گولبهار

مصطفى عبد الوهاب العيسى

 

تُعد الرواية من أبرز الأشكال الأدبية التي تعكس واقع المجتمع وتُعبِّر عن قضاياه بعمق ، وهي لا تقتصر على سرد وقائع وقصص ، بل تُسلِّط الضوء على مشكلات فعلية ، وتطرح تساؤلات فكرية وأخلاقية تمس القارئ وتدفعه للتفكير ، ومن خلال الأحداث والصراعات تعالج الرواية موضوعات مصيرية مثل الهوية ، والعدالة ، والحب ، والحرية وو .. الخ .

يجد القارئ للمرة الأولى لرواية گولبهار دون علم بجزئها الثاني أنها رواية قصيرة ، وتقتصر على غايات بسيطة أراد الكاتب إبرازها من خلال قصة امرأة مظلومة ..

لعبت البساطة في الرواية دوراً في جعل من يقدم على قراءتها لا يتركها حتى الانتهاء منها بجلسة واحدة ، وكذلك لعبت الفكرة العامة والأفكار الرئيسة في الرواية المتعلقة بالمرأة الكردية أو الشرقية عموماً ، وما عانته من ظلم ذوي القربى دوراً هاماً في جذب القارئ للقصة والمواضيع المطروحة ، والتي كان من أهمها برأيي : وجود التباين الواضح بين أفراد العشيرة من حيث الضعف والقوة ، وأيضاً المواقف والآراء المختلفة رغم غلبة بعضها على الآخر ، وموقف شقيق گولبهار (الباز) في مقدمة الشواهد على ذلك ، ومساندة (هنار) لها في أصعب الأوقات يُخالف أيضا غيرة النساء وما كن يضمرنه من شر لبعضهن في تلك المجتمعات المتخلفة ، وربما كان الأبرز من بين الشواهد هو (ياسين) الذي يعطي دلالة على أنه رغم غلبة العادات والتقاليد في تلك المجتمعات على الدين ، إلا أن المتمسكين بالدين وما تمليه عليهم الشريعة لم ينجرفوا كغيرهم وراء الأقاويل والأحاديث .

دون استباق أو حرق للأحداث استطاع الكاتب جذب انتباه وتركيز القارئ حتى الصفحة الأخيرة من الرواية دون مغالاة مملة في الإثارة والتشويق ، بل وُفّق في إثارة فضول القارئ واهتمامه بتعابير بسيطة وأسلوب جميل .

كان محتوى الرواية مميز لملامسته لواقع عاشته وعانت منه أجيال ، وكان للمرأة طبعا النصيب الأكبر في دفع ضريبة التخلف والجهل السائد وقتها ، وبالنسبة لتقديم هذا المحتوى فقد كان تقديم الكاتب له جيداً .

كنظرة سريعة وباختصار في الحديث عن بعض الأركان المهمة في الرواية نجد أن الكاتب أطال نوعاً ما في الحوار ولكن يمكن القول بأنه كان هناك درجة مقبولة في الموازنة ما بين السرد والحوار فهو لم يقتصد كثيراً ولم يبالغ كثيراً .

وبالحديث عن الهدف المنشود أو القضية المطروحة فأعتقد أن قضية المرأة في تلك الحقبة هي الغاية الرئيسية والتي نأمل جميعاً أنها قد حُلَّت نوعا ما في زماننا هذا .

وختام القول : إن الجهد المبذول من الكاتب الدكتور علاء الدين جنكو رحمه الله هو جهد يستحق منا الاحترام والتقدير ، وأعتقد أنه وُفِّق بعمل أدبي يشعر القارئ له بأنه جزء من هذه الأحداث ، وهذا الواقع الذي تتعدد فيه الشخصيات وتتشابه لنقرأ تفاصيلها بين السطور حيناً ، وفي تجاربنا الحياتية حيناً آخر .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…