“وردة لخصلة الحُب” لـ كمال جمال بك

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك،  متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة أولية مقتبسة بتصرف من ويكيبيديا الموسوعة الحرة تشير إلى أن “خصلة الحُبّ  (Lovelock’s Nest) معروفة في القرنين 16 و17، بين الرجال الأوروبيين. (وربما جاءت منها لاحقا عادة إغلاق العشاق أقفال الحب على جسور الأنهار). وهي خصلة شعر طويلة، وغالبا مضفورة، وترسل على الكتف الأيسر، جانب القلب، لإظهار الإخلاص لمن تحب”. وصولا إلى عرى القصائد، وانسدال الستارة على المشهد الأخير بمعانقة الخاص مع العام، في نسيج توزع على ضفتي، بلد متهالك في الحروب والجهالة والاستبداد والإذلال والمجاعات، ومنفى آمن للناجي الذي صارعالقا بين زمانين ومكانين وذكريات متداعية وواقع خريفي دائم يهرهر أيامه من مفكرة التقويم.

وبمواجهة هذا الحال، ما القيمة التي تشكل رافعة للإنسان في زمن التوحش غير الحب؟ وما غرسة الجمال والطيب في النفس إن لم تكن وردة؟ وما الخصلة إن لم تكن خصالا وضفيرة؟ إنه الحب مطلق الجناحين يهدى من دون إهداء في فاتحة الكلام، ومن ” جعبة  لارصاص بها”:

“لم يقل لي لماذا الطيور ترافق ظلّي

وتأوي إلى دفئها في سحائب شَعري؟

ولمَّا توقَّدت الحربُ، ما بين خلّ وخلّ

مضى.. فتلفَّت كي أتمرأى بريش العصافيرِ ما بيننا

كان ظلٌّ لبارودةٍ، والعتابُ سرابُ

تجاوز أزرارَهُ، والحدودُ ثيابُ

بأكمامها وردُ فلّي

مضى… لم يقل: جعبتي لا رصاصَ بها

بل زوارقُ من ورقٍ،

ومجاديفُ أقلامُها من رصاصٍ

ولو قال لي، كنت عانقتهُ

ونسجت له من عقود المحبَّة شالاً

ومتُّ على راحتيه،

إلى أن يذوب ترابٌ، ويحيا ترابُ”

 

وفي الحب حضور للمرأة وتحقق لوجودها،  بتاء التأنيث تائها، هي البجعة والبرتقالة والكمأة والشمعة والدنيا مشرقا ومغربا، والوردة في تجلياتها. وفي سمو الحب أمٌّ بسرير ست قصائد في قلب المجموعة توسدت عنوانا يصلها كحبل السرّة: “ضحكة أمي مريم ميزان الشّعر عندي”. وبأذيال ثيابها تعلقت البنات الأميرات الحفيدات:

” والبنات.. البنات

شجرالدَّار نبعتهُ وجنينتهُ، وقطائفُ مطبخهِ

شغب الدَّلعِ المزّ، نسمتهُ وعذوبتهُ

والحنونات يمّا

الخجولات كحل الزرازير، نغط القطاة

والبنات

غنجهنَّ قضاما و”سكَّر نبات”

سحرهنَّ ملاحتهنَّ،

وظرفُ الكلامِ بأنفاسهنَّ، وليس بأثوابهنَّ،

وليس بألعابهن ودُمياتهنَّ،

فهنَّ جميعا بلا ولدٍ والدات”

في قفل الحب الأخير ثلاث عشرة قصيدة مزيج من الدم السوري والفلسطيني في رؤيا شعرية لا تنفصل الذات فيها عن سياقها الإنساني.

ومن القصيدة الأخيرة، انسدلت خصلة المقطع الأخير على كتف الغلاف الأخير:

“يقولون: سوريا!

فينتصبُ الطّفلُ في المهدِ سرْواً،

بساتينَ دائمةَ الإخضرارِ، معمّرَةً، ومذهَّبةً

من كرومِ فلسطينَ، حتَّى حريرِ دمشقَ،

عباءاتها قصبٌ لزفافِ الفراتِ

يقولون: سوريا!

يشيبُ الفتى وهو يبحثُ عن ولدٍ ضائعٍ

يستجير بأهلٍ وجار

تنادي الجوامع عمَّن رآهُ

وتضرب كاهنةٌ مَنْدلاً بروائحِ طيبٍ

فتلقاهُ يسألُ عن نفسهِ

وكذلك يسعى إلى من سواهُ!”

 

كمال جمال بك، البوكمال سورية 1964 شاعر وصحفي. عضو اتحاد الكتاب السويديين وعضو رابطة الكتاب السوريين. له منذ 1992 حتى 2024: عشر مجموعات وثلاث ترجمات: “فصول لأحلام الفرات” “سنابل الرماد” “بعد منتصف القلب” “فاتحة التكوين” “مرثية الفرات العتيق” “جسر الضلوع.. وهذه قصيدتي” “ذئب المنفى وعصافير الثَّلج” “لاجئ في المشفى مع ترجمات إنكليزية وسويدية وفرنسية” “ماري عطر الشرق” “كروموسوم الحب 21 قيراط”.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

هوشنك أوسي
كعادتهِ، سواء أكانَ في المنزل أم في المقهى أم في زيارةِ صديق، بعد انتهائهِ من شربِ فنجان القهوة، يَقلبُهُ، تاركًا خيالَ البُنِّ المترسِّبِ في القعرِ البدءَ برسمِ الطلاسم والأشكال. نادرًا ما يُصادفُ قارئةَ فنجان هاويةً أو محترفةً تقرأُ تلكَ الخربشاتِ والرسوماتِ الاعتباطيّة، مُعتمدةً على معجمِ تأويلاتِها، وغالبًا ما يتركُ فنجانَهُ مقلوبًا حتّى من دونِ…