حقيبة من غبار الذاكرة

سيماف خالد محمد

أغلب الناس يخافون مرور الأيام، يخشون أن تتساقط أعمارهم من بين أصابعهم كالرمل، فيخفون سنواتهم أو يصغّرون أنفسهم حين يُسألون عن أعمارهم.

أما أنا فأترك الأيام تركض بي كما تشاء، تمضي وتتركني على حافة العمر وإن سألني أحد عن عمري أخبره بالحقيقة، وربما أزيد على نفسي عاماً أو عامين كأنني أفتح نافذة أطلّ منها على المستقبل الذي لا يجرؤ غيري على النظر إليه.

أريد أن أصبح جدة تجلس على كرسيها الخشبي، يلتفّ حولي الأحفاد ويسألوني عن التجاعيد في يدي ووجهي، عندها سأحدثهم عن كومة الذكريات التي تركت آثارها على ملامحي، عن الأيام التي مرّت وحفرت آثارها على جلدي.

أريد أن أصل إلى النقطة التي يقول لي فيها أحدهم كلمة فأنساها بعد لحظات كأنها لم تمرّ بي أصلًا، أريد أن أعيش في ذلك الزمن الذي تتلاشى الأشياء كلها بسرعة: الأسماء، الوجوه، الأصوات، وحتى اللحظات الصغيرة التي كنا نعدّها حياة كاملة، تصبح مجرد ومضات لا تستقر في الذاكرة.

أريد أن يتحول الماضي كله إلى غبار يتناثر في الذاكرة، فلا يبقى منه إلا بقايا صور باهتة، أصوات متقطعة وحقيبة مهترئة من الحنين، حقيبة أثقل من قلبي أحملها أينما ذهبت ولا أستطيع أن أتركها خلفي. 

كلما فتحتها وجدت فيها وجوهاً انطفأت، ضحكات بعيدة وأياماً لم يعد لها مكان في الحاضر، لكنها تلتصق بي كما يلتصق الغبار بالنافذة المهجورة.

هكذا تمضي الأيام ثقيلة، بطيئة، لا تمنحنا فرصة للهرب ولا تسمح لنا بالبقاء كما نحن إنها تمشي فوقنا بخطواتها الثقيلة، تُبدّد أحلامنا وتطفئ ألواننا، تسرق منا الضحكات وتتركنا بملامح شاحبة لا تشبه صورنا القديمة. 

١٣-٩-٢٠٢٥

هولير

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

لَيْسَ الاستبدادُ حادثةً عابرةً في تاريخِ البَشَرِ ، بَلْ بُنْيَة مُعَقَّدَة تَتكرَّر بأقنعةٍ مُختلفة ، وَتُغَيِّر لُغَتَهَا دُونَ أنْ تُغيِّر جَوْهَرَها . إنَّه مَرَضُ السُّلطةِ حِينَ تنفصلُ عَن الإنسانِ ، وَحِينَ يَتحوَّل الحُكْمُ مِنْ وَظيفةٍ لِخِدمةِ المُجتمعِ إلى آلَةٍ لإخضاعه .

بَيْنَ عبد الرَّحمن الكواكبي (…

عبدالجابر حبيب

 

يا صديقي

بتفصيلٍ ثقيلٍ

شرحتُ لكَ معنى الأزقّةِ،

وكيفَ سرقتْ منّي الرِّياحُ وجهَ بيتِنا الصغيرِ،

لم يكنْ عليَّ أن أُبرِّرَ للسّماءِ

كيفَ ضاعتْ خطواتي بينَ شوارعَ غريبةٍ،

ولم يكنْ عليَّ أن أُبرِّرَ للظِّلالِ

كيفَ تاهتْ ألوانُ المساءِ في عينيَّ،

كان يكفي أن أتركَ للرِّيحِ

منفذاً خفيّاً بينَ ضلوعي،

أو نافذةً مفتوحةً في قلبي،

فهي وحدَها تعرفُ

من أينَ يأتي نسيمُ الحنينِ.

كلُّ ضوءٍ يُذكِّرُني ببيتِنا…

غريب ملا زلال

يتميز عدنان عبدالقادر الرسام بغزارة انتاجه، ويركز في اعماله على الانسان البسيط المحب للحياة. يغرق في الواقعية، يقرأ تعويذة الطريق، ويلون لحظاتها، وهذا ما يجعل الخصوصية تتدافع في عالمه المفتوح.

عدنان عبدالقادر: امازون الانتاج

للوهلة الاولى قد نعتقد بان عدنان عبدالقادر (1971) هو ابن الفنان عبدالقادر الرسام…