ماهين شيخاني
في غرفة بيضاء باردة، جلس العجوزُ الستيني على طرف المقعد، كأنما يتأرجح بين الحياة واللاجدوى. بيده ملفٌّ مهترئ، لا يحمل فقط تحاليله الطبية، بل يحمل تاريخه مع الألم، وأرشيفًا من الأسئلة المؤجلة.
كان الطبيب يجلس خلف طاولة تشبه منصّة القضاء، وعلى عينيه نظارة سميكة تكاد تكون ستارًا بينه وبين أي شعور. تصفّح أوراق المريض كمن يقرأ كتابًا قُطعت منه الصفحات الأخيرة.
قال دون أن ينظر في وجه الرجل:
– “جرثومةٌ تسكن معدتك… تتغذّى على قلقك، وتتكاثر في جوفك كأنها حفلة عبثية. نحتاج إلى منظارين… واحد يطلّ على معدتك… والآخر على كولونك، علّنا نرى ما تخبئه تلك الأعماق.”
تقدّم شقيق المريض، بصوت يشبه خيطًا من الريح:
– “وهل ثمة خطر…؟ وهل في الإجراء نجاة؟”
ضحك الطبيب، أو ربما عبس، ثم قال بنبرة تشبه السخرية:
– “يا بني، من يضمن لنا أن نصل إلى بيوتنا آمنين الليلة؟ لا ضمانات… في زمن لا ينجو فيه أحد من ألمه.”
وافقوا… أو توهموا الموافقة. ثم جاء ذِكر الخميس.
وهنا انفجر الرجل، كأن أحدهم استدعى له شبحًا من ماضيه، وقال:
– “الخميس…؟ لا! لا الخميس! فذلك اليوم منفيٌّ من تقاويمي، موسوم في ذاكرتي بلعنة قديمة.”
رفع الطبيب حاجبيه بدهشة محايدة:
– “لكنك لا تخاف الموت، فلم الخميس تحديدًا؟”
لم يجب.
ربما كان الخميس يوم الفقد، أو يوم انكسار، أو أنه مجرّد رمز ليومٍ قرر فيه القدر أن يصفعه، فرفضه منذ ذلك الحين.
قال الطبيب:
– “ربما تخاف من أن ترى نفسك في الداخل، أن تكتشف أن الجرثومة ليست سوى انعكاسٍ لما تهرب منه. لكن… لا تقلق. لن أجبرك على الخميس.”
أخذ الطبيب يدوّن الملاحظة:
“المريض يرفض الدخول إلى ذاته في يوم الخميس.”
ثم أضاف بصوت منخفض، وكأنه يهمس لنفسه:
– “الخوف من يومٍ ما، قد يكون الخوف من لحظة الحقيقة. ومتى تأخّرت الحقيقة… تسرّبت الجرثومة.”
النهاية؟
ربما لا نحتاج إلى تنظير الكولون بقدر ما نحتاج إلى تنظير أرواحنا.