علي شيخو برازي
كانت المرأة الأيوبية متقدمة على نساء عصرها, في دعم المؤسسات التعليمية, ولعبة دورا هاما في المجتمع الدمشقي في هذا المجال, وخاصة نساء الملوك والأمراء من بني أيوب الذين حكموا دمشق, وذلك من خلال إسهامها الفعال في الحياة الثقافية والسياسية, وكان لها إنجازات كبيرة في الكثير من مناحي الحياة, وقد خلد التاريخ أسماء العديد من سيدات البيت الأيوبي في صفحاته, حيث كانت المرأة الأيوبية رائدة في تنشيط الحركة الفكرية والتعليمية في بلاد الشام, في المدن الرئيسة مثل : دمشق وحماه وحلب, حيث مراكز ثقل الحكم الأيوبي في بلاد الشام .
عندما أصبحت دمشق مركز الدولة الأيوبية, بدأ الأيوبيين في استخدام الوقف لرفع مستوى الوعي الفكري في المجتمع الدمشقي, واعتماد هذا المنهج السليم, كون النخبة المثقفة عماد الدولة القوية وعامل ازدهار المجتمع, فأشادوا المؤسسات الوقفية في دمشق بشكل واسع, يقول ابن جبير الذي زار دمشق, وبعد ذكر معالمها: ” ولكل مشهد من هذه المشاهد أوقاف معينة من بساتين وأرض بيضاء ورباع, حتى إن البلد تكاد الأوقاف تستغرق جميع ما فيه” ولكل مسجد يستحدث بناؤه أو مدرسة أو خانقة يعين لها السلطان أوقافا, تقوم بها وبساكنيها والملتزمين لها.” ( ابن جبير, دون, ص 248 ) .
وكان للمرأة الأيوبية دورا متميزا في تشييد هذه المؤسسات العلمية وإدارتها, وكان ذلك حافزا لممارسة النساء مجال التدريس في هذه المدارس , ” وقد درّست المرأة في المراكز العلمية العديدة، وسمع عليهن طالبو العلم، وأخذوا عنهن، ورحلوا إليهن، لقد تصدر بعضهن في مجالس السماع، وسمع عليهن العديد من مشاهير العلماء من أمثال ابن عساكر، والمنذر, وابن حجر العسقلاني. ” ( عمر, دون, ص 10 ) .
وكان ذلك من أهم عوامل تشجيع المجتمع في بلاد الشام ومصر, على إرسال البنات إلى المراكز التعليمية, حيث شهدت المدن الكبرى عشرات المدارس التي كانت تستقطب الطلاب من جميع المذاهب الدينية, كونها هذه الأوقاف كانت تقدم بالإضافة إلى التدريس، الطعام والشرب والمنام واللباس والعلاج .
كان للمرأة حضورا متميزا في الدولة الأيوبية, كونها أسست الكثير من المؤسسات الفكرية والتعليمية, من مدراس وخانگاهات ودور حديث وجوامع وغير ذلك في مجالات عدة, وأوقفت على هذه المؤسسات الثقافية الكثير من الضيع والطواحين ومعاصر الزيت, وعرفت بتدينها, والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين, وخاصة طالبي العلم والصوفية, وكان لها رأي في سياسة الدولة الأيوبية, حيث مارست السياسة وأدارت دفة الحكم بكل حزم وقوة, ومثال ذلك : ضيفة خاتون ابنة الملك العادل سيف الدين التي حكمت حلب, وشجرة الدّر جارية الصالح أيوب التي حكمت مصر, والأميرة زمرد زوجة طغتكين بن أيوب التي حكمت اليمن ( الجبوري, 2010, ص103 ) . ورغم أن المصادر العربية لم تنصف دورها التاريخي بما يتناسب مع عملها الريادي في هذا المجال, إلا أن أثرها لا يزال جليا في مدن بلاد الشام ومصر.
وفيما يأتي أهم الشخصيات التي كان لهن أثر كبير في الحياة الفكرية في دمشق:
1 – عصمة الدين خاتون
عصمة الدين خاتون بنت معين الدين أنر زوجة السلطان صلاح الدين الأيوبي, تزوجها سنة 576 ه – 1176 م . وكانت قبله زوجة نور الدين محمود (، وكانت مقيمة بقلعة دمشق .
وولي تزويجها منه أخوها الأمير سعد الدين بن أنر, وحضر القاضي ابن عصرون عقد قرائهما, وبات الناصر صلاح الدين عندها تلك الليلة والتي بعدها، ثم سافر إلى مصر بعد يومين, وكانت عصمت خاتون من أعكف النساء وأكرمهن وأحزمهن, ولها أمر نافذ ومعروف وصدقات ورواتب للفقراء وإرادات, ولها صدقات كثيرة وبر عظيم . توفيت سنة 581 ه – 1185م. وقد ذكر ابن طولون، بأنها كانت من أحسن النساء، وهي واقفة مدرسة الخاتونية الجوانية في دمشق.
