حول رواية مدرسة الثراء يليق بالنساء لرباب الناجي

ريبر هبون

في مطلع الرواية بدا السرد مكتظاً بالغموض بلغة المخاطب، وهذا السرد من شأنه تغيير مسار العمل وتحديد جنس العمل الأدبي وإخبارنا أننا أمام ضرب من ضروب التخاطر الذاتي والتداعي الحر، وهذا سيجعل القارئ يشعر برغبة ضئيلة في المتابعة لغياب الحبكة الحكائية، هذا ما يسمى بالسرد المنفلت عن عقاله، حيث تخوض بلغة شعرية ونثرية في زحمة الأفكار والصور دون وجود خيوط واضحة تمثل إشارات لفهم هذا العمل الذي من المفترض أن يكون رواية حسب تحديد الكاتبة لجنس عملها، حيث يمكن التعامل مع النص هنا على أنه مفتوح على الخاطرة أكثر، حيث لابد من شخصيات واضحة في الرواية وإن بدت حديثة في اعتمادها على تلك التداعيات التي تخطر في النفس على نحو غير منتظم إلا أن ذلك يجعلها ضمن الحقل الشعري ولهذه النصوص جمالية فنية بالطبع ، عندما يسود النص ذلك السرد المبهم المتشعب والمتسم بفوضاه ولا انتظامه تصبح وظيفة النقد هنا الإشارة إلى وجوب وجود أفكار منتظمة وقبلها إطلاع واسع على طرائق تناول الرواية قديمها وحديثها، حيث الكتابة مسؤولية وتتحدد وظيفة المؤلف في أن يكون لديه هدف مما يكتبه، ومما لاشك فيه فإن تهافت كتّاب اليوم نحو كتابة الروايات لا يعني بالضرورة مقاربتهم لهذا الفن وقواعده، وإنما لابد من وجود نقد حقيقي عملي يفصل بين هذه الكتابات ويفرزها أيها ينتمي لجنس الرواية وإيها ينحاز للنص المفتوح الذي يقول بوحدة الأجناس الأدبية، فالكاتبة رباب الناجي ساردة جيدة لما يعم النفس من فيوضات وأفكار تلتقي أحياناً مع النثر وتارة مع الشعر ، فهذه الفوضى في سرد المواجع والأحلام والهواجس والرغبات تمتاز بوجود فنية ماتعة في تلابيبها، حيث يقتضي النقد الهادف في هذا الصدد أن تتم مراجعة تلك الكتابات وإعانة الكاتب على تحقيق  أعمال جادة تمتاز بحيويتها فهمهما ووعيها بدواعي الكتابة ، فكتّاب اليوم المتهافتين لعالم الرواية كي يحوزوا ببساطة على لقب روائيين دخلوا في فخاخ الكتابة المنتمية لمذهب وحدة الأجناس الأدبية  وتمت محاباة ومجاملة غالبهم بضروب القراءات الصحفية الإنطباعية العابرة وأبقت بعضهم في حالة من الزهو والانتشاء حالت دون أن تتطور لغتهم حيث أغلقوا أعينهم عن الذين يحاولون إعانتهم على كتابة أفضل وذلك بالإشارة إلى مكامن القوة والضعف في آن حتى يتم تداركه في قادم الأيام، وذلك يحدث بوجود نقد منصف يتناول العمل الموضوع بمعزل عن مؤلفه،حيث أننا أمام بيئة أدبية تعج بالكثير من الكتابات التي ينشد أصحابها الشهرة السريعة السهلة أمام ندرة النقد أو غيابه، لنتأمل هنا ص 32 :

“أردت كثيراً ادعاء الأمر من أجلي لمرة وفقط، إنه انتهى ثم انتظرت، لكن لم يهذبك الفراق كما هذبني الحزن بفقدك ، كنت معها أمامي تماماً بينما هي بي دائماً، ثم لم أجد رصاصة أقتلني بها لأستريح، فقتلنا معاً مرة بعد مرة في سطور.”

هذه عينة  حول انغلاق النص ضمن ذاتية مغلقة تستدعي هموماً، أفكاراً وهواجس تفتقد الجدة والتميز في طرحها،حيث تلوك أحداثاً تنتمي للماضي.

خلاصة:

إنها تجربة الشاعرة رباب الناجي الأولى ومحاولتها في إخراج رواية، بيد أنها لم تخرج من عباءة الشعر والنص النثري وإنما نجد همس الأرواح بادياً في مكامن النص تحاكي عالماً مملوء بشغب الأحاسيس وفوضى المشاعر وإن أشارت لأسماء شخوص وبشكل عابر إلا أنها انحازت أكثر لهذا التخاطر الذي هيمن على الكتاب من أوله لمنتهاه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إدريس سالم

 

«الغابة السوداء»:

بداية لا بدّ أن نوضّح حقيقة مهمّة لكلّ قارئ، لأدب الروائي السوري، مازن عرفة. فمازن عرفة لا يكتب الرواية السياسية، ولا يكتب الرواية الشعبية أو الثورية، هو لا يكتب الرواية النفسية أو الفلسفية، ولا حتى الرواية التاريخية والوطنية، بل يكتب الرواية الإنسانية، هو يكتب رواية الإنسان، يكتب الإنسان؛ وعن الإنسان. يحاول بأسلوبه –…

المهندس باسل قس نصر الله

 

عيدُ ميلادي الثامنِ والستينَ اقتربَ، وقد تقرؤونَ المقالةَ وهو قد حلَّ أو تجاوزَهُ.

بعد أن انتقلَ أبي مع أمي – في بدايةِ ستينياتِ القرنِ الماضي – إلى مدينةِ اللاذقيَّةِ، أصرَّ أن يُبقينا – أنا وأخي سامر – في حلبَ على أساسِ أنَّهُ سيعودُ إليها بعد ستةِ أشهرٍ، ولا يريدُ أن “يشنططَنا” بتغييرِ…

مروة بريم

 

على سبيل التنظيم، والتخلّص من الأوراق المكدسة، وبعض الكراريس الهزيلة القديمة، سحبتُ دفترًا أحمر الغلاف، ربما كان هدية من إحدى الصديقات. أمسكتُه بحذر شديد، فأنا أرتاب جدًا في اللون الأحمر، وأخضعته لفن المسافة، مذ رأيته يرفرف خلف ليونيد بريجنيف، ويبالغ في إظهار حاجبيه الوطفاوين، وعينيه الغامضتين كحصون المغول.

أمسكتُ أوراقه ببن السبابة والإبهام، وأطلقتها بسرعة…

ياسر بادلي

 

في هذه البلاد…
تنكشف الوجوه على حقيقتها،
تُختبر المحبة، وتُفرَز العلاقات،
فتُعرَف معادن الأقرباء، ويُكشَف صدق الأصدقاء.

الغربة هنا لا تعني الرحيل،
بل تعني الصحوة…
أن ترى من كان قلبه معك، ومن كان ظلًا فقط.
•••
أوربا يضيع الإنسان بين ذاكرته وثقافة لا تشبهه،
يحاول أن ينتمي،
لكن الانتماء دون دفء… لا يُثمر روحًا.
وطنٌ بعيد…
ليس جغرافيًا، بل عاطفيًا،
بعيد عن الأم، عن العائلة، عن الحنين.
•••
أوروبا…
قفصٌ…