ديا جوان: سلامٌ عليك، سلام لروحك الآتية

 إبراهيم محمود

 

لم أتمكن من المشاركة في تشييع جنازتها، حين أُخبِرتُ أنها  ودعت دنياها وتركت بصمتها الحياتية في الأدب والسيرة الملهمة كردياً، وقد انتقلت إلى العالم الآخر في يوم الأربعاء ” 26-2-2025 ” في عمر ” 72 ” عاماً، عمر امرأة أرادت أن تكون في مستوى إرادتها.

كنت في الطريق إلى هولير حين علِمت بخبر رحيلها الأبدي، لإجراء مقابلة معي في قناتنا الكردية ” شمس “، والتي تُبث بالعربية، من جهة كاتبنا الكردي الكبير جان دوست في برنامج ” وجوه “، وفي مستهل اللقاء عزيت عائلتها، أهلها إلى جانب الصديق الكاتب دوست .

إنها : زينب أوصمان شوزي ، والتي حملت لقب ” ديا جوان ” كما هو معروف. عاشت كردية، وعايشت كردستانيتها، سياسياً واجتماعياً وأدبياً، وحاولت التوفيق في نسيج مركَّب بين ما هو تاريخي واجتماعي وقومي وأدبي وبغتها الأم: الكردية، ووجدت في الشعر بحمولته الوجدانية ضالتَها( موجة من بحر أحزاني- بازبند” الحجاب ” – بندر.. ) مثلاً، وأودعت نصوصها الشعرية همومها اليومية، وهي هموم كرْدها، ولتجد نفسها مشدودة إلى تلك الذخيرة الحية في الذاكرة الشفاهية الكردية، وجرّاء مأساة الكرد في حرمانهم من كيان سياسي، ولغة موحّدة لهذا السبب، حيث الذاكرة جبهة مقاومة وشارة تحد للتاريخ الذي يورد فيه اسم الكرد أكراداً، دون حضور قومي، ولتكون الذاكرة معيناً ملهماً، كما سعت ديا جوان في حدود المستطاع، وفي أكثر من عمل له بصمة تراثية، فولكلورية، تاريخاً من نوع آخر، في ” حكايات شعبية ” في جزئين، وفي ” أقوال مأثورة “.. تعبيراً عن واجب قومي انسال سطوراً دالة على التزام عرِفت به هذه المرأة المرأة  بهويتها الكردية والمنفتحة في علاقاتها على الآخرين من لغات أخرى ” حين كانت مقيمة في ” دمشق ” .

ما أكتبه هنا ليس أكثر من القيام بأقل ما يمكن قوله والقيام به في وضع كهذا، بعيداً عن أي تفسير جانبي، جهة الاعتراف بمقام الآخر المختلف، تعزيزاً لأخلاقية التعامل مع الآخر، وتجسيداً لتلك الروح المشتركة التي تكون مظلة مجتمعية . ما أكتبه هنا، عزاء  لأهلها، لكردها وأنا من بينهم، لي بالذات، إذا اعتبرتني في الطريق نفسه، في مسيرة الحياة وما بعدها .

الكلمات الميسورة والمسطورة هنا تأكيد علاقة أدبية، اجتماعية، قومية، وإنسانية، وهي الحقيقة التي تعيننا على كيفية قراءة الآخر المختلف، والكتابة عنه، باعتباره شخصية مختلفة، ولها بصمتها في الحياة وفي الأدب. ومن هذا المنطلق، تحتاج هذه الكاتبة والشاعرة الكبيرة ديا جوان ، أعني ” زينب أوصما نشوزي ” إلى قراءة حياتية وأدبية من نوع آخر، يكون لها ظل على قياس عطائها الإبداعي، أو نتاجها الثقافي، وصلة كل ذلك بدورها في مجتمعها أو وسطها الاجتماعي وعبر وعيها السياسي وتجسيده نثراً وشعراً.

ربما بالطريقة هذه، يكون الوفاء لروح حياتية عاشت وأثمرت روحاً أخرى هي هذه التي ستكون شاهدة بليغة عليها، وبقائها رمزاً كردياً، في آثارها ذات المقام المحمود.

سلام على روحك ديا جوان، سلام لروحك التي أودعتِها حياة كردية لمن يتنفسون الكردية، ويمثّلها قولاً وفعلاً .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي

 

كان بيني وبين ديا جوان عهد صامت، تفاهم غير مكتوب، اتفاق لم نبرمه بالكلمات، لكنه ظل قائماً بيننا حتى النهاية. كنتُ أكره السياسة، أو بالأحرى، كرهتُ “السياسة” الكردية في بنختى. كان صوتي يرتفع لاإرادياً حين تُذكر، ينقبض صدري، ويتملكني ذلك الشعور الثقيل الذي لم أستطع تفسيره تماماً، لكنه كان يكفي ليجعلني أنفر من…

أحمد جويل

 

لم يبقَ مني سوى الريح

وحبات المطر…

يغازلني البرد،

وعلى وجنتي تجاعيد الزمن.

 

منسيٌّ أنا على قارعة الطريق،

والنهر يجدّف أحلامي إلى المحيط….

 

يذكّرني طائر النورس

بعد كل تغيير!!!

وبوصلة رأسي تدرك كل الجهات.

 

عذّبوني في زنزانتي المنفردة،

وفي قلبي… صهيل نحو الفرات.

 

تتكئ الأجراس على مآذني

الصدئة من فعل الصلاة.

 

هاتِ كفيكِ، مندلا،

تبصرين في أيامي كل الواقعات،

ومنديلكِ يلمّ دموعي

على أصداف الذكريات.

 

كم أنتِ تعاندين الإعصار،

تنفخين في النار،

فيتّقد…

غيب الموت صباح اليوم الأربعاء 26 شباط 2025، ديا جوان الشاعرة و القاصة الكوردية، والتي ولدت عام 1953، ونشات في كنف اسرة وطنية مثقفة، حيث تزوجت عام 1966 في مدينة قامشلو وانتقلت عام 1975مع اسرتها الى دمشق.

بدأت ديا جوان بالكتابة عام 1977، و نشرت قصائدها وقصصها باللغة الكوردية وترجمت أعمالها إلى اللغة العربية في معظم…

بوتان زيباري

في وداع القلم الذي لم ينكسر، والفكر الذي لم ينحني، والروح التي بقيت عصيّة على الانطفاء، ننعى برحيل الشاعرة والقاصة الكوردية ديا جوان، زينب أوصمان شوزي، التي أغمضت عينيها الأخيرة في السادس والعشرين من فبراير عام 2025، في مدينة دهوك بإقليم كوردستان، عن عمر ناهز اثنين وسبعين عاماً، بعد صراع مرير مع المرض، وكأنها…