جوهر محمد عمر فنان يقتنص أعماله من جمال البيئة في كردستان العراق

غريب ملا زلال
ألوان ملهمة للمزيد من الإبداع
تحظر الأوطان في أغلب أعمال الفنانين التشكيليين، حتى وإن كان حضورها باهتا ونادرا، لكن الوطن بالنسبة إلى بعضهم هو الملهم الأول والأخير، تسحرهم طبيعته وتفاصيله، فينذرون أعمارهم وموهبتهم لإعادة تصويرها في لوحات تخلد ذكراه وتنقل جمالياته نحو الآخر الذي يعيد اكتشاف البلدان في عيون أبنائها.
يرتبط الإنسان بالمكان الذي جُبِل عليه على نحو كبير، لا يمكن أن تتركه بعيداً، فعطره وعطر ترابه يمتد أثره ليعبق بروحه على مدار النفس، فكيف إذا كان هذا الإنسان فناناً، وكان هذا المكان وهذا التراب كردستان العراق؟
أتحدث هنا عن الفنان التشكيلي جوهر محمد عمر (1962، أربيل) ابن كردستان، الذي يملك من الحدس ما يجعله يلتقط من المكان أشكالاً هي في منتهى الكمال، تجعل من حواسه وهي تراقب الطبيعة كيف تتغير، وكيف تستوعب لكل هذا التناسق الذي يرفع من العقل الإنساني ليتأملها وبما يقف وراءها.
جوهر محمد في علاقته مع طبيعة كردستان ينهض بها دفاعاً عنها، ويتحرك إلى تدوين مفاتنها وكأنها غاية لا تدرك
جوهر الذي كاد يختص في استنشاق طبيعة كردستان وجمالها، جل أعماله لقطات مقتنصة من جبالها وسهولها وحقولها وينابيعها… إلخ، وكأنه عاشق لها وهي ملهمته على امتداد عمليات الخلق والإبداع. فهو يهتم بأدق تفاصيلها وبكل عناية وانتباه، وكذلك في كل الأوقات، ولديه الكثير من التفهم لها، فهو يتعاطى معها بكل شفافية وترحيب، مقدماً أحاسيسه باتجاهها بكل طيبة، ومشاركاً حالاتها كأنماط حقيقية من الحياة، بكل عواطفه وانفعالاته.
ومن المؤكد أن الفنان حمل على كاهله كل ما يمكن أن يواجهه من مسؤوليات تجاه بلاده، بما في ذلك أبسط أمورها، فهو لا يوثق طبيعة كردستان بألوانه بقدر ما يمارس معها عشقه لها، العشق الذي سيمنحه عشرات الأعمال دون أن يكلّ أو يملّ، بل يدفعه نحو إنتاج المزيد، فلا نهاية لعشقه ومطافه، ولا يمكن أن يتصور حياته دونها، فهي التي حفرت قبلتها وندوبها في مجرى روحه وقلبه، وقد تدفعه إلى عدم التحكم بانفعالاته وبأفعاله فليس أمامه إلا ريشته وألوانه ينوبان عنه في ترجمة كل ذلك.
هذا هو الفنان جوهر محمد في علاقته مع طبيعة كردستان، ينهض بها دفاعاً عنها، ويتحرك إلى تدوين مفاتنها وكأنها غاية لا تدرك، وطموحه لا انكسار فيه ولا تردد، وليس هناك ما يحد من اندفاعاته نحوها، فهو يمارس عليها ما يجعل من حضورها تاريخاً، وينشد ما يتمثل خباياها مضيفاً عليها ما يستلهمه من ذاكرته، فليس هناك ما يوهمه بجمالها وعبقها، بل كل ما فيها وفي ضوء ما يعرفه ويعيشه يستدرجه ليدفع به في دروب الحلم الذي لا يرتادها إلا من كان متخماً بالعشق، متسربلاً بالألوان، وكأنه يطلق من رؤياه أقواس قزح متزامنة مع كيفيات إنتاجه.
والفنان هو الذي يحيط المكان بالأسئلة، يرميها حيثما يشاء، ثم يعود بفرشاته المغموسة بنياط قلبه وهي في سجال قائم على سلسلة متتابعة من ردود فعلية فيها يتجلى العنصر الجمالي الذي سيرفع صراحة غالبية الصيغ الفنية لا في جانبها الشكلي فحسب بل بما تغتني به من تطوراتها .
يدرك جوهر محمد ضرورة تمثيل الخصوصية الجمالية لطبيعة كردستان في شكل واقعي كاشفاً فيه ومن شتى الجوانب عالمها ذي الشمولية في حركيتها وغنائيتها، والأكثر وضوحاً مع الزمن تبعاً لخصائص محيطها المرتبط بظروفها ومغزاها ودورها، وهو يكثف تلك الواقعية في ذاتها الموضوعية مؤكداً على السبل التي تسير عليها، وهذا ما يمنحه الدور الكبير في شقها، وبما يجسد المثل الأعلى لها ولقوى تأثيراتها في شتى ارتداداتها.
وجوهر محمد وفي مجمل أعماله لا يكتفي بإبراز القيمة الموضوعية لها بوصفها تعبيرات تتعمق في لبها كظاهرة أكثر امتلاء بإدراكه الأسباب الفعلية لجمالها وجذورها، بوصفها تعبيرات تعلق الآمال على ترسيخ مبادئها في اهتماماته الخاصة، تعبيرات مؤداها إلى خلاصة لا زوائد فيها، بل مجسداً فيها مونولوجات معبرة عن أمله الجامح، وتشهد على ذلك استخداماته الكثيرة لمفردات مترابطة ومتعلقة بعضها ببعض من جوانب كثيرة مشكلاً طابعها المميز الذي سيثير مجموعة قضايا أخرى نابعة من ذاتها، القائم أصلاً على تصوراته من جانبها الواقعي كمنهجه الفني الذي يمضي فيه/عليه بسماتها الموضوعية التي تعرف ذاتها كما هي في ذهنه، وهذه تعطيه فرصة النفاذ إلى أعماق العالم الداخلي للطبيعة وللإنسان وتصويرها بشكل صادق.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

