مسلم عبدالله علي
قبل يومين، كنا عائدين من العمل. وقبل أن ننطلق، أوقفنا شابٌ مصريّ كان يعمل معنا في نفس البناء، فأردنا أن نوصله في طريقنا.
ما إن صعد السيارة، حتى انهالت عليه الأسئلة من كل حدبٍ وصوب:
ـ أين تقع الأهرامات؟
وقبل أن يجيب، أضاف أحدهم: هل زرتها؟
ابتسم وقال: ليست بعيدة تبعد ساعة فقط عن منزلي، أمرّ بها كثيرًا لكن لم أزرها يومًا… ويجب أن تدفع لتدخلها.
اتسعت أعيننا بدهشة، لم نكن نتوقع هذا الجواب. وفي عقلي كنت أتهيأ لسؤاله أن يصفها لنا من الداخل…
ولأنهم لم ينالوا ما أرادوا، واصلوا عليه الأسئلة:
ـ هل تعرف عمرو دياب؟
ومن لا يعرفه؟ لكن السائل كان يقصد معرفة عن قرب، فسأله عن أغنيته المفضلة له.
أجاب: عمرو دياب لا يقيم كثيرًا في مصر، دا راجل شاطر وبيعرف يشتغل، وأسمع له آخر أغنية “يا بابا”، فشغّلها أحدهم على السماعات.
ثم جاء السؤال التقليدي:
ـ زملكاوي ولا أهلاوي؟
فرد ضاحكًا: أشجع فريق الخاسر دائمًا.
لم أفهم أي الفريقين يقصد رغم متابعتي لكرة القدم ، لكن من طرح السؤال ابتسم وقد فهم.
وتوالت الأسئلة:
ـ هل تعرف عادل إمام؟
قال بابتسامة: هو الشرقي الوحيد الذي مارس شرقيّته علنًا، أمام الجميع، دون أن يُحاسَب أو يُذَمّ.
ودار بينهم حديث طويل عن أفلامه وأعماله، بينما كنت أنا صامتًا، أستمع بهدوء، لكن في عقلي وقَلبي كانت تدور أسئلة أخرى…
“هل يعرف نجيب محفوظ؟ كيف كانت حياته؟ أين كان يقيم؟ كيف كانت طقوسه؟
هل قرأ له؟ هل قرأ أولاد حارتنا؟
وكيف يرى المصريون نجيب محفوظ؟
هل يفتخرون به أم يذمّونه؟
هل يعرف أحمد خالد توفيق؟ ماذا عن العقّاد؟ طه حسين؟”
لكنّي لم أحرّك فكي. تركت أسئلتي تتصارع في داخلي، خوفًا من أن أضعه في موقف محرج إن لم يعرفهم.
وأتذكر موقفًا قديمًا منعني من ذلك تمامًا…
في مقابلة تلفزيونية قالت الروائية أحلام مستغانمي:
“كنت في زيارة إلى فرنسا، وبصحبتي صديق في مقهى، فعرّفني على أحد معارفه قائلًا:
هذه هي الروائية الكاتبة أحلام، من الجزائر.
فردّ الآخر مبتسمًا: آه، من بلد الشاب خالد!
تقول أحلام: أومأت برأسي، لكن في قلبي كنت أتمنى لو تبتلعني الأرض. كم شعرت بالصِغَر حين عُرفت من خلال مطرب، لا من خلال كتبي.”