حليم يوسف المدمن على عبور الألغام

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف الانتماءات، وكان الكاتب حليم يوسف أحد هؤلاء المواظبين على حضورها، وعرفته حينذاك شاباً منطوياً على نفسه بعض الشيء، قليل الكلام، تغطي ملامحه مسحة من الخجل والهدوء، وتظهر تصرفاته الكثير من التواضع والبساطة.

ولكنني تفاجأت فيما بعد، وتحديداً بعد صدور روايته (سوبارتو)، التي أثارت ضجة إعلامية تزامنت مع الضجة الواسعة التي كانت تثيرها آنذاك رواية سلمان رشدي (آيات شيطانية)، وكشفت روايته (سوبارتو)، بأحداثها الواقعية وتفاصيلها العارية تماماً عن شخصية كاتبها الذي أظهر الكثير من الشجاعة والتمرد على تقاليد مجتمعه وعلى القيود التي كانت تكبل هذا المجتمع من كل الجهات، وفجر بجرأة نادرة قوة التحدي المحبوسة بداخله دفعة واحدة عبر صفحات روايته هذه وعبر تصرفات أشخاصها وسلوكهم، متجاوزاً بأسلوبه التشريحي الدقيق  واللاذع الكثير من الخطوط الحمراء في وقت كان سيف التكفير مسلطاً على رقبة كل من يحاول اقتحامها والخروج عليها، كمحاولة الحديث عن الدين وخرافاته والخوض في عالم الحب والدوائر المغلقة التي تحيط بالعلاقات الإنسانية المختلفة وخاصة بين الرجل والمرأة.. وغيرها من الظواهر التي لا زالت تنخر في مفاصل المجتمع الكردي حتى يومنا هذا.

وآخر لقاء بيننا كان في (١٣/٨/٢٠١٧)، وذلك خلال زيارته لمدينة السليمانية قادماً من أوروبا التي لجأ إليها منذ عام (٢٠٠٠)، وحينذاك كان يعمل على إعداد برنامج تلفزيوني لصالح قناة (Ronahî)، بعنوان (الباب الآخر)، وصدف أن أجرى معي في تلك الزيارة لقاءً شاملاً حول تجربتي الثقافية والسياسية، وكيفية التوافق بينهما، فوجدته حينذاك مثقفاً ناضجاً يخدم قضيته القومية بكل طاقته، وإعلامياً محنكاً يعرف كيف يدير الحوار مع ضيفه، فضلاً عن كونه مثقفاً غزيراً بنتاجاته وكتاباته الأدبية، حتى بات اليوم يعد أحد الكتاب اللامعين في الحقل الثقافي الكردي، وخاصة في مجال كتابة الرواية والقصة القصيرة والمقالات وغيرها، وباتت نتاجاته تترجم لأكثر من لغة.

من هو حليم يوسف؟

حليم يوسف، هو كاتب كردي من مواليد (عامودا ١٩٦٧)، يقيم حالياً في ألمانيا، وهو متزوج من فتاة كردية من شمال كردستان، جمعته بها الصدفة في أحد المهرجانات الأدبية الكردية التي أقيمت في تركيا، وكان هو مشاركاً في ذلك المهرجان بمجموعته القصصية (مم بلا زين). يكتب باللغتين (الكوردية والعربية)، وحائز على شهادة الحقوق من جامعة حلب. يقول بأنه ولج عالم القراءة عبر مطالعته روايات جرجي زيدان التي أيقظت لديه موهبة القراءة وصقلتها، فهو يؤكد بأنه: (لطالما أغلقت على نفسي الباب وأنا أغيب لساعات بين سطور هذه الروايات..ص٨٨)، ومن القراءة اهتدى إلى عالم الكتابة وهو لم يزل في سن مبكرة من عمره، حيث يقول: (لا أعرف كيف اهتديت إلى اكتشاف آخر وهو أنّ ما من لذّة تضاهي لذة القراءة، سوى الكتابة، وخاصة كتابة ما يجول في النفس من مشاعر وأفكار..ص٨٨)، فكان حصاده في هذا المجال الكثير من الروايات والقصص القصيرة والمقالات والحوارات،  فضلاً عن مساهماته العديدة في مجال الترجمة وكتابة النصوص المسرحية.. إلخ.

