الفلسفة لا تُعَلَّم

 ابراهيم البليهي
من حرارة التساؤل ومن عمق الاستشكال ومن استصحاب الشك ومن ديمومة الرغبة العارمة في الادراك والمعرفة والفهم نبع التفكير الفلسفي الخلاق لذلك فإن التفكير الفلسفي يستحيل أن يُعَلَّم  فحين يجري تعليم الفلسفة فيجب أن لا نتوقع تخريج فلاسفة ……
الفلسفة حتى في منشئها في اليونان لم تتحول إلى ثقافة عامة للمجتمع وإنما كانت نشاطًا فكريا فرديا اسثنائيا فكان الفلاسفة قِلَّة من الأفراد النابهين الاستثنائيين لأن الفلسفة لا تنال بالتعليم إنها انبثاق تلقائي ينتج عن الشك العميق والتساؤل الملح وتَوَهُّج العقل بشكل حاد فلا يمكن تعميم الفلسفة ولا تعليمها فمثلما أن قادة الفعل العظماء كانوا وسيظلون أفرادًا متميزين فكذلك مشاعل الفكر كانوا وسيظلون أفرادًا استثنائين …..
يقول نتشه: ((الفلسفة ليست تأسيسًا لمذهب ولا تبشيرًا بحقيقة ولا وعدًا  بالسعادة بل هي نبشٌ في الأُسُس وتقويضٌ للثوابت وإزالةٌ للأقنعة وفضحٌ للأوهام))
ويقول روديجر بوبنر: ((إن روح الفلسفة هي التساؤل المفتوح الذي لا يعرف الهوادة))   ويقول جيجك: ((الفيلسوف شخصٌ يشغل نفسه بالنقد بدلا من أن يحاول الإجابة على الأسئلة))
ويقول دانيال دينت: ((إن العثور على أسئلة جديدة وعميقة وكسر العادات والتقاليد القديمة يُعَدّان جزءًا صعبًا للغاية من المشروع الإنساني الكبير لفهم أنفسنا والعالم)) ……
وبذلك ندرك أن من الأخطاء الكبرى أنه حين تم تعميم التعليم في أوروبا ثم في كل العالم أُدخِلَتْ الفلسفةُ كمادةٍ دراسية مثل مادة التاريخ أو الفيزياء بينما أنه كما يقول الفيلسوف الألماني الأكبر كانط : ((لا يمكن تَعَلُّم الفلسفة)) ويؤكد الفيلسوف كارل ياسبرز أن تعليم الفلسفة هو من الأخطاء الكبرى الجارية في العالم فالتفكير الفلسفي نشاطٌ عقلي تلقائي استثنائي ينبع من أعماق الذات باستثارة غير عادية واستجابة تلقائية غير عادية لقلةٍ من الأفراد لديهم القابلية ……
وبسبب التعامل مع الفلسفة كأي مادة في التعليم انحرفت الفلسفة عن مسارها فنشأت الوضعية المحدثة والفلسفة التحليلية وفلسفة التأويل وغرقت الدراسة الفلسفية في فروع معرفية مثل تحليل اللغة وبذلك حادت الفلسفة عن وظيفتها حيث نجد هذا الانحراف الحاد في فلسفة الظواهر يقول هوسرل في كتابه (الفلسفة علمًا دقيقًا): ((لقد كان المطلب الدائم للفلسفة أن تكون علمًا دقيقًا)) وهذا مغاير تماما للتفكير الفلسفي ثم تفاقم الخلل بظهور فلسفات التأويل حيث ذابت الحقيقة وتفاقم الخلل بطوفان التأويلات …….
يقول الفيلسوف وليم جيمس: ((وظيفة الفلسفة هي تحرير العقل الإنساني وتوسيع إدراكنا بالعالم))
التفكير الفلسفي فنٌّ رفيع لا يمكن نواله برتابة التعليم فمثلما أنه لا يمكن بواسطة التعليم إنتاج شاعر مثل المتنبي  فدراسة الشعر لا تُنتج شاعرًا وكذلك دراسة الفلسفة لا تجعل الدارس فيلسوفا …….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

هند زيتوني| شاعرة سوريّة

هبًّ البحرُ،
ينثرُ ملحه كتعويذة تطهّر جراح المدينة،
يغسلُها من الحزن،
ويسقيها من نبع الحياة قطرة أمل.
خرج الموتى،
يتمايلون في حلبة الريح،
يلقون النشيد المقدّس
على حقولٍ أثقلها التعب.
خرج الرسّامُ من المجزرة،
بيدٍ مقطوعة
ولوحاتٍ معفّرة برصاصٍ آثم،
وأحمرٍ خجول.
من يُعيد للألوان زهوها؟
غزةُ،
أيّتها المدينة العالقة
بين فكّي (الميركافا)
وعويل الطائرات،
كيف تحيا الذاكرةُ
حين يُشفق علينا النسيان؟
هناك،
كان الزمنُ يجلدُ نفسه،
والأشرارُ يحملون
صخرة سيزيف
من القاع إلى القمّة،
لتسقطَ…

إبراهيم محمود

في سجل محكوميتي وأنا على قيد الحياة، كما أنا الآن، أعني ” في قيد الحياة بدقة أكثر” سلسلة من الجرائم، أنا طريدها ليل نهار، منها:
محكومٌ بسفك دماء مائة قصيدة وقصيدة عن الصباح، لأن كل صباح فيها شهد ارتكاب أكثر من مذبحة حياتية بحق أطفال قيّض لهم أن يصبحوا نوابغ مجتمعاتهم
محكوم من أطفال لا أكثر…

بدرية دورسن

وَلِيدَاتُ القَهْرِ وَالْخُبْزِ المُسَافِرِ بَيْنَ
خُطُوطِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ
بَيْنَ حُمْرَةِ الْخَجَلِ عَلَى وَجَنَتَيِ الْوَرْدِ
بَيْنَ الْخُضْرَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا عُنْوَانٌ
وَلِيدَاتُ الشَّوْقِ وَالتَّشَتُّتِ
الَّتِي لَيْسَ لَهَا عِناقٌ
وَالحَلُّ
وَالحَلُّ بَيْنَهُمَا دَرْبٌ مِنَ الوَهْمِ وَالسَّرَابِ
فَكُلُّ مَا يُقَالُ كَلِمَاتٌ
كَلِمَاتٌ لَا شَيْءَ سِوَى كَلِمَاتٍ
كَلِمَاتٌ تَسْبَحُ لِلْهُرُوبِ مِنْ أَنْغَامِ الْأَحْزَانِ
كُلُّ شَيْءٍ تَشَابَهَتْ كُلُّ شَيْءٍ
فِي ذُرْوَةِ الْحَيَاةِ فِي قِمَّةِ الْمَوْتِ
وَلِيدَاتُ التَّمَزُّقِ فِي الْهَوَى
التَّنَهُّدَاتِ فِي التَّأَمُّلِ
وَكَأَنَّنَا خُلِقْنَا…

تقرير: فراس حج محمد| فلسطين

صدر مؤخرا عن دار السراج للنشر والتوزيع في مدينة طرابلس الليبية، كتاب “جسور- أسئلة عن الأدب الليبي”، وهو الكتاب الثاني للصحفي والكاتب الليبي عبد السلام الفقهي، وصمم غلافه الفنان التشكيلي محمد الخروبي، ويقع في (230) صفحة من القطع المتوسط.
وتمثل مادة الكتاب كما جاء على الغلاف الأخير “تذكرة صعود إلى فضاءات تجمع…