الحياة على جنب واحد 6 آب 2025… لم يكن يوماً عادياً.

ماهين شيخاني

خرجتُ من المستشفى وفي يدي كيس أدوية، وفي صدري شبكة معدنية تمسك بالحياة كما يمسك صيّاد شبكته في بحرٍ هائج.
ابتسم لي الطبيب وهو يسرد قائمة محظورات طويلة: لا تدخين، لا سهر، لا ملح، لا سكر، ولا حركة إلا على جنب واحد.
قالها بجدية، وكأنه يكتب دستوراً جديداً لبلدٍ اسمه “أنا”.

في البداية، تصورت أن الأمر مؤقت؛ أسبوع من الانضباط وأعود كما كنت.
لكن الليلة الأولى علّمتني درساً قاسياً.
انقطع التيار الكهربائي، والحرارة خانقة، رغبت أن أتحرك قليلاً، أن أغيّر وضعيتي، لكن جسدي تذكّر أوامر الطبيب: “على جنب واحد، لا أكثر.”
كانت أضلعي تصرخ، ظهري يتأوه، والعرق ينزل ببطء، وأنا أشعر أنني داخل تابوت لا يُرى.

تذكّرت حينها رواية بذلة الغوص والفراشة، وكيف عاش الكاتب في جسد أسير، بعين واحدة ووعي كامل.
أما أنا، فقد منحني القدر حرية النظر، لكن قيد الحركة.
هو لم يستطع الكلام، وأنا مُنع عن الكلام أيضاً؛ ليس لشللٍ أصاب لساني، بل لأن أي حديث مع الزائرين كان يسرق من أنفاسي القليلة.

هكذا فهمت أن الحياة على جنب واحد ليست مجرد وضعية نوم…
إنها تدريب على أن ترى العالم من زاوية ضيقة، وتختبر الصبر في أضيق مساحاته، وتدرك أن خطوة واحدة غير محسوبة قد تكون النهاية.

في تلك الليالي، كان قلبي يهمس:
“احذر… أنت الآن في مفترق طرق. إما أن تلتزم بالطريق الجديد، أو تسقط خارج الخريطة.”

ومنذ ذلك اليوم، صرت أعيش وكأنني أمشي على حافة سكين،
حياة على جنب واحد…
لكنها، رغم كل القيود، ما زالت حياة.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…

فراس حج محمد| فلسطين

تثيرني أحياناً في بعض الكتب عتباتها التمهيدية، من الغلاف وتصميمه، وما كتب عليه في الواجهة وفي الخلفية (التظهير)، والعتبات النصيّة التمهيدية: العنوان، والإهداء، والاقتباس الاستهلالي، وأية ملحوظات أخرى، تسبق الدخول إلى عالم الرواية أو بنيتها النصيّة.

تقول هذه العتبات الشيء الكثير، وتدرس ضمن المنهج البنيوي على أنها “نصوص موازية محيطة”، لها ارتباط عضوي…