وهنا يمكننا أن نذكر أهم رواياته: سوبارتو (رواية- ١٩٩٩)، خوف بلا أسنان (رواية- ٢٠٠٦)، حين تعطش الأسماك (رواية- ٢٠٠٨)، تسع وتسعون خرزة مبعثرة (رواية- ٢٠١١)، الوحش الذي في داخلي (رواية- ٢٠١٨)، الطيران بأجنحة متكسرة (رواية- ٢٠١٩). ونذكر أيضاً أهم مجموعاته القصصية: (الرجل الحامل ١٩٩١، نساء الطوابق العليا ١٩٩٥، موتى لا ينامون ١٩٩٦، مم بلا زين ٢٠٠٣، آوسلاندر بيك ٢٠١١، الرجل الذي يبحث عن ذيله ٢٠٢١..). وأصدر دراسة نقدية، بعنوان: (الرواية الكردية- الكرمانجية والزازاكية- بانوراما شاملة، من العام ١٩٣٠ حتى العام ٢٠١٠، تاريخ الصدور ٢٠١١). وجمع مقالاته في كتاب أصدره بعنوان: (النيران التي تلتهم بيتنا- مقالات -٢٠٢٣). وكذلك جمع حواراته في كتاب بعنوان: (حفيد الغبار- أربعون حوارا مع حليم يوسف- ٢٠٢٣).

رواية (سيرة عابر ألغام):

لقد استلمت مؤخراً من صديقنا المشترك فتح الله حسيني نسخة من رواية (سيرة عابر ألغام)، لكاتبها المبدع (حليم يوسف)، من منشورات (دار الزمان للطباعة والنشر والتوزيع في دمشق)، صدرت الطبعة الأولى منها عام (٢٠٢٥)، وهي تضم بين دفتيها (٣٦٥) صفحة من القطع المتوسط، ويفصح عنوانها عن مضمونها الذي يتناول تفاصيل سيرته الذاتية المحفوفة بمغامرات السير بين الألغام من دون مرشد أو دليل، حتى إنه يخيل لقارئها في الوهلة الأولى بأنها مجرد حكايات من سرد خيال راويها، ويعتقد بأن الكاتب قد صاغ أحداثها من خياله ونسج تفاصيلها من بنات أفكاره، إلّا أن كاتبها يتدارك سلفاً مثل هذا التصور فيكتب على الغلاف الأخير من روايته، مايلي: (لم أجنح للخيال، فحياتنا الواقعية فيها من الخيال ما يفوق الخيال..).

يسرد حليم يوسف، المتمكن من لعبة الكتابة عموماً والرّواية منها خصوصاً، سيرته الذاتية من دون رتوش عبر صفحات روايته الجديدة (سيرة عابر ألغام)، بلغة عربية سهلة ومفهومة، وينسج أحداثها بأسلوب أدبي سلس يتناول فيها، وعبر هذه الأحداث المتتالية زمنياً، المحطات الرئيسية من حياته الحافلة بالمواقف الجريئة التي قادته في بعض الأحيان إلى حافة الموت، والأحداث الدراماتيكية التي شاهدها بأم عينيه خلال حياته والتي كادت أن تجرفه بين أمواجها نحو الهاوية، والحكايات الاجتماعية الممنوعة التي كانت تغويه بتفاصيلها المثيرة فيتابع خيوطها التي كانت تسحبه خلفها نحو دوامة التخوين والتكفير والدخول إلى المناطق المحرمة المزروعة بالألغام، فيرصد المفارقات الجارحة، ويوازن بين الثنائيات المتناقضة المتفاعلة فيما بينها في وحدة وصراع الأضداد، كالمفارقة التي حصلت معه، عندما احتمى بسلطة مدير ناحية عامودا ضد تهديدات الناس الذين تناولهم في روايته (سوبارتو)، فيقول: (أحسست خلالها بإحباط شديد، وبكثرة الجدران العالية التي تحجب عني وعن أمثالي العيش بحرية، والتمتع بهذه الفسحة القصيرة من الحياة التي تتاح للإنسان مرّة واحدة فقط، أحسست بأن الطرق الواصلة إلى المناطق التي تتواجد فيها الحياة من حولي مزروعة بالألغام والأسلاك الشائكة..ص١٤٧).

