أماكن مهجورة

هوشنك أوسي

1.

لا أريد مغادرتها، قبل تسديد الديون التي علي.

الحياة بنك، منحني قروضا كثيرة؛

اليتم احتطب عمري باكرا.

الفقر كأم بديلة أرضعتني الخوف من الغد.

الإعاقة العقوبة التي رفضتها،

والسجن الذي غادرته.

القلق استخدمه حمارا وكلب صيد.

الحلم أجعله مظلة أفتحها،

عندما يداهمني اليأس كأربعين شتاء، وستين حرب.

الكتابة طبيبتي النفسية؛ ألجأ إليها كلما شعرت بالتعب،

أحبها وتحبني، ونخون بعضنا البعض.

هذه القروض الباهظة الفوائد، لم تكسر عيني أو ظهري،

أنا على وشك هجرتها.

لا أحب أن أكون مدينا لأحد،

عندما يتولاني تراب الغربة.

2.

خرج القطار عن السيطرة،

لا يتوقف في المدن التي يمر بها.

سريع وهمجي، لا سائق له.

كثورة مهجورة، غادرتها شعاراتها وثوارها إلى المقابر والمتاحف،

يبكي بغزارة وتهور.

يكتب الشعر بشراهة وتهور،

يندم على ماضيه ويندب حاضره بتهور.

فاحش، عربيد، فضائحي،

وكاتم أسرار عشيقاته،

يداهمهن فجأة وبرعونة، ويغادرهن بتهور.

قطار يكره الغياب، ولا يدمن الحضور،

تسمونه المجهول،

وأدعوه؛ الذكريات.

3.

لست بوما أو عنكبوتا أو روحا شريرة،

لماذا تحبني الأماكن المهجورة؟!

أونسها وتؤنسني،

ويؤنس هدوءها ضجيجي.

عندما كنت فنانا،

رسمتها في لوحات كثيرة.

وحين كنت شاعرا،

كتبت عنها قصائد لا تحصى.

في سنوات المراهقة والشباب،

كانت تلك الأماكن

مسارح غرامياتي الطائشة مع فتياتي الكثيرات.

الآن، مع كل هذا الصخب، الحروب، الدوي والتراشق،

الذي يفيض ويكاد أن يبتلع العالم،

سأورثكم المتبقي من أماكني المهجورة.

22/12/2024

Oostende / Belgium

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالرزاق محمود عبدالرحمن

كان في صدري شرفة تطل على سماوات بعيدة،
أعلق عليها أمنياتي كفوانيس صغيرة،
حتى وإن كانت الحياة ضيقة، كنت أزيّنها بخيوط من الأمل،
أجمع فتات الفرح، وأصنع منه أحلامًا تكفيني لأبتسم.
كنت أعيش على فكرة التغيير، أتنفسها كل صباح،
وأخطط، وأتخيل، وأصدق أن الغد قد يجيء أجمل.

أما الآن…
فالنوافذ مغلقة، والستائر مثقلة بغبار الخيبات،
وألواني باهتة، وفرشاتي صارت ثقيلة بين…

عِصْمَتْ شَاهِينْ اَلدُّوسَكِي

وَدَعَتُ فِي نَفْسِي ضِيقَ الْحَيَاة

وَأَلَمَّ الْأحْزْانِ والْجِرَاحَات

أَذْرُفُ الدُّمُوعَ بِصَمْتٍ

كَأَنِّي أَعْرِفُ وَجَعَ الْعَبَرَات

أُصِيغُ مِنْ الْغُرْبَةِ وَحْدَتِي

بَيْنَ الْجُدْرَانِ أَرْسُمُ الْغُرْبَات

 

**********

يَا حِرمَاني الْمُكَوَّرِ فِي ظَلَامي

يَا حُلُمي التَّائِهِ فِي الْحَيَاة

كَمْ أشْتَاقُ إلَيْكَ وَالشَّوْقُ يُعَذِّبُنِي

آَهٍ مِنْ شَوْقٍ فِيه عَذَابَات

لَا تَلَّومْ عَاشِقَاً أَمْضَى بَيْن سَرَابٍ

وَتَرَكَ وَرَاءَهُ أَجْمَلَ الذِّكْرَيَات

**********

أَنَا الْمَلِكُ بِلَا تَاجٍ

أَنَا الرَّاهِبُ بِلَا بَلَاطٍ

أَنَا الْأَرْضُ بِلَا سَمَوَات

وَجَعِي مَدُّ الْبَحْرِ…

ميران أحمد

أصدرت دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع مؤخراً المجموعة الشعرية الأولى، للشاعر الإيزيدي سرمد سليم، التي حملت عنوان: «ملاحظات من الصفحة 28»، وجاءت في 88 صفحة من القطع المتوسط.

تأتي هذه المجموعة بوصفها التجربة الأولى للشاعر، لتفتح باباً على صوت جديد من شنكال، يكتب من هوامش الألم والذاكرة الممزقة، بلغة جريئة تشبه اعترافاً مفتوحاً على الحياة…

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…