حلم فرسو.. كوميديا الأمن في سوريا

فواز عبدي

 

في إحدى مدارس قامشلو، كان فرسو، المعلم البسيط، يجلس بين زملائه في استراحة بين درسين، يشرب الشاي ويفكر في المنام الغريب الذي رآه ليلة أمس. بحماسة وبصوت خافت أخبر زملاءه قائلاً:

رأيت الأمريكان يدخلون سوريا؛ طائرات دبابات، وحتى جنود يطلبون شاورما من أسعد حندو في كافيتيريا الموعد.

ضحك زملاؤه وضحك فرسو معهم غير مدرك أن “ليس للآذان وحدها هنا، بل حتى لأكواب الشاي آذان”!

في اليوم التالي جاء “الوفد الرسمي” إلى المدرسة؛ رجال ببدلات داكنة، نظرات باردة وأقلام تسجل كل شاردة وواردة، بل كل حركة وهمسة. استدعوا فرسو لمكتب المدير بعد أن طلبوا من المدير تركهم مع المستدعي. بدأ أحدهم بسؤاله بجدية قاتمة:

-“سمعنا أنك رأيت حلماً”.

-“نعم، حلم… مجرد حلم!”

-“مجرد حلم؟ ههه ومن أوحى لكل بهذا الحلم؟ هل لديك مصادر وبرامج خارجية تستقي منها لتنعكس على أحلامك؟ وما هي مصادر معلوماتك هذه؟”

حاول فرسو أن يشرح بأن الأحلام لاإرادية وتأتي دون تخطيط، مثل زائر يأتيك فجأة دون موعد، أو مثل الصراصير لا تشعر كيف تداهم المنزل وتنتشر فيه… لكنها كانت محاولات فاشلة. بدأت التحقيقات اليومية، وصار فرسو في كل جلسة تحقيق يستمتع ببعض المزايا الإضافية: كرسي دوار جديد، قهوة “مركزة”، ووجوه عابسة توفر له مشهداً درامياً مجانياً.

لكن النهاية لم تكن سعيدة كما كان يأمل. فقد تم نقله (إدارياً) “بناء على مقتضيات المصلحة العامة” إلى قرية نائية في جنوب الرد، في مدرسة بلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، لكنه أصبح على الأقل شخصية أسطورية هناك! صار الطلاب يلقبونه فيما بينهم بالمنجم الكبير، ويطلبون منه أن يتنبأ لهم بحالة الطقس، نتائج المباريات وحتى موعد وصول المياه والكهرباء إلى القرية والقرى المجاورة.

وهكذا أصبح فرسو بين ليلة وضحاها، رمزاً غير متوقع للمفارقات، فحتى الأحلام على ما يبدو لها ثمن باهظ في سوريا وأخواتها!

بعد انتقاله إلى تلك القرية، لم يختفِ اسم فرسو كما توقع رجال الأمن، بل انتشر كالنار في الهشيم. بدأت القصة تنتقل شفهياً بين الناس، ثم وصلت إلى الشباب المتحمسين لصناعة المحتوى الكوميدي، والذين يبحثون عن “حبة ليصنعوا منها قبة” ووجدوا في حلم فرسو مادة دسمة لا تقاوَم.

#حلم_فرسو يصبح الترند رقم واحد في البلد!

بداية انتقل الخبر على مجموعات الواتس آب للتندر، ثم انتقل إلى تيك توك، حيث بدأ الناس ينشرون مقاطع تمثيلية لحلم فرسو؛ بعضهم يرتدي زياً عسكرياً أمريكياً ويسأل”وين الشاورما يا شباب؟” أو “وين طريق الدير ياخوي؟” “عرفنا انو اشتقتولنا فجيناكم”…

تداولت منصة تويتر الواقعة، وقام روادها بتحديث “نظرية المؤامرة الجديدة وتخصيبها”: هل فرسو عميل سري؟ هل لديه القدرة على رؤية المستقبل؟ هل صحيح أنه مجرد معلم مظلوم؟ من الذي يقف خلفه؟ فرسو وضع الأمن السوري في خانة الـ”يك”.

أما عالم انستغرام استثمروا حلمه بطريقة مختلفة، فأصبح وجهه جزءً من أشهر الميمات التي تستخدم للرد على الأخبار السياسية، مع تعليق: “فرسو شافها بمنامو قبل ما تصير!”.

وكان للصحافة أيضاً حصتها في تناول القصة، وبدأت برامج التلفزيون تستضيف “خبراء تفسير الأحلام” لتحليل رؤيا فرسو.. وهكذا أصبح الرجل الذي كان مجرد معلم بسيط في قامشلو نجماً ومن دون قصد، ورغم كل هذا الضجيج الذي حصل كان فرسو جالساً في مدرسته الجديدة بين قطع الطباشير وأصوات التلاميذ، يشرب الشاي بهدوء ويقول:

“يا ريت شفت بمنامي جائزة اليانصيب الكبرى بدل الاحتلال!”