مسيرتة الطويلة بين الألغام:

هناك خيط رهيف يربط كل هذه الأحداث ببعضها كحبات المسبحة، وهو غريزة البقاء وحب الحياة بحرية وكرامة، هذا الخيط هو الذي قاد والده للانتقال من قرية (حربة)، التي تقع اليوم (فوق الخط)،  إلى قرية (نجم)، التابعة لناحية عامودا (تحت الخط)، لمجرد أنه أراد أن يتحدى التقاليد ويعيش الحياة مع من يحب كما يرغب، فقام بخطف حبيبته وحاول الهرب بها عبر الألغام إلى تحت الخط، وبالرغم من أنها تركته وهربت منه في منتصف الطريق بعد أن فشل في إقناعها، إلّا أنه اضطر إلى متابعة طريقه وحيداً حتى حلّ به الرحال في قرية (نجم)، ولنفس السبب الذي تمثل بقيام عمه هو الآخر بخطف حبيبته من قرية (نجم)، اضطروا على الانتقال من هناك أيضاً إلى القرية المجاورة (خجوك)، ومنها إلى قرية (هرم رش)، إلى أن استقر بهم المقام في بلدة (عامودا)، مسقط رأس الكاتب الذي بدأت مسيرة حياته الشاقة والمريرة تنطلق من هناك، مسيرة البحث عن الذات، فينتقل منها، بعد أن ينهي دراسته الثانوية فيها، إلى مدينة (حلب)، ويلتحق هناك بكلية الحقوق، وبعد أن ينهي دراسته الجامعية ويؤدي خدمته الإلزامية هناك، يعود إلى عامودا لتواجهه من جديد المضايقات الأمنية والاجتماعية والمعيشية، فيضطر للهجرة إلى أوروبا عبر الحدود المحصنة بالأسلاك الشائكة وحقول الألغام، ليستقر به المكان أخيراً في ألمانيا، وهو لا يزال يعيش فيها حتى اليوم غارقاً في دوامة الشعور الدائم بالذنب لأنه ترك وطنه، فيقول مذهولاً: (من المفارقات العجيبة في حالة المهاجر هو أنه يحن حتى إلى ما كان يكرهه في وطنه الأم..ص١٨٥)، ويتابع حياته مهاجراً في بلاد الغربة وعقدة تأنيب الضمير تأكله من الأعماق لأنه ترك والديه خلفه في وقت كانا بأمس الحاجة لوجوده إلى جانبهما. وفي أول زيارة له للوطن بعد أن رحل والداه إلى دار الحق، يذهب إلى مقبرة شرمولا في عامودا ويجلس أمام ضريحيهما لساعات طويلة يناجي خلالها نفسه بمرارة وألم، معبراً بذلك عن شعور آلاف الشباب الذين قذفتهم الحرب الكارثية في سوريا إلى المهاجر وشتتهم بين أصقاع العالم تاركين خلفهم أهلهم من دون رعاية أو معيل. فيقول الكاتب وشعور الهزيمة تعصر قلبه: (لقد شعرت بنفسي منكسراً، حزينا،ً نادماً ومذنباً كبيراً بحق أبي وأمي اللذين قدما لي كل شيء، وقد فعلا كل ما بوسعهما كي أكبر، وما أن كبرت قليلاً حتى أدرت لهما ظهري، وتركتهما للكهولة والموت، وهاجرت إلى بلاد بعيدة بحثاً عن وضع أفضل لي فقط، أنا الأناني الناكر للجميل.. ص٣٣٣).

أحداث الرواية:

يرصد الكاتب في روايته (سيرة عابر ألغام)، وعبر (٣٦٥) صفحة من القطع المتوسط، تفاصيل سيرته الذاتية التي عاشها وشاهدها بأم عينيه خلال مرحلة الطفولة والشباب والنضوج التي أمضاها بين عامودا وحلب وألمانيا، ويذكر بحس مرهف الأماكن والأشخاص بأسمائها، ويصيغ بدقة شديدة الحكايات التي عاشها بنفسه أو كان شاهداً على أحداثها، ويفضح من دون رحمة الظواهر السلبية القاتلة التي يعيشها المجتمع الكردي من الظلم والقهر والاستبداد. كما أنه ظلّ يدعو من دون يأس أو ملل عبر كتاباته الغزيرة ومواقفه المسؤولة الى مكافحة الجهل والفقر والحرمان الذي يعانيه الكرد في حياتهم هذه المعاناة التي لا تنتهي إلّا بمماتهم، فيقول: (يشدني هدوء الموتى الراقدين في المقابر الذين أداروا ظهورهم لصخب الأحياء وضجيجهم وركضهم الدائم وراء المجهول، ويكفون عن إنزال الأذى ببعضهم بعضاً وبغيرهم..ص٣٣٢). وبالرّغم من أنه كان يتمزق في داخله أمام فظاعة هذا الواقع المرير إلّا أنه لم يكن أمامه خيار سوى خيار الاستمرار في المقاومة والكفاح من دون توقف، فيقول: (لقد اضطررت أكثر من مرّة إلى الابتعاد عن الجميع، لكي لا يروا دموعي وأنا أبكي حزناً وسخطاً على قدرنا اللعين الذي رمانا في بقعة جغرافية لا خيار لنا فيها سوى اختيار المشي بكرامة على حواف الموت، أو الغرق في الذل وعار السكوت أمام الظلم..ص٢١٠).

