فقير الله أبو سلو: حكاية مناضل لن يطويها النسيان

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير في صفحات التاريخ.

إن هذا الكتاب يمثل جهدا جماعيا لإحياء الذاكرة الوطنية الكوردية وتخليد رموزها الذين سطروا ملاحم العطاء والتضحية، كما يأتي نشره على حلقات في إطار التزامنا الثقافي بتقديم محتوى توثيقي رصين يربط الأجيال بماضيها النضالي المشرف.

من خلال هذا المشروع، يسعى ولاتى مه إلى أن يكون جسرا بين القارئ والتاريخ الحي، وفاء لرجال حملوا راية الحرية بإيمان وصبر، وأثبتوا أن الكلمة الصادقة قادرة على إبقاء الذاكرة حية مهما طال الزمن.

ادارة (ولاتى مه)
تشرين الأول 2025

===========

رجال لم ينصفهم التاريخ

فقير الله أبو سلو: حكاية مناضل لن يطويها النسيان

سمكو عمر لعلي

 

المقدمة

أن تكتب عن شخصية مناضلة مثل فقير الله أبو سلو يعني أن تستعرض سيرة رجل حمل على عاتقه هموم شعبه ووطنه، ولم يهنأ براحة أو استسلام. فقير الله، ابن علي بن محمد، لم يكن مجرد اسم عابر في سجل التاريخ، بل رمزًا للإخلاص والصمود والتضحية. من قرية بانه قصر إلى تليلون ودرعا، ومن قريته التي هُجِّر منها إلى ساحات النضال، رسم هذا الرجل بأفعاله مسارًا ملهمًا لكل من يسير على درب الحرية.

 

النشأة والبداية

وُلِد فقير الله في عام 1930 في قرية بانه قصر، حيث كانت بداياته متواضعة، لكنه استطاع أن يُثبت وجوده منذ الصغر. انتقل مع عائلته إلى قرية تليلون، لكنه قبل ذلك كان قد نهل من العلم على يد شيوخ من عائلة الشيخ إبراهيم حقي في بانه قصر. بفضل هؤلاء الشيوخ، أتقن القراءة والكتابة في وقت كان فيه التعليم رفاهية لا يتمتع بها الجميع. تلك البذرة الأولى من العلم لم تكن مجرد وسيلة لتطوير نفسه، بل أصبحت لاحقًا أداة في نضاله، حيث أدرك مبكرًا أهمية الوعي والمعرفة في مسيرة التحرر.

 

البدايات السياسية والانتماء إلى البارتي

في عام 1958، انضم فقير الله إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي)، وهو الحزب الذي كان يمثل تطلعات الكرد في الحرية والكرامة. منذ اللحظة الأولى، أظهر إخلاصًا غير محدود لمبادئ الحزب ونهج البارزاني الخالد. لم يكن مجرد عضو عادي، بل كان ركيزة أساسية ضمن خلية نضالية جمعت بينه وبين شخصيات بارزة مثل كنعان عكيد، عمر لعلي من زغات، محمد صوفي من زهيرية، حسن صوفي أبو عكاش من بانه قصر، رشيد عمر أبو خنجر من قصر ديب، وعلي رشيد من كاسان. هؤلاء الرفاق كانوا مثل خلية نحل تعمل بلا كلل من أجل قضية سامية، وظلوا أوفياء لبعضهم البعض في أوقات الشدة.

 

النضال والتضحيات

كان منزل فقير الله أبو سلو ملاذًا آمنًا للبيشمركة واللاجئين الفارين من ظلم الحكومات العراقية، خصوصًا بعد أحداث عام 1975. ورغم المخاطر التي أحاطت به وبعائلته، لم يتردد لحظة في تقديم يد العون لكل من يحتاج المساعدة. لكن هذا الإخلاص كان له ثمن، حيث تعرض للاعتقالات المتكررة على يد السلطات. كما تم سحب جنسيته السورية في إطار حملة استهدفت المناضلين الكرد بشكل خاص.

 

ورغم كل تلك الضغوط، لم يفقد فقير الله عزيمته. بل واصل العمل بصمت، مُظهرًا شجاعة نادرة في مواجهة الظلم. كانت له قصص بطولية معروفة بين أبناء قريته وأصدقائه، حيث يُذكر أنه لم يكن فقط قائدًا ميدانيًا، بل أيضًا مصدر إلهام لكل من حوله.

 

الهجرة الداخلية ومعاناة الحزام العربي

بعد مشروع الحزام العربي، الذي استهدف الكرد في مناطقهم الأصلية وسلب أراضيهم، اضطر فقير الله وعائلته إلى الهجرة إلى درعا، حيث عاشوا ظروفًا صعبة بسبب الفقر والتهجير. ومع ذلك، لم يتخلَّ عن مبادئه أو انتمائه، بل استمر في دعم قضيته من هناك. ظل ضمن صفوف حزبه، يقدم ما يستطيع، رغم بعد المسافة وقلة الموارد.

 

العلاقات والصداقات النضالية

كان لفقير الله علاقات متينة مع عدد من المناضلين الذين شاركوه رحلة النضال. من بين هؤلاء، محمد علي كلش وأخوه حسن من مرجه، ومحي الدين صالح. كان هؤلاء الأصدقاء أوفياء له حتى بعد وفاته، حيث وقفوا بجانب أولاده وساندوهم في أصعب الظروف. تُروى عن فقير الله مواقف كثيرة تُظهر إخلاصه لرفاقه وصدقه في التعامل معهم، ما جعله محبوبًا ومُقدرًا في أوساطهم.

