كيف كنا نحتفل في عيد نوروز؟ عن ذكرياتي مع فرقة نارين

خلات عمر

بين الخوف والأمل:

كانت مشاركتي في نشاطات عيد النوروز مع فرقة نارين، منذ عشرات السنين، في تلك الفترات الصعبة جداً، أكثر من مجرد تجربة فنية، بل كانت رحلة مشحونة بالمشاعر المتناقضة بين التعب والسعادة، وبين الخوف والأمل.

منذ البداية لم يكن الأمر سهلاً، فالنشاط كان محظوراً على الشعب الكردي في تلك المرحلة القاسية، المليئة بالملاحقات والفصل والإقصاء. لذلك كانت تدريباتنا دائماً مغموسة بالقلق. كنا نتدرب في أماكن متواضعة، وأعيننا تترقب أي طارئ، وقلوبنا تخفق، ليس فقط من شدة البرد أو التعب والتنقل بين القرى عبر الطرق الوعرة، وفي الليالي الماطرة المظلمة البعيدة عن أعين الناس، بل من الخوف أيضاً أن يُمنع صوتنا من الوصول.

كان بيننا وبين زملائنا رابط أقوى من كل الظروف: المحبة، الصداقة، وروح المشاركة. كنا نعمل كعائلة واحدة نتقاسم الأعباء، ونتدفأ بكلمات التشجيع، ونضحك رغم المطر والبرد. كل واحد منا كان يساند الآخر، وكان الإصرار الجماعي سرّ نجاحنا واستمرارنا.

وحين جاء موعد العرض، أي بداية السنة الكردية المنتظرة من كافة أبناء شعبنا، تلاشى الخوف أمام شجاعة الوقوف على المسرح. ارتدينا ملابسنا التراثية الكردية، وبدأنا بأداء أغنية “أي رقيب”، التي وحدها كانت كفيلة بزرع الحماس في القلوب جميعاً، جمهوراً ومشاركين. كان التصفيق حاراً، والسعادة واضحة على الوجوه. قدمنا كل ما في برنامجنا من أغنيات ومسرحيات ودبكات ورقصات، بنجاح وفرح. عندها أدركت أن النجاح لم يكن مجرد عرض جميل، بل انتصار على القيود، ورسالة أمل لشعب بأكمله.

لقد أثبت لنا ذلك اليوم أن التعاون والمحبة بين الأصدقاء قادران على تحويل أصعب الظروف إلى فرحة، وأن الخوف يتلاشى عندما يكون الهدف أسمى: إسعاد الناس وحماية التراث من النسيان والضياع.

تفرق الأصدقاء بعدها، فمنهم من فارق الحياة، ومنهم من سافر بعيداً، ومنهم من شغلته ظروف الحياة. لكن كل واحد منهم ما زال يسكن تلك الذكرى العزيزة. قد لا نلتقي مجدداً كما كنا، لكن ما صنعناه معاً سيبقى خالداً في ذاكرتنا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خورشيد شوزي
مقدمة
يُعد المنهج البنيوي أحد أبرز المناهج النقدية في تحليل النصوص الأدبية، إذ ينطلق من دراسة البنية الداخلية للنص واستكشاف العلاقات بين مكوناته، دون الالتفات إلى خارجيات مثل نوايا المؤلف أو ظروفه التاريخية. وفي هذا السياق، تشكّل رواية كريستال أفريقي مادةً خصبة للتحليل البنيوي بما تزخر به من بنى سردية، لغوية، رمزية، ودلالية متشابكة، تجعل…

غريب ملا زلال

أعي تماما ان الغوص في العمل التشكيلي كالغوص في اعمق المحيطات. قد تخرج لآلئ وجواهر ثمينة، وقد تعود خالي الوفاض، وقد تغرق ولا تعود. هذا ما احسست به وانا ابحث في اعمال الفنانة خناف صالح، وزاد هذا الاحساس وانا اقف امام عملها الذي انا بصدد قراءته.

احسست فعلا…

عصمت شاهين الدوسكي

كيف تكون المرأة ناضجة فكرياً ؟

صور لمواجهة الانكسار الذاتي والعاطفي

الحداثة الشعرية لا بد منها، إذا كانت في اطوار متعددة، فهي تعاني الاصطدام ومواجهة الوعي الطبيعي، لما يدور من تجديد في النفس البشرية والعالم، او وعي سريع بجوانب عديدة تفرضه الاحداث المسرعة، في زمن اسرع.

وربما تعني الحداثة الشعرية التعامل الجديد…

إدريس سالم

نقرأ في قصيدة «مرثية الأشياء الصغيرة»، لوحة نوستالجية مكتملة العناصر، تقوم على تصوير حسّي غامر، يجعل القارئ يشارك التجربة بكامل حواسه، فيشمّ الماضي، ويلمس دفئه، ويتذوّق طعمه، ويسمع أصواته، ويراه بعين الروح والخيال. إنها قصيدة تتأرجح بين الدفء والألم، بين الذكريات المضيئة والانطفاء القاسي، لتمثّل نصّاً عن هوية مهدّدة بالغياب، وعن حياة كاملة تذوب…