أعلنت دار الخياط – واشنطن عن صدور رواية جديدة للكاتب والباحث السوري مازن عرفة بعنوان «نزوة الاحتمالات والظلال»، لتضاف إلى سلسلة أعماله الأدبية التي تجمع بين العمق الفكري والخيال الجامح، وتفتح أفقاً جديداً في السرد العربي المعاصر.
وتطرح الرواية، التي جاءت في 190 صفحة من القطع الوسط، عالماً غرائبياً، تتقاطع فيه نزوات الطغاة مع رغبات الآلهة، وتتشكل فيه الحقائق من صدى الظلال لا من أرض الواقع. ويعيد عرفة من خلال نصه رسم خريطة جديدة للميثولوجيا الشرقية، حيث يختلط المقدس بالدنيوي، والحكمة بالجنون، والخيال بالدم المسفوك.
وتقدّم الرواية شخصية «الزعيم الجنرال» بوصفه تجسيداً للسلطة المطلقة، في نصوص صادمة تكشف قسوة الاستبداد الذي يتحول إلى طقس يومي دموي. ففي أحد المقاطع، يصف الكاتب مشهد دفن المئات من الأبرياء أحياءً، في تقارير أمنية «نظيفة من الأشلاء»، لتتحول السلطة إلى آلة قتل منظّمة مغلفة بقداسة زائفة.
وفي تصريحات لوسائل الإعلام قال عرفة: «يقوم البناء السردي للرواية على فكرة «العوالم المتعددة» المستمدة من الفيزياء الكوانتية والنظرية النسبية، حيث تنكسر حدود الأزمنة والأمكنة والعلاقات السببية، ليفتح النص الباب أمام سريالية لامعقولة وواقعية سحرية تعكس التباس الواقع العربي».
وأضاف: «تغترف الرواية من التراث الديني والأسطوري، ومن حكايات الصحراء الموغلة في القدم، لتصوغ عالماً أدبياً متشابكاً، يذكّر بعوالم ألف ليلة وليلة، لكنه محمّل برائحة الدم وأصداء الطغيان.
هذا وتُعد «نزوة الاحتمالات والظلال» الرواية السابعة لمازن عرفة، بعد أعمال بارزة مثل: «وصايا الغبار» (2011)، «الغرانيق» (2017)، «سرير على الجبهة» (2019)، «الغابة السوداء» (2023)، و«داريا الحكاية» (2023). كما أصدر في 2025 روايته «ترانيم التخوم» عن دار ميسلون في باريس.
وُلد مازن عرفة في دمشق عام 1955، ودرس اللغة الفرنسية في جامعة دمشق، ثم حصل على الدكتوراه في علم المكتبات والمعلومات من بولونيا عام 1990. يتقن عدة لغات بينها الفرنسية والبولونية والألمانية، ويُعرف بقدرته على المزج بين البحث الأكاديمي والإبداع الأدبي. ومنذ 2017 يقيم في ألمانيا، حيث يواصل الكتابة والنقد، مسخّراً تجربته لرصد التحولات الثقافية والوجودية، ومؤكّداً على أهمية الكلمة كأداة لفهم الذات والواقع.
وبجرأتها الأسلوبية وموضوعاتها الفلسفية، تسعى رواية «نزوة الاحتمالات والظلال» إلى تجاوز حدود المتعة الجمالية لتغدو تجربة جمعية، تطرح أسئلة الوجود، وتفكك آليات الطغيان، وتكشف هشاشة الإنسان بين الحلم والكوابيس.
مقطع 1 من الرواية:
«أنا الزعيم الجنرال… هكذا، انبثقتُ إلى الحياة في «حكاية جديدة». في ذاكرتي ومضات بعيدة، مبهمة وغامضة، من «حكاية قديمة»، تشتعل فيها برارٍ موحشة، تمتدّ دون نهايات، يكتنفها الغموض والريبة، لا تعمرها إلا كائنات سحرية متشيطنة، أعيش بينها. ثم امتلأت بوحوش غريبة الخلق والطباع، حضرت معي من «بلاد الغرائب والعجائب». وكي لا تنكشف حقيقتها أمام الناس، حوّلها لي «سيد أكوان الشرّ» إلى «جنود يرتدون ملابسَ مموّهة»، انتقلوا معي إلى «الحكاية الجديدة»، وهم يرافقونني فيها باستمرار، وأنا فقط مَن يعرف حقيقتهم. لكن الناس، عندما يصادفونهم، يولون الأدبار، مذعورين، مع أن أشكالهم الخارجية اتخذت هيئة جنود، فهل يتوجّسون بحقيقتهم؟».
مقطع رقم 2 من الرواية:
«يقارب العدد اليومي ألف إنسان، ندفنهم أحياء، بكامل ألق جسدهم الإنساني، بناء على تعليماتكم الرحيمة، كي تصلكم التقارير الأمنية نظيفة من الأشلاء والدماء. بل ونسمح لهم بالاستحمام قبل رميهم في القبور الجماعية، وإهالة التراب عليهم. إليكم الآن التقرير الصباحي «أيّها الزعيم الجنرال، لقد جمعنا من المتمرّدين مئة شاب، جميلي المحيا، وبعمر الرجولة، وثمانين فتاة عذراء، يعبقن بالحياء، وسبعين طفلاً، أجمل من الورود. وتم دفنهم جميعهم أحياء، بعد أن عطرناهم برائحة الفل والياسمين».
لهذا يصلون إلى وكري بأجسادهم، ولا يدعوني أنام. لتتغير أوامري، ولأنسى الرأفة بالمتمرّدين على سلطتي.
«الحصيلة اليومية هي الآن مئة طن من أشلاء الجثث التي تمزّقت بالقصف، أو احترقت وتشوهّت بالنيران، مع مئة طن من لحم مفروم يتم نزعه من جنازير الدبابات. هذا هو التقرير اليومي بناء على تعليماتكم الجديدة، فأنتم لا ترغبون بعد الآن أن يموت الناس بأجساد سليمة».