هل  أتاك حديث “المبيّض”؟

أ. فازع دراوشة| فلسطين

المبيّض أو كما يلفظ  باللهجة القروية الفلسطينية، ” المبيّظ”. والمبيض هذا كريم الذكر لا علاقة له  قدّس الله سره بالبيض.

لم أره عمري، ولكن كنت في أوائل الابتدائية (الصف الاول والثاني) وكان يطرق سمعي هذا المسمى، علمت أنه حرفي ( صنايعي) يجوب القرى أو يكون له حانوت يمارس  فيه حرفته. يجوب  القرى، وربما حارات بعض المدن لا سيما تلك المدن ذوات الأحياء المكتظة والمغلقة والتي لا تكاد أزقتها تعرف الشمس نهارا او القمر ليلا.

كان المبيّض  يبيض  الصحون  وما شابهها من طناجر وأدوات منزلية بسيطة عندما  يتقادم استعمالها  فيعيدها جديدة ولست على اطلاع  بحيثيات عمله.

وما أريد توصيله يكمن  في السؤال : ماذا لو قرر أحدهم أن يعمل مبيضا هذه الايام ؟ ماذا لو سألنا كثيرا من الناس  عما  يعرفه عن المبيض وصنعته او يعرفنا به ( ولقد فعلتها في اكثر من سياق  ولم يعرف اللفظ أحد أو عرفه من نيف عن الخمسين او أكثر قليلا )

الكلمات تنمو وتزدهر  بالاستعمال واللزوم،  كالازهار والاشجار التي تنمو بالماء والتعهد.

ويقودني هذا الحديث  لمسالة التكنولوجيا وأدواتها؛ هل ما زال أحد يا سادة ينقل ملفاته او يخزنها…الخ بالدسك ( او الدسكت وهي اللفظ الاصوب على رأي العلامة على خليل رحمه الله  كما كان يقول في دوراته  وهو من اوائل من انشغلوا بالكمبيوتر  في منطقة نابلس  وفلسطين ) وهو  (القرص ) القديم والذي ازدهر في تسعينيات القرن الفارط ؛ ثم دخل متحف التاريخ. ( لاحظ صورة اثنين من ذاك الكائن )

أريت ابني كريم  بضع دسكات منها فلم يدر  ما هما

علما ان كريما وأقرانه خضعوا  لامتحان تكنولوجيا  عملي ونظري وكانت علامته مرتفعة

هل نلوم معلمي التكنولوجيا لأنهم لا يعلمون تلاميذ اليوم  عن هذه ” الادوات ” البائدة ؟

الجواب كلا والف كلا

في مؤتمر عن التكنولوجيا  ودورها في دعم العملية التعليمية  حضرت فعالياته كاملة رغم هريبة كثير من المدعوين كالمعتاد عاب باحث محترم،  على التلاميذ وربما من وراءهم ان نسبة مرتفعة منهم أخفقوا في تحميل ايميل  وارساله وهم من طلبة الصف العاشر وجعل من ذلك قضية ….

كان محور مداخلتي ان طلبة الصف العاشر منذ ما لا يقل عن سنتين او ثلاثة باتوا عازفين عن الأيملة ( مصطلح يعني  تجهيز ايميل وارساله ). لماذا ؟ والجواب يكمن في قصة “المبيض “. نعم، وجدوا ما يغنيهم عن الايميل  سرعة ويسرا وكفاءة فالمهم ايصال الرسالة.

رد الباحث المحترم ان ثمة كفايات ينبغي لطالب الصف العاشر ان يمتلكها في موضوع التكنولوجيا ومنها ارسال ايميل وكان ردي ان تلك الكفايات التي سماها بالدولية ليست قرآنا كريما  والكفايات التطبيقية تفرض تفسها دائما ليختار المستخدم منها ما يريحه وما هو سريع وفعال وكفء.

وليتذكر كل منا ما قرأه كيف كانت السيارات تشتغل اول عمرها ولم  سمي الشفير شفيرا  وهي كلمة فرنساوية تعني حارق الشعلة اذ كان يقوم بالتشغيل يدويا وباشعال شعلة وينفخ عليها للاشتعال ( اشتعال البوجية كما قرأت ).

