قصيدةُ حبٍّ أمميَّة…

عبد الستار نورعلي

في دُجى الليلِ العميقْ:

“سألني الليلْ:

بتسهرْ لِيهْ؟”

قلْتُ:

أنتَ نديمي الَّذي يُوفِّى ويُكفِّى،

ويصفِّي..

منَ الشَّوائبِ العالقة..

بقفصِ صدري المليءِ بالذِّكرياتِ الَّتي

تعبرُ أفْقَ خيالي..

بارقاتٍ

لامعاتٍ

تَخرجُ مِنْ قُمْقُمِها،

ففيكَ، أيُّها الليلُ الَّذي لا تنجلي،

أُلقي صَخرةَ النَّهارِ عنْ كاهلي،

وأرفعُ صخرةَ الأيامِ والكتبِ والأقلامِ

والأحلامِ،

والكلامِ غيرِ المُباح،

وفي الحالتين أشهقُ..

وأتحسرُ

وأزفرُ..

زفراتٍ حرَّى،

تسمعُها أنتَ، وتعي،

فما فاتَ لمْ يفُتْ،

وما هو آتٍ آتٍ لا ريبَ فيهِ!

وأشتكي لكَ ولصمتِكَ المهيبِ؛

فأنتَ الشِّفاءُ،

وأنتَ الدَّواءُ..

(المؤقت)،

وانتَ شرَّاحُ الجراحِ،

وحمَّالُ الأسيَّةِ،

والمستمعُ المُصغي باهتمامٍ، والَّذي..

لا يُضاهيههِ مستمِعٌ،

وأنتَ الصَّامِتُ الخجولُ الَّذي..

لا يُشبهُهُ صامتٌ،

صامتٌ لا يصدِّعُ الرَّأسَ

بالقيلِ والقالِ

وكثرةِ السُّؤالِ،

والسُّعالِ،

مع أنَّ الأسئلةَ الكبرى والصُّغرى

تُكتَبُ على لوحتِكَ السَّوداء،

بطباشيرِ القلبِ والرَّأسِ والأحلام،

لا بتباشيرِ الصَّباحِ الأسودِ..

مِنْ ظلامِكَ المُدلَهِمِّ،

 والأصمتِ منْ صمتِكِ الرَّاسخِ،

وسرِّكَ الأمين،

وحُلُمِكَ الأسير،

الأسيرِ الغارقِ في لُجِّ الأمنياتِ

خلفَ ضبابِ الرُّؤيةِ

في عينِ القصيدةِ الهاربةِ

في وَضَحِ النَّهارِ الدَّايرِ

على حلِّ شَعْرِهِ

في ضجيجِ عرباتِ الخيلِ المُطْهَمَةِ

في اسطبلاتِ التَّواريخِ المُنهَزِمَةِ

أمامَ الرِّياحِ العاتيةِ

الشرقيةِ والغربيةِ،

وأقدامِ الرَّايِح والجاي، والرَّاكضِ

في أعقابِ الرُّؤوسِ الخاويةِ

على عروشِها،

فأنتَ الوحيدُ الَّذي

يستمعُ إلينا بانتباهٍ وجلالٍ،

ونحنُ نغرقُ..

في أعماقِ طينِ الكلماتِ المُتقاطِعَةِ

والمُتشابِكةِ

والمُتشاكلةِ

والصَّامتةِ

حتى يرى اللهُ فيها أمرًا كانَ مفعولا،*

فالمفعولُ بهِ يعرفُ الفاعلَ جيداً

لكنَّهُ..

يستمرئُ الفعلَ مع الظَّرفِ المنصوبِ

على طبَّاخِ الطَّباخينَ..

في مطابخِ التَّنانينِ الْبِيْضِ والصُّفْرِ

ليقتاتَ الواقعونَ..

في الكمائنِ المنصوبةِ

منذ التَّاريخِ الأولِ لقابيلَ وهابيلَ

والإخوةِ الأعداء،

والعشاقِ السُّكارى الغارقين

في أحلامِ العصافيرِ:

قيس وليلى

روميو وجولييت

حسن ونعيمة..

الذَّائبينَ

في تيزابِ حكاياتِ ألفِ ليلةٍ وليلة،

لذا أسهرُ معكَ، أيُّها الليلُ الطَّويلُ؛

لأعانَي وجعَ القلبِ والرَّأسِ،

والجذعِ والأطرافِ،

كي أكتبَ قصيدةَ حبٍّ..

أُمَمِيّةٍ،

وإنْ كانتْ كلمةُ (أممية) تُصيبُ البعضَ

بالهستيريا،

والهذيانِ،

وعَمَى الألوانِ،

والشِّيزوفرينيا،

والفوبيا الصَّفراء،

مع أنَّها تعني الإنسانيةَ جمعاءْ:

(وإنّما الأُمَم الأخلاقُ…).**

ودونَ استثناءْ،

فما الفرقُ إذنْ،

أيُّها الليلُ الطَّويلُ..

“كموجِ البحرِ الَّذي..

أرخى سدولَهُ..

بأنواع الهموم” !!!

 

* تناصّ مع الآيةِ الكريمة (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا) الأنفال 44

** تضمين لقول أحمد شوقي:

وإنَّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بقِيَتْ…

تشرين الثاني/أوكتوبر 2025

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

في قلب الجزيرة الفراتية، وعلى سفح جبل يطلّ على سهول ما بين النهرين، تتربع مدينة ماردين كأنها كتاب مفتوح على قرون من التفاعل البشري. ليست ماردين مجرد مدينة، بل فسيفساء حيّة من لغات وأديان وأعراق، حيث لا يمكن اختزال هويتها في قومية واحدة أو لغة واحدة، بل في صدى الحجارة التي عاشت أكثر من…

خالد بهلوي

ضمن نشاطات الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا، وبحضور نخبة من الكتّاب والمهتمين بالشأن الثقافي، افتُتحت أول مكتبة كردية في مدينة إيسن الألمانية بتاريخ السابع من أكتوبر عام 2025.

في خطوة طال انتظارها، جاءت المكتبة الكردية في ألمانيا لتكون منارة جديدة للثقافة والمعرفة، وجسرًا يربط بين الماضي العريق للشعب الكردي وحاضره المتجدّد…

تلقى المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا، وببالغ الحزن، نبأ وفاة والدة الزميل الكاتب فرمان بونجق، أحد أوائل أعضاء رابطة الكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا، إذ توقّف قلبها اليوم، الخميس ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥، بعد عمر حافل بالعطاء والمحبّة.

وإذ يعرب المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكرد في سوريا، باسم…

إبراهيم اليوسف

لا أريد أن أصدق أنّ مزكين حسكو بعيدة عنا الآن. أكاد أكرر مثل هذه الجملة كلما استهل صباح جديد، منذ أربعين يوماً، لأنّ مخيلتي ترفض ترتيب الأحداث وفق ما جرى. أستيقظ فأشعر أنّ حضورها قريب، وأنّ غيابها لم يستقرّ بعد في الوعي. أتصرف كما لو أنّ صوتها سيصل الآن، وأنّ رسالتها القصيرة ستسبق أي…