الشيخ نابو
في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.
ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.
نحن لا نرفض الحوار، بل نعتبره أحد أهم أدوات التقارب وبناء التفاهم بين أبناء المجتمع الواحد. لكننا نرفض بشدة أن يتحول إلى ستار يخفي خلفه محاولات لتجاوز الثوابت الدينية، وتهميش المؤسسات المستقلة، وتضليل الرأي العام عبر شعارات براقة لا تعكس الواقع.
ما نقدمه هنا ليس مجرد رد على بيان ختامي، بل هو موقف أخلاقي وصرخة ضمير أمام محاولة ممنهجة لإعادة تشكيل المجتمع الإيزيدي من الخارج، دون أدنى احترام لتاريخه، لرموزه، ولدماء شهدائه التي روت أرض شنكال.
ومن أولى الملاحظات التي تفضح زيف هذا المؤتمر، أنه افتتح دون حضور أي رجل دين إيزيدي ملتزم، ودون تلاوة السبقات الدينية أو تقديم النصائح الروحية التي تعد من ركائز أي تجمع إيزيدي حقيقي.
هذا الغياب ليس تفصيلاً عابراً، بل (دليل) صارخ على أن القائمين على المؤتمر لا يحترمون المبادئ الأساسية للديانة الإيزيدية، ولا يلتزمون بروحها، مما يسقط عنهم أي شرعية دينية أو مجتمعية.
أولاً: التلاعب بالأرقام
يزعم منظمو المؤتمر أن عدد المشاركين بلغ 450 شخصاً من مختلف المناطق والطبقات الاجتماعية.
لكن الحقيقة، كما وثّقتها الفيديوهات، أن العدد لم يتجاوز 200 شخص، أغلبهم من أنصار حزب العمال الكردستاني وحزب يكيتي، مع حضور محدود من حزب بارتي. غالبيتهم من البسطاء الذين تم استدعاؤهم لتكميل العدد، دون وعي حقيقي بماهية المؤتمر. فهل هذا ما تسمونه (تمثيلاً شاملاً) ؟
ثانياً: التناقض في الخطاب الديني
يدّعي البيان أن المؤتمر لم يُعقد بهدف المساس بالدين الإيزيدي أو تغيير أركانه.
لكننا نملك الأدلة المصورة التي تُظهر تصريحات صادمة، منها تشبيه الحد والسد ببنطال يمكن تغييره حسب اللون، كما قال المدعو أمين بابا شيخ.
إذا كنتم تؤمنون بهذا المنطق، فابدأ بنفسك وبأولادك، وغيّروا بناطيلكم أولاً.
أما عصمت بريمو، فقد أباح عودة أكثر من مئة عائلة إلى الديانة الإيزيدية، ودعا علناً إلى عودة الأكراد إليها.
ورئيس اللجنة التحضيرية، خليل جندي، له كتب ومقابلات يدعو فيها إلى تحديث طبقة جديدة في الإيزيدية، ويشكك في أصل الحد والسد، ويطرح روايات لا تمت للنصوص الدينية بصلة.
فكيف تجرؤون على نفي نوايا التغيير، وأنتم من يروج لها علناً؟
ثالثاً: اتهامات العنف وتضليل الرأي العام
يتناول البيان موضوع العنف، محمّلاً ما وصفهم بـ”المعتصمين” مسؤولية ما حدث قبل وأثناء وبعد المؤتمر.
لكن الشهادات الميدانية تؤكد أن الاستفزاز بدأ من داخل المؤتمر، وأن المعتصمين مارسوا حقهم المشروع في التعبير السلمي، دون تجاوز أو اعتداء.
عن أي تعصب تتحدثون؟ وهل في الإيزيدية تعصب ديني أصلاً؟
لقد وصل الأمر بالإعلامي” أوسمان أرجين” ، المعروف بولائه لحزب العمال الكردستاني، إلى وصف المعتصمين بـ”الدواعش”، بل وشبّههم بمن يحرقون الناس!
هل هذا هو خطابكم الذي تدعون أنه إيزيدي وإنساني؟ وهل هذه هي لغتكم في مواجهة من يخالفكم الرأي؟
وأنا هنا لا أعترض على أن يخدم( أبناء الأحزاب الكردية) مجتمعهم الإيزيدي، بل أعترض على أفكاركم التي تبيح لأنفسكم اتهام كل من يخالفكم بهذه الاتهامات الرخيصة والمرفوضة أخلاقياً ودينياً.
أما ما حدث من تطاول على صور بعض الشخصيات، فقد جرى دون علم أو وجود المجلس الديني الإيزيدي، وكان تصرفاً فردياً أقدم عليه عدد محدود من الأشخاص، ربما بدوافعهم الخاصة، ولا يمثلون إلا أنفسهم. غير أن هذا التصرف تسبب في تراجع المئات عن المجيء للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية، وأدى إلى انسحاب العشرات منها.
وقد أعلن المجلس الديني الإيزيدي رفضه العلني لهذا التصرف، رغم مشاركته في الاعتصام أساساً لكشف بعض الحقائق حول نوايا القائمين على المؤتمر، وهو ما تحقق بالفعل.
وبسبب ذلك السلوك غير المقبول، قرر المجلس الانسحاب من الاعتصام ومن أي نشاط آخر يخرج عن أهدافه، وأصدر بياناً مصوراً يوضح فيه موقفه بشكل رسمي.
رابعاً: تغييب المؤسسات المستقلة
يتحدث البيان عن إنشاء مجلس ديني للإيزيديين في المهجر، دون دعوة الجهات المستقلة الفاعلة، مثل الاتحاد الدولي للجمعيات الإيزيدية، مركز شؤون الإيزيديين، اتفاق ملة الإيزيدي، والمجلس الديني الإيزيدي في ألمانيا،و عشرات الجمعيات الإيزيدية المستقلة.
ان المجلس الديني الإيزيدي تم تأسيسه بتشاور مع أغلب رجال الدين الإيزيديين ، وبعلم المجلس الروحاني في لالش،و مباركة و تنسيق مع علماء الإيزيديين في جبل شنكال ، ويترأسه الشيخ صبحي نابو، الذي يملك وثائق دامغة تكشف نوايا التحريف التي تقف خلف مؤتمركم.
فهل تجاهلتم دعوته لأنه لا يخضع لإملاءات حزبية؟ أو لإنه لا يقبل تحريف وتأليف نصوص دينية مصطنعة؟ أم لأنكم تخشون مواجهة الحقيقة؟
في النهاية:
لا نحتاج أن نتمنى لكم الفشل، لأن مؤتمركم وُلد فاشلاً، فاقداً للشرعية، ومجافياً للواقع الإيزيدي.
المجد لشهداء إيزيدخان، والخزي والعار لكل من يتطاول على الإيزيديين والإيزيدياتي ، تحت شعارات براقة تخفي مشاريع التغيير والتفكيك.
الشيخ صبحي نابو رئيس المجلس الديني الإيزيدي.