يعود الكاتب، وخلال الصفحات المائة الأخيرة من روايته، ليغوص بأسلوب عاطفي ووجداني مؤثر في أعماق الأحداث الدموية التي شهدتها سوريا عموماً وغرب كردستان بشكل خاص، ويسترسل في إلقاء الأضواء الكاشفة على مفاصل تلك الأحداث، ويقف باهتمام على التجربة الإدارية والعسكرية في شرق الفرات، وقضية احتلال كوباني واستبسال المقاتلين الكرد من أجل تحريرها، وموضوع الشهادة وظاهرة الهجرة والتعليم، ولا ينسى أن يعرج على انتفاضة (آذار ٢٠٠٤)، وحادثة سينما عامودا..إلخ.

وهنا لا بدّ من القول بأن الكاتب حليم يوسف يتمتع بمهارات إبداعية مثيرة للإعجاب والتقدير في مجال الكتابة والثقافة والأدب، وأن أسلوبه النقدي اللاذع للواقع إنما يعبر عن غيرته العميقة على مستقبل هذا الواقع، وينطلق من حرصه الشديد على تغييره نحو الأفضل ليعيش فيه المواطنون بحرية وكرامة، فيقول: (لقد كانت هناك قوة خفية تشدني إلى الكتابة، وخاصة في البدايات، كنت متوهماً وأحلم بتغيير العالم، والأشد من ذلك هو أنني كنت أتصور أن يكون لي دور في هذا التغيير!..ص٩٣). وبالرغم من معرفتي المسبقة بإمكاناته الإبداعية هذه، إلّا أنني تفاجأت بجمال هذه الرواية التي انتهيت من قراءتها في وقت قصير لأنها شدتني إلى أحداثها وحواراتها بقوة، وأذهلتني مهارات كاتبها الصديق حليم يوسف في نسج أحداثها وصياغة حواراتها بمهارة وإتقان، ونجاحه الفائق في توثيق الوجود الكردي في البلاد عبر توثيقه لسيرة حياته الشخصية التي تعد في الوقت نفسه نموذجاً لسيرة حياة الكرد السوريين وتكثيفاً لصورتهم القومية، وتلخيصاً موفقاً لمعاناتهم اليومية.

الخاتمة:

وبالرّغم من مرور ربع قرن من الزمن على مغادرة الكاتب حليم يوسف لوطنه، وإقامته في بلاد الغربة التي وفرت له ولغيره من اللاجئين الكرد السوريين الحرية والعيش الكريم، إلّا أنه مع ذلك لم يتوفق في الإندماج في مجتمعه الجديد، ولا يزال مسكوناً بهاجس العودة الذي بات يقلقه ويعكر عليه حياته الجديدة ويفقده فرصة الاستمتاع بالحياة الهانئة التي وفرتها له تلك البلاد بكرم وسخاء. وهكذا فقد أخفق الكاتب حليم يوسف في إغلاق الأبواب أمام أحلامه في العودة ذات يوم إلى مسقط رأسه، وباتت هواجسه تتحول يوماً بعد يوم إلى كوابيس تقض مضجعه وتعكر عليه صفو حياته الآمنة التي يعيشها في ألمانيا، فترك نهاية روايته مفتوحة على مصراعيها أمام صراع داخلي طاحن تدور رحاه بين إرادتين، إرادة الإندماج وإرادة العودة، اللتين تفصل بينهما حقول واسعة من الألغام والأسلاك الشائكة. وإلى أن يحسم هذا الصراع فإن عيني الكاتب تظلان معلقتين في الفراغ، ويقول: (وهكذا تظل عيناي معلقتين بين فضاءين متباعدين، في مكانين يبعد أحدهما عن الآخر آلاف الكيلومترات: مكان هناك، حيث الحياة فيه كانت منطقة محرمة، ومكان هنا حيث الحياة فيه متاحة، لكن هناك ألف سبب وسبب يمنعك الاستمتاع بها كما يجب..ص٣٦٥).

السليمانية: ١٤ تموز ٢٠٢٥

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…