وهذا يقودني لموضوع سوف أطرقه لاحقا في ما يتعلق بالحاح بعض الاسئلة الغبية في الانشاء والتي تطلب كتابة رسالة ورقية ( مكتوب ) في وقت اندثرت فيه كتابة الرسائل بالشكل الجميل الذي كانت عليه.

التجديد  قائم على قدم وساق وكل الاحترام للماضي لكن لن اعيب تلميذا لا يستطيع  ارسال “برقية ” بجهاز التلغراف ( مورس ) ولن الوم ابني او حفيدي مستقبلا ان لم يستطع ارسال ايميل  ولن الوم من لا يعرف من هو المبيض وماذا يعمل او يبيض كما لن الوم انسانا عربيا غير مختص بالعربية ان جهل معنى مفردة السجنجل.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مسلم عبدالله علي

بعد كل مناقشة في نادي المدى للقراءة في أربيل، اعتدنا أن نجلس مع الأصدقاء ونكمل الحديث، نفتح موضوعاً ونقفز إلى آخر، حتى يسرقنا الوقت من دون أن نشعر.

أحياناً يكون ما نتعلمه من هذه الأحاديث والتجارب الحياتية أكثر قيمة من مناقشة الكتب نفسها، لأن الكلام حين يخرج من واقع ملموس وتجربة…

أحمد جويل

طفل تاه في قلبي
يبحث عن أرجوحة
صنعت له أمه
هزازة من أكياس الخيش القديمة……
ومصاصة حليب فارغة
مدهونة بالأبيض
لتسكت جوعه بكذبة بيضاء
……………
شبل بعمر الورد
يخرج كل يوم …..
حاملا كتبه المدرسية
في كيس من النايلون
كان يجمع فيه سكاكرالعيد
ويحمل بيده الأخرى
علب الكبريت…..
يبيعها في الطريق
ليشتري قلم الرصاص
وربطة خبز لأمه الأرملة
………
شاب في مقتبل العمر
بدر جميل….
يترك المدارس ..
بحثا…

مكرمة العيسى

أنا من تلك القرية الصغيرة التي بالكاد تُرى كنقطة على خريطة. تلك النقطة، أحملها معي أينما ذهبت، أطويها في قلبي، وأتأمل تفاصيلها بحب عميق.

أومريك، النقطة في الخريطة، والكبيرة بأهلها وأصلها وعشيرتها. بناها الحاجي سليماني حسن العيسى، أحد أبرز وجهاء العشيرة، ويسكنها اليوم أحفاده وأبناء عمومته من آل أحمد العيسى.

ومن الشخصيات البارزة في مملكة أومريك،…

عبد الستار نورعلي

في دُجى الليلِ العميقْ:

“سألني الليلْ:

بتسهرْ لِيهْ؟”

قلْتُ:

أنتَ نديمي الَّذي يُوفِّى ويُكفِّى،

ويصفِّي..

منَ الشَّوائبِ العالقة..

بقفصِ صدري المليءِ بالذِّكرياتِ الَّتي

تعبرُ أفْقَ خيالي..

بارقاتٍ

لامعاتٍ

تَخرجُ مِنْ قُمْقُمِها،

ففيكَ، أيُّها الليلُ الَّذي لا تنجلي،

أُلقي صَخرةَ النَّهارِ عنْ كاهلي،

وأرفعُ صخرةَ الأيامِ والكتبِ والأقلامِ

والأحلامِ،

والكلامِ غيرِ المُباح،

وفي الحالتين أشهقُ..

وأتحسرُ

وأزفرُ..

زفراتٍ حرَّى،

تسمعُها أنتَ، وتعي،

فما فاتَ لمْ يفُتْ،

وما هو آتٍ آتٍ لا ريبَ فيهِ!

وأشتكي لكَ ولصمتِكَ المهيبِ؛

فأنتَ الشِّفاءُ،

وأنتَ…