قصة سهى

ماهين شيخاني

كانت قاعة المحكمة الباردة تشهد حواراً أخّاذاً بين محامٍ شيخ وقاضٍ متمرس. توجه المحامي بسؤاله المصيري: “لو كنت مكان القاضي، ما مدة الحكم الذي ستصدره على سهى يا أستاذ؟”

أجاب الرجل بهدوء: “أقصر مدة ممكنة.”

ابتسم المحامي مرتاحاً: “أحسنت، أنت قلبك طيب وعطوف.”

………

الفلاش باك:

في ليالي الخدمة الإلزامية، كان قلب الشاب العاشق يخفق بشوقٍ جامح. اتصل بحبيبته سهى، فأخذت إجازة وانتظرته بشغف. لكن القدر كان ينسج خيوطاً معقدة.

“لا أستطيع الخروج، أهلي منعوني وبالأخص معك”، همست سهى عبر الهاتف.

“لدي ظروفي حبيبتي، أتمنى أن تقدريها. أنا ما زلت أخدم الجيش. أخرجي بالليل عندما ينام أهلك، الساعة الواحدة أنتظر في الجزيرة.”

وافقت بتردد: “حسناً حبيبي، باي.”

الليلة المصيرية:

خرجت سهى خلسة من دارها متجهة نحو البحر، حيث كان السكون يلف المكان كغطاء أسود. حاولت الاتصال بحبيبها، لكنها اكتشفت أنها نسيت هاتفها في المنزل.

في ظلمة الليل، لم يبق سوى ضوء خافت لصياد بعيد. نادته بصافرة يائسة، فأقبل مسرعاً: “لماذا أنت هنا يا شابة..؟.”

“عمو، لأمر ضروري وهام. ليتك توصلني إلى الطرف الآخر.”

“حركة الشختورة تكلف مبلغاً كبيراً، والمازوت صعب الحصول عليه.”

“لكنني لا أملك شيئاً، ولا حتى هاتفي.”

ابتسم الصياد بخبث: “تملكين بنطالك وسترتك الراقية. تناسب ابنتي وعلى مقاسها.”

“وهل يرضيك أن أبقى عارية..؟.”

“هذا شرطي كي أوصلك.”

بعد تردد مؤلم، خلعت ملابسها وركبت الشختورة شبه عارية.

الجزيرة والخيانة:

جلست على صخرة كبيرة تنتظر حبيبها. ساعة، ساعتان، ثلاث… وإذا برجل خمسيني يقترب منها: “ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت؟ يبدو أنك جاهزة على أربع وعشرين.”

“لا يا عم، لست من تلك النسوة..!.”

لكن الرجل اقترب منها وامسك بها رغماً عنها، بينما كانت تصرخ وتستنجد دون جدوى.

المحاكمة:

في قاعة المحكمة، أصدر القاضي أحكامه:

  • الأول: سنتان سجن
  • الثاني: أربع سنوات
  • الثالث: ست سنوات
  • الرابع: ثماني سنوات

ثم التفت المحامي للحضور: “والآن، كيف تحكمون على سهى..؟.”

أجاب أحدهم: “سنتان.”

وأيده آخر:”أوافق على سنتين.”

ابتسم المحامي: “أحسنتما. هنا يتغلب العاطف على بعض القرارات، لذا نأخذ بأخف الأحكام.”

النهاية المفاجئة:

بينما كان القاضي يهم بالنطق بالحكم، وقف المحامي العجوز فجأة، ووجهه شاحب، وقال بصوت مرتجف:

“لحظة واحدة يا سيادة القاضي… سهى هذه…”

أمسك بالميكروفون وتنهد بعمق:

“هي ابنتي…”

صمت مطبق ساد القاعة، ثم استكمل:

“كنت أختبر مشاعر الحضور لأعرف إن كانوا سيرحمونها… لكنني الآن أدرك أنني أنا من يستحق العقاب.”

التفت نحو القاضي بدموع في عينيه:

“لقد تخلّيت عنها منذ طفولتها بعد طلاقي من أمها… وها هي الآن، تائهة تبحث عن الحب في الأماكن الخطأ، لأنها لم تجده في بيت أباها.”

سقط على ركبتيه وهو يبكي:

“الحكم الحقيقي يجب أن يكون عليّ أنا… لأنني كنت أول المجرمين في حقها.”

في تلك اللحظة، قفزت سهى من مكانها واحتضنت أباها وهي تصرخ:

“لا… أنت ظننت أنك تحميني بابعادك عني، لكنك جعلتني أبحث عن الحب في كل مكان خاطئ..!.”

انهمرت دموع القاضي وهو يعلن:

“المحكمة تؤجل الجلسة… هناك جروح أعمق من القانون تحتاج إلى علاج.”

الخلاصة: أحياناً تكون أعظم الأحكام تلك التي نصدرها على أنفسنا قبل الآخرين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

 

غازي القُصَيْبي ( 1940 _ 2010 ) أديب وسفير ووزير سُعودي . يُعتبَر أحدَ أبرزِ المُفكرين والقِياديين السُّعوديين الذينَ تَركوا بَصْمةً مُميَّزة في الفِكْرِ الإداريِّ العربيِّ ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ التَّنظيرِ والمُمارَسة ، وَلَمْ يَكُنْ مُجرَّد كاتب أو شاعر ، بَلْ كانَ إداريًّا ناجحًا تَوَلَّى مَناصب قِيادية عديدة…

أحمد جويل

أنا كتير مليح بهالومين

لأنني بعيد عن البحر

وقريب جداً إلى كتبي

شغف الغناء

بمواويل جدّتي

وهي تعجن الطريق

إلى جبال زوزان

 

لا يمكنني التواصل

مع طيور الحباري

رَفّ الحمام… على سقف دارنا

وهي تنقر بيادر التين

وأنين الحلم على وسادتي

 

أُضمّ… صهيلك إلى قلبي

مشواري الطويل

إلى جزر محظورة…

تفّاحات صدرك الناري

 

يدخل آدم

إلى متاهات الرغبة

وأنتِ بعنادك

تدخلين بساتين النرجس

تغار منكِ عشتار

وبوّاب الحديقة

 

ارتدي معطفاً

وغلـيوناً وقصيدة

أرسم تلويحة كفّك

الثلجي

فوق جبين الناي

 

فيأتي الربيع

زاحفاً…

نص: حفيظ عبدالرحمن

ترجمة عن الكردية: فواز عبدي

 

جاري الافتراضي كئيب

جاري الافتراضي حزين

جاري الافتراضي يحلب اليأس

يحتسي الوحدة

يبيع الحِكَمَ المكوية برعشة الآلام

بثمن بخس.

 

من نافذة صفحتي

أرى

مكتبه

صالونه

غرفة نومه

مطبخه، شرفته، حديقته

ومقبرة عائلته.

من خلال خربشات أسطره

أقرأ طنين النحل

في أعشاش عقله.

 

جاري الافتراضي

يكتب على جدار صفحته

كلمات مثقوبة بالألم

محفورة بمسامير التنهدات

يمسحها

ثم يعيد…