إلى الليلِ الذي لم يكن ظلي

خالد ابراهيم
 أهكذا تنقضُّ عليَّ أيها الزمنُ كذئبٍ جائع؟ أهكذا يضيقُ بي المدى حتى تصيرَ الأرضُ حفنةَ غبارٍ في قبضتي؟ قلْ للريحِ أن تخلعَ عني جلدَ هذا التيه، أن تحصدَ ما تبقّى من وجوهٍ ذابلةٍ سقطتْ تحت معاولِ الضوء، وقلْ للسماءِ: أنا السُّرابُ إن خانني العطشُ، أنا الجرحُ إن خانهُ الملحُ، وأنا آخرُ ما لفظتْهُ الحروبُ من أغنياتٍ مكسورة. حطِّمْ قيدَكَ أيها القلبُ، اكسرْ يدَ الظلِّ التي تقودُك للعدم، دُسْ على النبوءاتِ التي غرزتها الأحلامُ في خاصرتك، واغمدْ في حلقِ الغيابِ سيفَ حضورِك، ارفعْ منارَ الرمادِ حتى يصيرَ الكونُ قبضةَ دخان، حتى يصيرَ الليلُ ندبةً على جبينِ الوقت، حتى تقولَ: هذا أنا، وهذا موتي يُولدُ في ضحكتي، وهذا حصانُ السنينِ يسقطُ صريعًا على أعتابِ الوهم. قد آن أن ينحني السوادُ تحت قدميَّ، قد آن أن ينطفئَ القمرُ في كأسِ ندمِهِ، فيا أيها الليلُ، أيها الفراغُ النازفُ في أوردتي، انزعْ وجهَكَ عن وجهي، لا أريدُ أن أكونَ مرآتك، لا أريدُ أن أرثَ عنكَ وحشتكَ، لا أريدُ أن أكونَ ظلك. فلتحترقْ كلُّ الشموعِ التي لم تضيء إلا الظلام، وليتحجَّرْ هذا الزمنُ في حنجرتي، وليكنْ هذا الصمتُ نصلًا أخيرًا أطعنُ به وجهي قبل أن يخذلني النور.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

نارين عمر

من خلال التّنزه في وعلى شواطئ الكتاب المعنون “شواطئ النّص، الاقتباس التّمهيدي في الرّواية العربية” للكاتب الدّكتور ولات محمد الصّادر عن منشورات دار لوتس للنّشر الحر، الإصدار رقم 757 يناير 2024 سوف نجد أنّه بذل جهداً كبيراً في كتابته وإعداده، وخصّص له سنوات طويلة ليكون الكتاب الأوّل في النّقد العربي الذي يخصّ عتبة…

فراس حج محمد| فلسطين

المقدمة:

لا شكّ في أن المفاهيم عامّة يتناسل بعضها من أعطاف بعض، فتنشأ بينها علاقة معينة، ولتشترك فيما بينها في جزء من المعنى قبل أن يأخذ المفهوم الجديد شرعيته بالاستقلال عن غيره في الحدود الدلالية والتطبيقات اللغوية، فالاستعارة مثلا تناسلت من مفهوم التشبيه، وظلت تعرف على أنها تشبيه حذف أحد طرفيه، وظلت هذه…

عبد الستار نورعلي

الليلُ ستارٌ نُسدلُهُ

فوق نهارٍ منْ أرَقٍ.

 

أطرقُ نافذةَ نهاري،

البابُ المُغلَقُ منْ غيرِ مفاتيحٍ،

البوّابُ النادلُ يغيبُ،

يظهرُ في ليلٍ داجٍ

منْ غيرِ ثيابْ.

عارٍ عنْ أرديةِ كلامٍ.

 

بابُ الكهفِ سرابٌ،

ثالثُنا القلمُ،

قلمُ الكلماتِ على ورقٍ

لا قلمُ شفاهٍ لا تنبِسْ.

 

ذاكَ البوّابُ يُغازلُني

أنْ أفتحَ كلماتي

لريحٍ صفراءْ،

قلْتُ:

أنا ريحي حمراءُ بلونِ الرايةِ

لا لونِ وجوهِ الأسيادْ.

 

في زمنٍ مرَّ

لم أفتحْ بابي يوماً

لريحِ كنوزِ الأٌقوامْ.

كيفَ أكونُ اليومَ

على…

عبد الجابر حبيب

 

سهلٌ ممتد،

في ضوءِ الفجرِ تتلألأُ

بقعُ الندى

 

********

طريقٌ موحل،

تغوصُ في الحقولِ

خطى عابرة

 

********

صوتُ الرعد،

فوق الشرفة الشرقية

حباتُ البردِ

 

********

هواءُ الخريف،

أوراقٌ متيبسة تتدلى،

بـحركةٍ بندوليةٍ

 

*******

صخورُ الجبل،

من بينِ الشقوقِ الضيقةِ

تنبثقُ الأغصانُ

 

********

بحيرةٌ راكدة،

تهتزُّ على سطحها

خيامُ الزائرين

 

********

موجٌ متكسر،

تتلاشى على الرمال

رغوةٌ بيضاءُ

 

*******

ليلة ماطرة،

وميضُ برقٍ خاطف

على السطوحِ

 

********

ضبابٌ كثيف،

من النوافذ البعيدة

خيوطٌ صفراء

 

********

ظلُّ الغصن،

على الجدار الأبيض

حركاتٌ غامضة

 

*******