” الصقر الغزال والغراب… حكاية مؤتمر الطيور”

ماهين شيخاني .

في وادٍ سحيق تحيط به الأشجار الكثيفة، اجتمعت الطيور جميعها بدعوة من مجلس الريش الأعلى لعقد مؤتمر لاختيار قائدٍ لمنطقة الريش الجنوبي. لم يكن العدد كبيراً؛ خمسة عشر طيراً فحسب، لكن القرار الذي سيتخذونه كان سيغيّر خريطة الطيران.

تقدّم ثلاثة طيور للترشيح:

الصقر الغزال من المدينة، مهيب الجناحين، ذو حنكة وتجربة،

الغراب الأسود، شاب نشيط، سريع الطيران، لكنه معروف بدهائه،

والسنونو القروي، صغير الحجم، مخلص، لكنه لا يمتلك سوى بضعة أصوات.

تم استبعاد السنونو سريعاً، وبقي الصراع بين الصقر والغراب.

انتصر الصقر الغزال بعدد الأصوات، لكنّه نظر حوله، ووجد أن مصلحة السرب لا تتوافق مع أجنحته المتعبة، وظروفه المربكة.

وقف أمام المجلس وقال:

“أيها الرفاق، لست من أولئك الذين يطيرون بلا بوصلة، إن مصلحة الريش فوق طموحي، لذا أمنح صوتي وصوت من انتخبني إلى الغراب.”

فرح الغراب وطأطأ رأسه متظاهراً بالتواضع، فيما علت تصفيقات باردة ممزوجة بالدهشة.

لكن الصقر الغزال ، الذي كان من بين الحاضرين، نظر إلى المشهد بريبة. كان يعلم أن الريش لا يُورث، وأن القلوب قد تخدعها الألوان.

مرت سنوات…

وإذا ب الصقر الغزال ، ذاك الذي كان يراقب بصمت، يعود ليُرشَّح في مؤتمرٍ جديد، بعد أن انتشرت ألوانه بين الطيور، وكبُر صداه في الحقول والوديان.

قبل الانتخابات بشهرين، خرج يتمشى مع صديقه الهدهد، الذي طالما اعتبره ناصحاً أميناً.

قال له الهدهد:

“لقد حان دورك. لا أحد في السرب أحق منك. نحن جميعاً خلفك.”

ابتسم الصقر الغزال وقال بثقة الريش الواثق:

“لن أخذلكم.”

وفي يوم المؤتمر، وبينما كان الصقر الغزال يستعد لعرض رؤيته، رفع الغراب جناحه مجددًا، وقال:

“أنا أرشّح نفسي..!”

صمت الجميع بدهشة، حتى الصقر الغزال  قال:

“أنت؟! كيف..؟”

رد الغراب:

“خالي النسر وبخني وقال لي: أقاربنا كلهم صاروا قادة… وأنت متى..؟! فقررت أن أصبح واحداً منهم.”

ابتسم الصقر الغزال بأدب، ظانًّا أن الأصوات ستظل تعترف بريشه الحقيقي… لكن ما إن أُعلنت النتائج، حتى فاز الغراب مجدداً..!

سقط الصقر الغزال من سمائه، ليس لأنه خسر، بل لأن الخيانة كانت من الهدهد نفسه، الذي سرب تحركاته للغراب كي لا يخسر الديك الأكبر، ذاك الذي جلس في القصر العالي، يوزع المناصب على أساس الولاء لا الريش.

وهكذا، حلّ الغراب في القفص الذهبي، و الصقر الغزال عاد إلى حديقته يرسم بالألوان جراحه.

لكنّه أقسم في نفسه أن يعلّم فراخه أن الطيران لا يحتاج أجنحة فحسب، بل شرفاً لا يُباع في أسواق العلف.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…

مصطفى عبدالملك الصميدي| اليمن

باحث أكاديمي

هي صنعاء القديمة، مدينة التاريخ والإنسان والمكان. من يعبر أزِقَّتها ويلمس بنايتها، يجد التاريخ هواءً يُتَنفَّس في أرجائها، يجد “سام بن نوح” منقوشاً على كل حجر، يجد العمارة رسماً مُبهِراً لأول ما شُيِّد على كوكب الأرض منذ الطوفان.

وأنتَ تمُرُّ في أزقتها، يهمس لك الزمان أنّ الله بدأ برفع السماء من هنا،…

أُجريت صباح اليوم عمليةٌ جراحيةٌ دقيقة للفنان الشاعر خوشناف سليمان، في أحد مشافي هيرنه في ألمانيا، وذلك استكمالًا لمتابعاتٍ طبيةٍ أعقبت عمليةَ قلبٍ مفتوح أُجريت له قبل أشهر.

وقد تكللت العمليةُ بالنجاح، ولله الحمد.

حمدا لله على سلامتك أبا راوند العزيز

متمنّين لك تمام العافية وعودةً قريبةً إلى الحياة والإبداع.

المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في…

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…