 

الظلم الحزبي وتهميش المناضلين

في إحدى المرات، كان فقير الله عضوًا فرعيًا في الحزب، لكنه تعرض لمؤامرات داخلية أدت إلى إبعاده عن منصبه. كان ذلك نتيجة الصراعات الداخلية التي كثيرًا ما تعصف بالأحزاب السياسية. وعندما اشتكى رفيق دربه عمر لعلي إلى سكرتير الحزب، المرحوم كمال أحمد، عن الظلم الذي تعرض له فقير الله، هدأ كمال أحمد من روعه قائلاً: “أحيانًا تصلني قرارات لا أستطيع الإفصاح عنها في اجتماعات المكتب السياسي.” هذه الحادثة تركت أثرًا كبيرًا في نفوس رفاقه، لكنها لم تُثنِ فقير الله عن استمراره في النضال.

 

الوفاة ووصية شاهين عيني

في عام 2012، توفي فقير الله أبو سلو في دمشق بعد حياة مليئة بالنضال والتضحيات. تم نقل جثمانه إلى مدينة ديريك، حيث وُري الثرى هناك. كان لوفاته وقعٌ كبير على كل من عرفه أو سمع عنه، خصوصًا رفاق دربه الذين ظلوا يستذكرون مواقفه البطولية.

 

عندما توفي سكرتير الحزب السابق، دهام ميرو، شارك في تشييع جنازته عدد من رفاقه وأصدقائه المقرّبين، ومن بينهم فقيرالله، بهزات دورسن، أحمد صوفي، وشاهين عيني. ساروا خلف نعشه بحزن يملأ قلوبهم، مستذكرين مسيرته النضالية وإرثه السياسي.

 

خلال الموكب الجنائزي، التفت فقيرالله إلى رفيقه شاهين عيني، وكأنه يستودعه وصيته الأخيرة، وقال له بصوت هادئ لكنه عميق المعنى: “عندما يحين أجلي، أريد أن يُلف نعشي بالعلم الكردي، وأن تحمله الفرقة الفلكلورية، لتودعني الألحان التي لطالما لامست روحي. وعند دفني، أرجوكم أن تودعوني بالنشيد الوطني . أي رقيب، فهي رمز عزتنا وصمودنا.”

 

وبالفعل، عندما وافاه الأجل، لم يخذله رفاقه. نفذ شاهين عيني وصيته بكل وفاء وإخلاص، فارتفع العلم الكردي فوق نعشه، وحملته أيدي الفرقة الفلكلورية وهم يعزفون ألحان الوداع. وعند إنزال جثمانه إلى مثواه الأخير، صدحت أصوات رفاقه بالنشيد الوطني. أي رقيب، ليكون وداعًا يليق بمن نذر حياته لقضيته.

 

 

سمكو عمر لعلي

كوردستان :هولير 29/1/2025

الاشخاص الذين زودوني بالمعلومات:

-احمد صوفي .بانه قسر

-هيفاء فقيرالله.ابنته

-شاهين عيني.زغات

-محمد علي كلش .اخيه حسن كلش.مرجه

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

المهندس باسل قس نصر الله
حين زرتُ المقابر المسيحية لأول مرة – ولسببٍ لا أذكره اليوم – كنتُ في العاشرة من عمري. هناك، بدأتُ أمارس ما كنتُ أظنه معرفة بالقراءة … فصرتُ أقرأ أسماء الموتى على القبور، أتهجّى الحروف واحداً واحداً، وأربط أسماء العائلات بأسماء أصدقائي المسيحيين. وكنتُ أعود إليهم أسألهم عن تلك الأسماء، عن الذين…

أحمد مرعان

رحلةُ سقوطِ الوعي بين بريقِ المصلحة وبهتانِ الحقيقة؛ كان المثقفُ أيامَ النقاءِ والتضحيةِ نبضَ الوعي الجمعي في جسدِ الأمة، وصوتَ العقلِ حين تسكتُ الأصوات، يسيرُ في الدروبِ المظلمةِ حاملًا شعلةَ النور بالفكرِ والوعي، بقدسيةِ إعلاء كلمةِ الحق، ينيرُ بها القلوبَ والعقولَ قبلَ الطرقات، مغامرًا بنفسِه إلى السجونِ والمعتقلات، وربما يكونُ ضحيةَ فكرِه ورأيِه، يؤمنُ…

هند زيتوني| سوريا

كي تتحدّث مع الأموات بإمكانك الذهاب إلى مدينة المنجمّين الشهيرة في كاساديغا بولاية فلوريدا الأمريكية هناك يستطيع الوسيط أو الـ (Medium) أن يجعلك تتصل بالأرواح، أمّا إذا أردت أن تستمع لحديث الشاعرات اللواتي تربّعن على عرش الموت، فما عليك إلاّ أن تقرأ كتاب “بريد السماء الافتراضي”. هناك الموت لا يعني التلاشي ولا…

فراس حج محمد| فلسطين

رواية “أنيموس” للكاتبة صفاء أبو خضرة، الصادرة في عام 2018 أول عمل روائي منشور لها بعد مسيرة إبداعية ركزت فيها على الشعر ونصوصه، ويعدّ هذا العمل السردي إضافة نوعية جريئة ومؤسسة في المشهد الروائي العربي المعاصر، ويتناول بعمق وألم قضية الهوية المفقودة والتشظي النفسي، متمحورة حول شخصية “تيم”؛ ذلك الطفل الذي يواجه…