دفنت بتربتها بجبل قاسيون, تجاه قبة جركس, أصبحت فيما بعد داخل الجامع الجديد بالصالحية . ( الجغيفي, 2015, ص 240 ), ويعود بناء خانگاه الخاتونية في ظاهر دمشق إلي عصمت الدين خاتون, ولها تربة على نهر يزيد بصالحية دمشق, مقابل المدرسة الجهاركسية .
2 – ست الشام
هي ست الشام خاتون بنت الأمير نجم الدين أيوب بن شادي، أخت السلطان صلاح الدين يوسف, واقفة المدرستين: المدرسة الجوانية والمدرسة البرانية . قال ابن شداد عن المدرسة البرانية : ” هي من أكبر المدارس وأعظمها, وأكثرها فقها, وأكثرها أوقافا. ” ( ابن شداد, 1956, ص 249 ) . يقول الذهبي : ” كانت سيدة الملكات في عصرها, كثيرة البر والصدقات, كان يُعمل في دارها في السنة بمبلغ عظيم أشربة, وسفوفات, وعقاقير, وتفرقه على الناس. وكان بابها ملجأ لكل قاصد في حاجة إلى الدولة . ووقفت على المدرستين أوقافا كثيرة عامرة . توفيت سنة 616 ه – 1219م . ” ( الذهبي, 1997, ص 290 ) . ودفنت بالمدرسة البرانية .
3 – ربيعة خاتون
ربيعة خاتون بنت نجم الدين أيوب بن شاذي, أخت الناصر والعادل, تزوجت أولا من الأمير مسعود بن الأمير معين الدين أنر, فلما مات تزوجت الملك مظفر الدين صاحب إربل, فبقيت بإربل أكثر من أربعين سنة , فلما مات قدمت إلى دمشق وتوفيت بدار أبيها وهي دار العقيقي سنة 643 ه – 1245م . وكانت قد جاوزت الثمانين من العمر . ( الجغيفي, 2015, ص 245 ) .
4 – فاطمة خاتون
فاطمة خاتون بنت الملك الكامل بن العادل, تزوجها الملك العزيز سنة 625 ه – 1228 م. وقد ” سار القاضي بهاء الدين وفي صحبته أكابر حلب وعدولها إلى دمشق, لعقد مصاهرة بين الملك العزيز والملك الكامل, ووصل إلى ظاهر دمشق من ناحية الضمير, وخرج الملك الكامل من المخيم والتقاه, وأنزله في المخيم, وأحضره إلى خيمته, وقدم ما وصل على يده للملك الكامل, ثم نقله بعد ذلك إلى جوسق* الملك العزيز بالمزة . ” ( الجغيفي, 2015, ص 240 ) . توفيت سنة 656ه – 1258م .
5 – نسب خاتون
الخاتون الجليلة الكبرى نسب خاتون بنت الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين ممدود ابن السلطان الملك العادل, شيخة مسنة جليلة، ولي أبوها سلطنة دمشق, حدثت، وكانت صالحة خيرة , توفيت بدمشق في شهر ربيع الأول سنة 697ه – 1297م. ودفنت عند قبر والدها بجبل قاسيون . ( الجغيفي, 2015, ص 248 ) .
6 – عذراء بنت شاهينشاه
عذراء بنت شاهينشاه بن أيوب بن شادي, تنسب إليها المدرسة العذراوية التي تقع في حارة الغرباء داخل باب النصر, غربي حمام العذراء, الذي كان يسمى باب دار السعادة . توفيت عام 1196, ودفنت بتربتها , بمدرستها . ( الشرعة, 2008, ص 45 ) .
7 – خاتون بنت إبراهيم ( خُطىلخير )
خُطلخير, خاتون ابنة إبراهيم بن عبد الله, والدة عز الدين فرخشاه . وهي زوجة شاهينشاه بن أيوب, أخي صلاح الدين, وهي التي واقفت المدرسة الفرخشاهية في دمشق عام 1183 . ( ابن شداد, 1956, ص 219 ) .
8 – ربيعة خاتون
ربيعة خاتون بنت نجم الدين أيوب, هي التي أنشأت المدرسة الناصرية بسفح قاسيون من الشرق . ( النعيمي, 1990, ص 62 ) .
9 – فاطمة خاتون
الست فاطمة بنت السلّار, واقفة المدرسة المبطورية بجبل الصالحية من شرقيه, سنة 629 ه – 1232م. ( ابن شداد, 1956, ص 223 ) .