أغلب الناس يخافون مرور الأيام، يخشون أن تتساقط أعمارهم من بين أصابعهم كالرمل، فيخفون سنواتهم أو يصغّرون أنفسهم حين يُسألون عن أعمارهم.
أما أنا فأترك الأيام تركض بي كما تشاء، تمضي وتتركني على حافة العمر وإن سألني أحد عن عمري أخبره بالحقيقة، وربما أزيد على نفسي عاماً أو عامين كأنني أفتح نافذة أطلّ منها على المستقبل الذي لا يجرؤ غيري على النظر إليه.
أريد أن أصبح جدة تجلس على كرسيها الخشبي، يلتفّ حولي الأحفاد ويسألوني عن التجاعيد في يدي ووجهي، عندها سأحدثهم عن كومة الذكريات التي تركت آثارها على ملامحي، عن الأيام التي مرّت وحفرت آثارها على جلدي.
أريد أن أصل إلى النقطة التي يقول لي فيها أحدهم كلمة فأنساها بعد لحظات كأنها لم تمرّ بي أصلًا، أريد أن أعيش في ذلك الزمن الذي تتلاشى الأشياء كلها بسرعة: الأسماء، الوجوه، الأصوات، وحتى اللحظات الصغيرة التي كنا نعدّها حياة كاملة، تصبح مجرد ومضات لا تستقر في الذاكرة.
أريد أن يتحول الماضي كله إلى غبار يتناثر في الذاكرة، فلا يبقى منه إلا بقايا صور باهتة، أصوات متقطعة وحقيبة مهترئة من الحنين، حقيبة أثقل من قلبي أحملها أينما ذهبت ولا أستطيع أن أتركها خلفي.
كلما فتحتها وجدت فيها وجوهاً انطفأت، ضحكات بعيدة وأياماً لم يعد لها مكان في الحاضر، لكنها تلتصق بي كما يلتصق الغبار بالنافذة المهجورة.
هكذا تمضي الأيام ثقيلة، بطيئة، لا تمنحنا فرصة للهرب ولا تسمح لنا بالبقاء كما نحن إنها تمشي فوقنا بخطواتها الثقيلة، تُبدّد أحلامنا وتطفئ ألواننا، تسرق منا الضحكات وتتركنا بملامح شاحبة لا تشبه صورنا القديمة.
١٣-٩-٢٠٢٥
هولير