وصايا الغائب.. في ذكرى انتفاضة الشيخ سعيد 

عبد الجابر حبيب

 

(مئةُ عامٍ من القهرِ المزروعِ في أحلامِنا،

مئةُ خنجرٍ في خاصرةِ التاريخ، مئةُ حكايةٍ تُفيضُ نهرَ الضوء على عتباتِ يأسِنا.)

 

في السطرِ الأوّل،

رمادُهُ يُفتّشُ عن نفسه

بين فجواتِ الكلام،

وإبهامُهُ يُجسّ ضلوعَ المعنى،

يبحث عن وطنٍ تُخفيهُ الخرائطُ بخجلٍ عثمانيّ،

عن شجرةِ نسبٍ

لم تُذعنْ لجذور الإنكار،

عن لهجةٍ

تحمل في نبرتها

خرابَ الإمبراطوريات وتوقَ القبائل.

 

قال الشيخُ

حين انشقّ الهواءُ عن المقصلة:

“طلبنا العدالة…”

فاستيقظت السكاكينُ من نومها،

وتحوّلت المقصلة

إلى سطرٍ زائدٍ في كتابِ المسوخ.

 

في الليلة الأخيرة،

ارتجفَ العطرُ في الشيلان،

ومشّطت الذئابُ الريح

بأصابعِ الوداع.

قال وضحكتهُ مشقوقةٌ من الوريد:

“أحفادي سينهضون…

من حجارةِ الذاكرة

ومن حليبِ الثكالى،

يعيدون للدمِ حروفه،

وللجُرحِ أعلامه.”

 

الصمتُ

نبيٌّ مهزومٌ في بلاطِ القوانين،

أبلغ من ألفِ مدّعٍ عام.

قال وهو يشير إلى رغيفِ المؤامرة:

“ألَم نذهب لتناولِ لحمِ الضأن؟”

لم يسمعوه.

كانوا يوقّعون المذبحة

بأقلامٍ خائنةٍ

تقطر حبراً لا يجف.

 

الأممُ تُسفك

حين يُنتزع اسمُها من المهد،

حين تُستبدل الأمكنةُ

بصيغٍ قانونية مشوَّهة،

حين يُمحى الجبل

من ذاكرةِ الطفل،

وتُصبغ الجنازات

بلونِ الوطنية.

 

وبقي،

جملةً غير مكتملة في سفرِ الحكاية،

وشماً عصيّاً على الحكّ

في عنقِ التاريخ.

قالها للمرة الأخيرة

بنبرةٍ تهزّ أرواحَ الغائبين:

“أنا لم أمتْ…

ما زلتُ على أطرافِ سطرٍ مهجور

أنتظر أن تكتبوا اسمي

بالقرب من قُراكم،

على خرائطَ لا تخون.”

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

إبراهيم سمو

عالية بيازيد وشهود القصيدة: مرافعةٌ في هشاشة الشاعر:

تُقدِّم الكاتبة والباحثة عالية بيازيد، في تصديرها لأعمال زوجها الشاعر سعيد تحسين، شهادةً تتجاوز البُعد العاطفي أو التوثيقي، لتتحوّل إلى مدخل تأويلي عميق لفهم تجربة شاعر طالما كانت قصائده مرآةً لحياته الداخلية.
لا تظهر بيازيد في هذه الشهادة كامرأة تشاركه الحياة فحسب، بل كـ”صندوق أسود” يحتفظ…