تلقائية إصدار الأحكام

ابراهيم البليهي
الأصل أن كل إنسان تكون له رؤى ومواقف مسبقة تنهال تلقائيا فتأتي استجاباته في مختلف المواقف بالقبول أو الرفض دون تحقق وإنما تكون الاستجابة تلقائية انسياقًا مع ما هو مستقر في ذهنه من أنماط وتصورات وتحديدات مسبقة ……
هذه التلقائية في الاستجابة استوقفت فلاسفة ومفكرين فاقترح الفيلسوف الألماني فرانز برنتانو فكرة (القصدية) بهدف وضع ضابط يحجز الفكر عن تلقائية تأكيد مواقفه المسبقة من الأشخاص والأعمال والاتجاهات والرؤى فوفق رؤية برنتانو يتعين على كل شخص أن يضع القصدية كابحًا يستوقف التفكير ليمعن النظر ويتحقق قبل أن يقبل أو يرفض فلا يعلن موقفه أو يُصدر حكمه إلا بعد التحقق ……
وقد التقط فكرة (القصدية ) ادموند هوسرل وأسس اتجاهًا فلسفيا صار يُعرَف بالظاهراتية فلم يكتف هوسرل بالقصدية وإنما أضاف آلية تأمُّلية أخرى فاقترح (وضع العالم بين قوسين) بهدف التروي والتحقق وإعطاء كل موقف ما يستحقه من إمعان النظر والتأكد من التحقق  ……
وجدتُني أتوقف وأنا أقرأ مقدمة التقريظ التي كتبتها البرفيسورة لين مرغوليس أستاذة علم الأحياء بجامعة بوسطن لكتاب (نشأة الحياة) للبروفيسور وليم داي ……
تقول البرفيسورة بأنها تلقت بواسطة البريد نسخة من كتاب (نشأة الحياة) للبرفيسور وليم داي وبأنها تصفَّحتْه بسرعة ثم رمته مع النفايات لأنها لم تكن قد سمعت بالمؤلف من قبل ولأنها توَهَّمت من التصفح السريع أنه يتخذ مواقف مضادة لما هو مستقر عندها من تصورات عن علم الأحياء ……
لكن زميلها البروفيسور ميشيل رامبلر التقط الكتاب المرمي في النفايات ثم قرأه بروية وعاد لرئيسة قسم الأحياء التي رمت الكتاب وأبلغها بأن الكتاب مهم وأنه ليس فقط يستحق أن يُقرأ وإنما يجب أن يقرَّر بوصفه مرجعًا علميا مهمًّا وبعد أن قرأته رأت أن حكمها السابق كان متسرِّعًا وغير منصِف فكتبت للطبعة الثانية مقدمة تقريظية مضادة تمامًا لحكمها السابق الذي كان متسرعًا ومجحفا وفيها تقول: ((كتابٌ جليُّ العبارة بالغُ الأهمية متسقُ الأسلوب يربط معًا جميع الحقائق؛ ها هو الكتاب وقد أفلح واضعه في معالجة تاريخ المعضلة الفكرية بوضوحٍ وسلاسة بالغَين؛ فالطلاب والمعلمون والباحثون كلهم سيرحبون أيما ترحيب بهذا الكتاب المرْجِع)) هذه الصورة في التسرع في إصدار الأحكام تتكرر أما التدارك والتصحيح فمن النادر أن يحصل إنها مأساة الحقيقة المُزْهَقة دومًا ….
……….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبري رسول

أطلّت علينا الكاتبة وجيهة عبد الرحمن بنصّ سرديّ، يحمل إشكالية المجتمع المتنوّع دينياً ولغوياً وقومياً، معنونٍ بـ «لالين» مع عنوانٍ فرعيّ مكمّل «حدث أن تزاوجت دور العبادة» صادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت 2016م. تتضمن الرّواية فصلين، الأول غير معنون ومؤلف من ثلاثة عشر مقطعاً مرقماً، الثّاني معنون بـ«لالين… سليل نهايات الحروف»…

ناشرون فلسطينيون| رام الله
مقدمة:
كتاب “سر الجملة الاسمية” (الرقمية، 2025) للكاتب الفلسطيني فراس حج محمد يمثّل إضافة نوعية للمكتبة العربية، فهو لا يقتصر على دراسة لغوية بحتة، بل يتعداها إلى تحليل أدبي عميق، ويكشف عن أبعاد جديدة للشعرية العربية. يركز الكتاب على قوة الجملة الاسمية وإمكانياتها الإبداعية، مستعرضاً نماذج متنوعة من الشعر والنثر العربي، والكتاب عمل…

أقام الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد بالتعاون مع اتحاد كتاب كوردستان سوريا ندوة وحفل توقيع رواية «الزلزال» ، للكاتب والروائي ريبر هبون في مدينة إيسن الألمانية
بحضور جمع غفير من الحضور المعنيين بالشأن الثقافي
أدار الجلسة الشاعر مروان محمد “Bavê Zozanê”
كما وقدم الأديب والناقد ابراهيم اليوسف لمحة عن تجربة الكاتب ريبر هبون وإضاءة نقدية حول رواية الزلزال…

غريب ملا زلال

في حدود
طفولتك الأولى
أو فوق عرزال
كنت تعد نجوم الصيف
في ليله الجميل
أن تموت ببطء شديد
في شارع بيتك القديم
المطلي بهموم الراحلين
أو بين رفوف مكتبتك
حتى يتلقاك كتابها المجانين
إبتهاجاً بقلبك الموزع
على كل غلاف أو جدار
أن تموت ببطء شديد
في ساحة البيت الكبير
الصامت حزناً
على العاشقين الغائبين
خير
من أن تموت بسرعة الضوء
قي قصر
يشبه إناءاً فخارياً ،
طري العنق
جُهِّز
كي يرمى أرضاً
قرباناً
للإله الذي سيجيء

العمل ل ليديا…