أرملة بين جحيمين

خلات عمر

لقاء غير متوقع جمع فتاة جميلة، مفعمة بالحياة، بشريك عمرها في إحدى المناسبات. تشابكت الأرواح سريعًا، واشتعلت شرارة حب كبير تحدّى الأهل والمجتمع والتقاليد، لينتصر في النهاية بالزواج.

الفرح غمرهما، والبيت امتلأ دفئًا بطفلين جميلين، وكانت الحياة تسير بهدوء وسعادة كما حلم كل منهما.

صباح مشرق انطلق فيه الزوج إلى عمله، بعد أن قبّل طفليه وزوجته، مبتسمًا كعادته. لم يكن أحد يتوقع أن تكون تلك الوداعة الختامية. جاءها الخبر كالصاعقة: الزوج سقط من الطابق الرابع… وفارق الحياة.

صدمة جعلتها تفقد توازنها. لم تصدق، ولم تستوعب. بدا كل شيء كابوسًا لا ينتهي. المشهد كان معتماً، موجعًا، لا يكاد يُحتمل.

الفراغ كان مرعبًا. بقيت وحيدة، دامعة العينين، تنظر في البعيد وكأنها تنتظر معجزة تعيده إليها، لكنها تدرك أنه لن يعود. أحكم القدر إغلاق الباب خلفه، ولم يترك سوى الذكريات تنهش قلبها.

أهل زوجها أسكنوها في طابق معزول من منزل العائلة، وفرضوا عليها صمتًا ثقيلًا. كأنها مدانة لمجرد كونها أرملة شابة. لم يلتفت أحد إلى نزيف قلبها، ولم يراعِ أحد أنوثتها وكرامتها وإنسانيتها. القيود كانت من حديد، لا تُكسر.

الهرب كان الطريق الوحيد الممكن. اصطحبت طفليها إلى بيت أهلها، آملة بدفء يحتويها، لكنها اصطدمت بجدار آخر من الجليد. لا حنان، لا فهم، لا تعاطف. أحكام أخرى، إملاءات أخرى، ولا خيار سوى التحمل.

الخيار كان مستحيلاً: إما أن تربي طفليها وسط هذا الألم، أو أن تتزوج وتتركهما لمصير مجهول. كلا الطريقين يعجّ بالقسوة.

الناس لم يرحموها. لا أهلها، ولا أهل زوجها، ولا المجتمع بأسره. ظلت محاصرة في نفق مظلم، لا ضوء فيه، ولا أمل.

تجربتها ليست فردية. هي قصة كل امرأة دفعت ثمن الحب، ثم ثمن الفقد، ثم ثمن التقاليد المتوحشة، حتى كادت تموت حيّة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مروان شيخي

المقدّمةُ:

في المشهدِ الشِّعريِّ الكُرديِّ المعاصرِ، يبرزُ الشاعرُ فرهادُ دِريعي بوصفِه صوتاً خاصّاً يتكلّمُ من عمقِ التجربةِ الإنسانيّةِ، لا بوصفِه شاهداً على الألمِ فحسبُ، بل فاعلاً في تحويلِه إلى جمالٍ لغويٍّ يتجاوزُ حدودَ المكانِ والهويّةِ.

ديوانُه «مؤامرةُ الحِبْرِ» ليسَ مجرّدَ مجموعةِ نصوصٍ، بل هو مساحةٌ روحيّةٌ وفكريّةٌ تشتبكُ…

غريب ملا زلال

سرمد يوسف قادر، أو سرمد الرسام كما هو معروف، عاش وترعرع في بيت فني، في دهوك، في كردستان العراق، فهو إبن الفنان الدهوكي المعروف يوسف زنكنة، فكان لا بد أن تكون حياته ممتلئة وزاخرة بتجربة والده، وأن يكتسب منها بعضاً من أهم الدروس التي أضاءت طريقه نحو الحياة التي يقتنص منها بعضاً من…

أحمد مرعان

في المساءِ تستطردُ الأفكارُ حين يهدأ ضجيجُ المدينة قليلًا، تتسللُ إلى الروحِ هواجسُ ثقيلة، ترمي بظلالِها في عتمةِ الليلِ وسكونِه، أفتحُ النافذة، أستنشقُ شيئًا من صفاءِ الأوكسجين مع هدوءِ حركةِ السيرِ قليلًا، فلا أرى في الأفقِ سوى أضواءٍ متعبةٍ مثلي، تلمعُ وكأنها تستنجد. أُغلقُ النافذةَ بتردد، أتابعُ على الشاشةِ البرامجَ علّني أقتلُ…

رضوان شيخو

 

ألا يا صاحِ لو تدري

بنار الشوق في صدري؟

تركتُ جُلَّ أحبابي

وحدَّ الشوق من صبري.

ونحن هكذا عشنا

ونختمها ب ( لا أدري).

وكنَّا (دمية) الدُّنيا

من المهد إلى القبر..

ونسعى نحو خابية

تجود بمشرب عكر..

أُخِذنا من نواصينا

وجرُّونا إلى الوكر..

نحيد عن مبادئنا

ونحيي ليلة القدر

ونبقى…