وما أن ينشر أحدهم عن حلم على وسائل التواصل الاجتماعي حتى ترد كميات كبيرة من التعليقات “بس ما يكون متل حلم فرسو! ههههه” وهكذا أصبح مضرب المثل. بعدها تلقى فرسو مفاجأة لم يتوقعها؛ فقد اكتشف أحد الناشطين على الانترنت مقطعاً قديماً له وهو يعزف على الطنبور، ونشره على تويتر مع تعليق ساخر:

“قبل أن يحلم بالأمريكان، كان يحلم بالأوتار!”.

سرعان ما انتشرت المقطوعة وصارت جزءً من تحد على تيك توك، حيث بدأ الناس يعزفونها وينوعون في الإيقاع ويرقصون عليها بأسلوب كوميدي. حتى أن بعض الفرق الموسيقية العربية في الحسكة ودير الزور ودمشق أضافوها إلى عروضهم وأطلقوا عليها اسم “سيمفونية فرسو الحالم”.

وسط كل هذه الفوضى وهذا الضجيج تلقى فرسو دعوة غير متوقعة لحضور مهرجان موسيقي محلي، ليقدم عزفاً حياً لأول مرة أمام جمهور حقيقي. وبينما كان يجلس على المسرح، متوتراً لكنْ سعيداً، نظر إلى جمهوره الذي جاء بفضل حلمه العجيب، وقال ضاحكاً:

“لم أتخيل أبداً أن يكون الأمن والمخابرات سبباً في شهرتي كموسيقار!”

ضحك الجمهور وصفقوا له طويلاً.

وهكذا تحول المعلم البسيط إلى رمز موسيقي بلا تخطيط، مشهور بين الناس بأحلامه وأوتاره على حد سواء!.

 

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

نداء يونس| فلسطين

 

أملي في التراب،

ما نفع الذهب المُقوّى

خارجٌ لأنه لا يُهادن هذا الذي أفكّر فيه

ليس لديه أسنان ليجعلها أدوات للصداقة.

من ديوان “بعضه سيَدُوم كالبلدان”- علي البزَاز (كاتب وفنان تشكيلي عراقي مقيم في هولندا)

يشكّل كتاب “كالزحف، كالنذير المبين- كتاب العازب” لعلي البزَاز الصادر عن دار المأمون، ط2، 2023، أرضية خصبة لتأملات متعددة حول الفردية التي تقع…

إبراهيم محمود

 

ما يبقى من الكتابة، ما يبقى من الفن،وما يبقى من الشّعر خصوصاً، حين يكون الأمس مغذّيه، ويوقَّع عليه حاضراً، وينظَر في أمره غداً وأبعد، حتى وإن جرى اعتبار الغد الشاغل المحوري للمسطور، لأنه من حيث المحتوى يستحيل النظر فيه، وتبيّن محرّكه الثقافي دون وضْع الأمس وقبله في الحسبان.

ولا أعتقد أن كاتباً أو فناناً، حين…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

إنَّ العُزلة لَيْسَتْ شُعورًا نَفْسِيًّا فَحَسْب، بَلْ هِيَ أيضًا فِكْرَة حَيَاتِيَّة تَمْزُجُ بَيْنَ التأمُّلِ الوُجوديِّ وَرُوحِ الاكتشافِ ، مِنْ أجْلِ الوُصولِ إلى اليَقِينِ على الصَّعِيدَيْن المَعنويِّ والمَاديِّ . والعُزلةُ هِيَ نُقْطَةُ التَّوَازُنِ في إفرازاتِ الذاكرةِ، وَمِحْوَرُ الارتكازِ في الأسئلةِ الفَلسفيَّةِ العَميقةِ، وَفَلسفةُ التَّحَرُّرِ مِنْ حَيِّزِ المَكَانِ وَضَغْطِ الزَّمَانِ….

إدريس سالم

 

«الغابة السوداء»:

بداية لا بدّ أن نوضّح حقيقة مهمّة لكلّ قارئ، لأدب الروائي السوري، مازن عرفة. فمازن عرفة لا يكتب الرواية السياسية، ولا يكتب الرواية الشعبية أو الثورية، هو لا يكتب الرواية النفسية أو الفلسفية، ولا حتى الرواية التاريخية والوطنية، بل يكتب الرواية الإنسانية، هو يكتب رواية الإنسان، يكتب الإنسان؛ وعن الإنسان. يحاول بأسلوبه –…