وصية السروك الأخيرة: اتحدوا… لكن ليس الآن!

فواز عبدي

 

في أرضٍ اسمها “كردستان الكبرى… المؤجلة”، كان هناك زعيم سياسي عتيق، عتيق جداً يُدعى خالو نمرود، كان رئيس “الحزب الكردي الأصيل المتجدد الديمقراطي التقدمي الحر الشعبي الاشتراكي الوحدوي رقم 7”. حزب يضم سبعة أعضاء، ثلاثة منهم أقرباؤه، واثنان موظفون بالراتب، والسادس مسؤول عن صيانة مكبر الصوت، أما السابع فهو حساب تويتر مزيف.

عاش خالو نمرود عمراً مديداً في خدمة  تقسيم الصفوف بحرفية نادرة. كان يعتقد أن الوحدة الكردية تشبه قميص العيد، لا يُرتدى إلا في المناسبات، ويُخلع بمجرد انتهاء التصوير.

قبيل وفاته، وفي لحظة درامية نقلها الجميع على “فيسبوك لايف”، رفع إصبعه الضعيف وهمس بصوت مرتعش:

“يا شباب… اتحدوا!”

دمعت العيون، وارتفعت الأكف بالدعاء، بل وتم تغيير صور البروفايلات إلى الأبيض والأسود. لكن، ما إن دفنوه، حتى بدأت الأحزاب الكردية في تقسيم الوصية وكأنها عقار ورثه جدهم من أيام السومريين.

حزب “الوحدة أو الموت” قرأ الوصية على طريقته:

“الاتحاد واجب… تحت قيادتنا فقط، وإلا فأنتم عملاء.”

بينما حزب “الكردي الجديد جداً” عقد مؤتمراً عاجلاً بعنوان:

“هل يمكننا توحيد الصفوف دون التنازل عن كرسي الزعامة؟ الجواب: لا.”

أما الحزب العريق الذي أسسه أحد أقرباء صلاح الدين الأيوبي – حسب ما يدّعي – فقد صرّح المتحدث باسمه قائلاً:

“خالو نمرود لم يكن واضحاً في وصيته. من المؤكد أنه قد قصد بالاتحاد… الاندماج في حزبنا حصراً.”

وبينما القادة يتجادلون حول المعنى الحقيقي لـ”اتحدوا”، كان الشعب الكردي يشاهد المشهد ساخراً، كما يشاهد حلقة جديدة من مسلسل قديم بلا نهاية. الجميع يحفظ الحوارات، يعرف نهايات الحلقات، ويضحك رغم الحسرة، لأن الزعيم القادم قد بدأ يلمّع خطبته المستقبلية بالفعل:

“إخواني، نحن على أعتاب مرحلة تاريخية. يجب أن نُعيد ترتيب البيت الكردي… تحت سقفي، طبعاً.”

أما الشباب؟ فقد تم توزيعهم مجدداً على ثلاث خانات:

  1. “المتفائل المزمن”: يكتب منشورات حالمة على فيسبوك عن الوحدة المنتظرة.
  2. “المنصبجي الصاعد”: قفز لتولي مكتب الإعلام بعد وفاة الزعيم.
  3. “المستقيل الصامت”: فتح بسطة شاورما في أربيل بعد أن فشل في تغيير حرف واحد في البيان الحزبي.

وهكذا، كلما مات زعيم، تُخرج وصية الوحدة من الدرج، تُلمّع، تُعلّق على الجدار، ثم تُنسى، حتى يموت الزعيم التالي… في دورة عبثية تشبه برامج المواهب: زعيم يغني، لجنة تحكيم تتصارع، جمهور يصفق، وفي النهاية… لا فائز، ولا اتحاد، فقط تصفيق بلا معنى وجنازة قادمة ننتظرها لنكرّر نفس المسرحية.

النهاية… المؤقتة، طبعاً.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…

سندس النجار

على مفارق السنين
التقينا ،
فازهرت المدائن
واستيقظ الخزامى
من غفوته العميقة
في دفق الشرايين ..
حين دخلنا جنائن البيلسان
ولمست اياديه يدي
غنى الحب على الافنان
باركتنا الفراشات
ورقصت العصافير
صادحة على غصون البان ..
غطتنا داليات العنب
فاحرقنا الليل بدفئ الحنين
ومن ندى الوجد
ملأنا جِرار الروح
نبيذا معتقا
ومن البرزخ
كوثرا وبريقا ..
واخيرا ..
افاقتنا مناقير حلم
ينزف دمعا ودما
كشمس الغروب …

خلات عمر

لم تكن البداية استثناءً،,, بل كانت كغيرها من حكايات القرى: رجل متعلّم، خريج شريعة، يكسو مظهره الوقار، ويلقى احترام الناس لأنه “إمام مسجد”. اختار أن يتزوّج فتاة لم تكمل الإعدادية من عمرها الدراسي، طفلة بيضاء شقراء، لا تعرف من الدنيا سوى براءة السنوات الأولى. كانت في عمر الورد حين حملت على كتفيها…

عصمت شاهين دوسكي

* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.

الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى،…