“شموخ السنديان”

شيرزاد هواري

 

في أكنافِ الزمنِ الموحشِ،

حيثُ الحكاياتُ تنسجُها الأقدارُ بالخيطِ الشائكْ،

خرجتَ، يا عفرينيَّ، من صمتِ الجراحِ،

كالسنديانِ، سامقاً، لا تلينُ لهُ السواككْ.

 

لم تكنْ عابراً في الدروبِ،

بل كنتَ درباً، ونوراً، وسيراً على شوكِ الحقيقةِ،

زرعتَ في تربةِ الوجعِ حلماً،

وسقيتَهُ من نزفكَ صبرَ العتيقةِ.

 

فُصلتَ من الخدمةِ، لا من الكرامةِ،

طوردتَ كأنكَ تُشهرُ وجهاً من نورٍ على الظلمةِ،

سُجنتَ، فازدادتْ روحُك اتساعاً،

كأن الزنزانةَ صارتْ منبراً لنهجِ العزيمةِ.

 

هاجرتَ، تائهَ الخطى،

والزلزالُ، حين زعزعَ أرضَك،

لم يزلزلْ إيمانكَ،

ولا هزّ جذوركَ الضاربةَ في مجدِ الحكايةِ.

 

خانكَ مَن حسبتَهُ رفيقَ الطريقِ،

لكنّك لم تخنْ،

رفعتَ رايةَ النضالِ، لا على الأكتافِ، بل على الكتفينِ،

تحديتَ الرصاصَ بالكلمةِ،

والفُجرَ بالنقاءِ،

وعدوكَ بالوفاءِ.

 

حين جاء المرضُ،

لم تنكسِرْ، بل وقفتَ على حدودِ الألمِ،

وصرختَ: “لا موتَ إلّا إن خذلتُ قيمي،

ولا حياةَ إن انحنيتُ لذلِّ السنينِ.”

 

يا شموخَ السنديانِ،

يا جذعاً قاومَ حرائقَ الخياناتِ،

يا وردةً نبتتْ من شوكِ المنافي،

علّمتَ الأجيالَ أن النضالَ لا يُروى…

بل يُعاش.

 

شموخُ السنديان

 

في زوايا الزمنِ المثقلِ بالخذلانِ والتحدي،

نهضتَ، يا ابنَ عفرينَ،

كالسنديانِ، لا تهزُّك الرياحُ،

ولا تنالُ منكَ صروفُ الأيامِ.

 

من قلبِ الألمِ خرجتَ،

تحملُ جراحكَ لا لتنوحَ، بل لتنهضَ،

فقد ذقتَ مرارةَ الفصلِ،

وتبعتكَ ظلالُ المطاردةِ،

وأدمتكَ جدرانُ السجونِ.

 

ومع ذلك، لم تضعفْ،

بل كنتَ شامخًا كأنكَ جبلٌ من العزيمةِ،

تسيرُ في المنافي،

تحملُ الوطنَ في قلبكَ،

وتسقي الأملَ من دمعِ الغربةِ.

 

حين خذلكَ من ظننتَهُ أخًا،

لم تنكسرْ،

بل عُدتَ، طاهرَ اليدينِ، ثابتَ الخطى،

لا تحملُ إلا إيمانكَ بقضيةٍ،

وإرادةً لا تلينُ.

 

عملتَ بصمتِ الأبطال،

زرعتَ الخيرَ بيدٍ بيضاءَ،

وتحالفتَ مع الشرفاءِ،

رافعًا رايةَ النضالِ والخدمةِ،

وسطَ عواصفِ التشويهِ وسهامِ الظلامِ.

 

لم تُفلِ نيرانُ المرضِ عزمكَ،

ولا أنهكتكَ الأيامُ،

بل بقيتَ واقفًا،

تنظرُ إلى الحياةِ بعينِ الحر،

وإلى الموتِ بكرامةِ من لا يخشى شيئًا

إلا خيانةَ المبادئ.

 

يا عفرينيَّ النبيل،

يا صوتَ الكبرياءِ في زمنِ الانكسار،

يا مشعلًا لا ينطفئ،

منكَ نتعلّمُ أن الصمودَ ليس شعارًا،

بل أسلوبُ حياة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

أرسل له صديقه، المحامي والمزارع، إيصالًا ماليًا، وطلب منه أن يسلّمه لزميل قديم يعمل في المصرف الزراعي وسط المدينة.

وصل الرجل إلى المصرف، وتوجه مباشرة نحو زميله الموظف قائلاً:

– “هذا وصل مالي من صديقي المحامي، قال لي: سلمه إلى فلان الفلاني، وها أنا قد جئت.”

أجابه الموظف بود:

– “حسنًا، من فضلك اذهب إلى المدير ليوقّع عليه،…

عصمت شاهين الدوسكي

 

ٱه يا قَلْبي كَم جَرَحَتْكَ القُلُوب

كَمْ لَقَيٍتَ السِهَامَ مَنْ كُنْتَ تَظِنَه ُمَحْبُوب

ٱه يا قَلْبي ظِلْم وَقَسْوَة

رَهَنُوا حُبًكَ بِقَالِبٍ مَقلُوب

ظَنَنتَ حُبَهُم نَقَاء

بَلْ كَانَ وَهْم مُرْمِي عَلى الدُرُوب

تَهْدِيدٌ وَجَهْلٌ وَخٌرَافَات

غَرُوا بِالمَظْهَرِ وَنَسُوا الجَوْهَر مَغْلُوب

********

ٱه يا قَلبْي سَلَبُوا فَرْحَتكَ

نَبْضكَ إحْسَاسكَ بِالنَظَرَات

كَانُوا وُعُوداً كَاذِبَةً

كَالرِيْح تَمُر في ظِلِ النَزَوَات

كَانُوا يَهِبُون السُمَ في الشَهْدِ

يَصْنَعُون البَرَاءَة في المَلَذَات

لَيْسَ العَيْب فِيْنا…

بهزاد عجمو

قبل أربعين عاماً حيث لم يكن قد أخترع الهاتف الجوال والأنترنيت كانت هناك عادة في المناسبات يرسل الناس لبعضهم البعض كرت معايدة وهي عبارة عن صورة بحجم الكف ويكتب المرسل للمرسل إليه خلف هذا الكرت بعض العبارات وفي تلك الفترة كنت في المرحلة الجامعية في حلب بينما أخي شيرزاد كان في المرحلة الابتدائية في…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

إنَّ المَنْفَى لَيْسَ مَحصورًا في إطارٍ زَمَانيٍّ ، أوْ حَيِّزٍ مَكَانيٍّ ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ تأثيرِهِ العَمِيقِ في الشُّعُورِ والوِجْدَانِ ، واشتمالِهِ عَلى آلامِ الغُربةِ وَالحَنِينِ إلى الوَطَنِ ، واحتوائِهِ عَلى مَعَاني الاستلابِ والاغترابِ ، رُوحًا ومَادَّةً ، فِكْرًا ومُمَارَسَةً . وَالمَنْفَى لا يَحْمِلُ فَلسفةَ الانتقالِ في الزَّمَانِ فَحَسْب…