أصدرت دار تموز ديموزي في دمشق ترجمة عربية كاملة للعمل الأدبي الخالد “مذكرات ما وراء القبر“ للكاتب الفرنسي الشهير فرانسوا رينيه دي شاتوبريان (1768–1848)، بجهد استثنائي للمترجم الكردي السوري صبحي دقوري، الذي أهدى ترجمته في مطلع الجزء الأول إلى الكاتب الكردي إبراهيم اليوسف، تقديراً لتجربته الفكرية والأدبية.
يمثل هذا العمل، في أجزائه الأربعة، نوعاً فريداً من السيرة الذاتية، حيث لا يتكلم الكاتب من زمنه، بل من “ما بعد الموت“، مجسداً رؤية تأملية شاملة لحياته، بما تحمله من تقلبات حادة، ونهايات مفتوحة، وانكسارات وجودية. لا يستعرض شاتوبريان أحداث حياته فقط، بل يعيد بناءها من خلال عدسة شعورية مشروخة، تنظر إلى الماضي كحطام نبيل.
يخوض المؤلف في طفولته، ويتتبع تبدلات ذاته وسط أعاصير الثورة الفرنسية، ومرارة المنفى، وتجربته في بلاطات الحكم والسفارات، دون أن يفقد نبرة الحنين العميق والخيبة النبيلة. وبدلاً من البوح المباشر، يقدم شاتوبريان نصاً زاخراً بالأسى الجمالي، محمّلاً بالتأملات الفلسفية، حيث تصبح الكتابة نفسها نوعاً من البقاء في وجه الزوال.
امتازت الترجمة بلغة عربية رصينة، دقيقة، لم تخن نبرة الأصل، بل مكنّت القارئ العربي من التفاعل مع هذا النص المركّب، العميق، والباذخ بلغة تخاطب الروح كما العقل.