نص: حفيظ عبدالرحمن

ترجمة عن الكردية: فواز عبدي

 

جاري الافتراضي كئيب

جاري الافتراضي حزين

جاري الافتراضي يحلب اليأس

يحتسي الوحدة

يبيع الحِكَمَ المكوية برعشة الآلام

بثمن بخس.

 

من نافذة صفحتي

أرى

مكتبه

صالونه

غرفة نومه

مطبخه، شرفته، حديقته

ومقبرة عائلته.

من خلال خربشات أسطره

أقرأ طنين النحل

في أعشاش عقله.

 

جاري الافتراضي

يكتب على جدار صفحته

كلمات مثقوبة بالألم

محفورة بمسامير التنهدات

يمسحها

ثم يعيد…

مروة بريم
لم يسبق لي قطُّ أنْ رأيتُ الجزيرة، تكوَّنت صورتها في ذهني، من قُصاصات مطبوعة في المناهج المدرسية، وما كانت تتداوله وسائل الإعلام. عَلِقت في ذهني صورة سيدات باسقات كأشجار الحَور، يأوينَ إلى المواقد في الأشتية القارسة، تشتبكُ القصصُ المحلّقة من حناجرهنَّ، مع صنانير الصّوف وهنَّ يحكنَ مفارش أنيقة، وفي الصَّيف يتحوَّلن لمقاتلات…

شيرين اوسي

عندما تكون في الشارع وتحمل في احشاءها طفلها الاول

تتحدث عنه كأنها تتحدث عن شخص بالغ

عن ملاك تتحسسه كل ثانية وتبتسم

يطفئ نور عينها وهي تتمنى ضمه

تقضي في حادثة اطلاق نار

رصاصة طائشة نتيجة الفوضى التي تعم المدينة تنهي الحلم

تموت وهي تحضن طفلها في احشاءها

ام مع وقف التنفيذ

تتحسس بطنها

ثم تتوسل لطبيب المعالج

ساعدني لااريد فقد كامل…

إبراهيم محمود

البحث عن أول السطر

السرد حركة ودالة حركة، لكنها حركة تنفي نفسها في لعبة الكتابة، إن أريدَ لها أن تكون لسانَ حال نصّ أدبي، ليكون هناك شعور عميق، شعور موصول بموضوعه، بأن الذي يتشكل به كلاماً ليس كأي كلام، بالنسبة للمتكلم أو الكاتب، لغة ليست كهذي التي نتحدث أو نكتب بها، لتكتسب قيمة تؤهلها لأن…