب أدبيّ رفيع سيرة ذاتية للكاتب، مستعيداً ذكريات طفولته في مدينة عامودا، وهي مدينة صغيرة تقع في شمال شرق سوريا.

يُعدّ هذا الكتاب بمثابة مرآة تعكس حياة مدينة تغمرها البساطة ويغلب عليها الطابع الريفيّ، وقد تركت بصمة عميقة في نفس الكاتب. يتكون الكتاب من ثلاثة أبواب، كل منها يحمل في طياته قصصاً ومشاهد متفرقة، تنقل القارئ بين تفاصيل دقيقة لحياة الكاتب ومجتمعه، وبين صور أدبية معبرة عن الطبيعة والمكان.

يمتزج في “بورتريه لمدينة صغيرة” الحنين مع التأمّل، حيث يرصد الكاتب تفاصيل من حياته اليومية في المدينة، بدءاً من البيوت الطينية وأزقة المدينة الترابية، وصولاً إلى حكايات الأجداد وأساطير الطفولة.

يجسّد حرسان ببراعة تأثير الأماكن في مسارات حياتنا وصياغة ملامحها، من خلال الغوص في عمق الذاكرة المرتبطة بالشوارع المتربة والأصياف الحارقة. يقدّم حكايات وأساطير تتشابك بسلاسة مع أحاديث الجدّات وضحكات الأطفال، مستعيداً لحظات وتفاصيل دقيقة شكّلت جزءاً جوهريّاً من هويّته الأدبيّة والإنسانيّة.

لا يقتصر الكتاب على كونه سيرة ذاتية فقط، بل يمتدّ ليصبح سرداً عاماً يجسد ذاكرة جماعية لمدينة بأكملها؛ مدينة عامودا، التي تكاد ملامحها السابقة الراسخة في ذاكرة الكاتب وذكرياته، في ظلّ التغيرات التي طرأت عليها بمرور الزمن.

في أحد فصول الكتاب، يتحدث عن فصول الشتاء الطويلة في المدينة، وكيف كانت تلك الفصول تحمل معها قصصاً وأحداثاً عالقة في ذاكرته، وعن ارتباطه الوثيق بالمكان الذي نشأ فيه.

عامودا لدى حرسان ليست مجرّد بلدة قابعة في مكان قصيّ منسيّ من هذا الكوكب، بل هي موطن لأرواح تتراقص على إيقاع الزمان، تبتهج باللحظات العابرة وتدمع على ذكريات الأيام البريئة. في هذا العمل، يعكس حرسان جمال الماضي وفرادة المكان بطريقة تجمع ألوان الحياة ونبضاتها، مشبعاً النصّ برائحة وجوه مدينته التي يرسمها بفرشاة الحبّ والحنين.

“بورتريه لمدينة صغيرة” لوحة سيريّة متكاملة الأركان تجسّد دعوة للقارئ للانغماس في تفاصيل مدينة عامودا، واستكشاف جوانبها المخفية، وربما للبحث في ذكرياتهم الشخصية عن المدن الصغيرة التي عاشوا فيها.

هذا العمل الأدبيّ يعكس بوضوح إبداع كاميران حرسان وقدرته على تحويل تفاصيل حياته اليوميّة إلى عمل أدبي رفيع المستوى، حيث يبرز القدرة على التعبير عن الحنين والحب للمكان بطريقة تلامس الوجدان.

يشار إلى أنّ الكتاب يقع في 138 صفحة من القطع الوسط، ولوحة الغلاف للفنّان التشكيليّ خضر عبد الكريم.

تعريف بالمؤلف:

كاميران حرسان شاعر ومترجم وروائي كردي سوري يحمل الجنسية السويدية، مقيم في السويد منذ أكثر من ثلاثة عقود. له العديد من الأعمال الأدبية الشعرية منها والنثرية. نشر وكتب في جرائد ومجلات عربية وأجنبية وترجم القصائد السويدية إلى اللغة العربية. له إصدارات وأعمال أدبية كثيرة منها: “غربان طائرة”، رواية 2023، “رشيقاً أعمى كالدمى” شعر 2000، “بين” شعر 2006، “نجوم من أعماقها” شعر 2007، “المدخنة التي امتلأتْ بالدبابير ” شعر 2021، “كوكبة النسور” رواية 2021، “درب الغريب” مختارات شعرية للأديب السويدي غونار إيكيلوف 2016، “مجرات سحرية” مختارات شعرية سويدية 2018، “السماء نصف المكتملة” مختارات شعرية لتوماس ترونسترومر 2020. تُرجم البعضُ من أعماله الشعرية إلى اللغتين الكردية والسويدية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…