الأوزان التي لم تضعها على الميزان.. قصة ساخرة

ماهين شيخاني

 

المشهد الأول: دهشة البداية

دخل عبد الله مبنى المطار كفراشة تائهة في كنيسة عظيمة، عيناه تلتهمان التفاصيل:

السقوف المرتفعة كجبال، الوجوه الشاحبة المتجهة إلى مصائر مجهولة، والضوء البارد الذي يغسل كل شيء ببرودته.

 

كان يحمل حقيبتين تكشفان تناقضات حياته:

الصغيرة: معلقة بكتفه كطائر حزين

الكبيرة: منفوخة كقلب محمل بالذكريات (ملابس مستعملة لكل فصول العمر)

 

المشهد الجديد: استراحة المعاناة

في صالة الانتظار، جلس عبد الله على كرسي كمن يجلس على جمر الغربة، تحدق عيناه في مقهى السوق الحرة حيث أكواب القهوة الذهبية تتحدى بريقها خزينة فقيرة في جيبه.

همس لنفسه:

“سعر الفنجان يساوي يوم عمل كامل…”

“في بلدٍ كنتُ أظنه جنة، اكتشفت أن ريح الجنة له ثمن..!.”

 

أخرج هاتفه المحمول، وسجل رسالة صوتية لأمه:

“يادي ” يا أمي.. ها أنا في مطار ألمانيا , أشتم رائحة القهوة لكنني لا أستطيع شربها

لكن لا تحزني.. فقد أرسل الله لي ملاكاً أنقذني من ضياع مدخرات عمرك…”

 

المشهد الثاني: رقصة الميزان

أمام شاشة التفتيش، بدا عبد الله كراقص باليه بين صفوف الجنود، يقدم حقيبته ثم تُرد إليه، يتقدم ثم يُدفع للخلف، والموظف الألماني يتكلم بلغة كطنين نحل غاضب لا يفهمه سوى النحل.

 

أخيراً، ظهر الشاب كملَك نزل من شاشة سينمائية ،همس لعبد الله:

“حقيبتك تحمل ماضيًا أثقل من المستقبل”

“أنت تحمل وطنًا كاملاً في حقيبة واحدة..!.”

 

المشهد الثالث: عملية الإنقاذ

بعيداً عن الأعين، أخرج الشاب الملابس كمن ينتزع ذكريات من قلب، وعبد الله يردد:

“هذه لوالدتك… ستلبسها وتشعر بأني لم أنسها”

ضحك الشاب:

“والدتي في برلين… ولن تغضب إذا لم أحمل لها سوى القبلات..!.”

 

المشهد الرابع: في الطائرة

على متن الطائرة، تحول عبد الله إلى مذيع أخبار متحمس، يعلن للركاب:

“هذا البطل أنقذني من دفع مئة يورو!”

“ظننته ألمانياً… لكنه ( كوردي ) ملاكاً..!.”

 

وحين سأله الشاب عن حياته:

“أعمل عند ابن أختي… أو بالأحرى عند ابن الحرام..!.”

“خمس سنوات وأنا أنظف صحون السعادة الأوروبية..!.”

 

المشهد الخامس: المأساة الكوميدية

في الحمام، حبس عبد الله نفسه كحبة في صدفة، يصرخ:

“أخاف أن ينقض الحمام على رأسي من شدة الاهتزاز..!.”

والشاب يطرق الباب:

“يا صديقي… الطائرة لا تهز الحمامات كالغسالات..!.”

 

المشهد السادس: النهاية البطولية

عندما نزلوا، كان في استقبال عبد الله جيش من الحنين:

أقارب، جيران، أطفال، حتى الكلاب بدت سعيدة بعودته..!.

قبل أن يعانق أمه، أشار إلى الشاب:

“هذا أنقذني من المطار… ومن الحمام… ومن نفسي..!.”

 

ظل عبد الله يروي القصة

كأسطورة شعبية حديثة، وفي كل مرة يضيف:

“لو لم يقابلني ذلك الشاب…”

“لكنت لا أزال عالقاً في حمام الطائرة..!.”

 

أما الحقيبة…

فقد تبرع بكل ملابسها واكتشف أن أمه ماتت منذ سنتين، ولم يخبره ابن أخته

لأن الحزن قد يفسد طعم الكباب..!.

“في النهاية ،اكتشف عبد الله أن الأوزان الحقيقية ليست في الحقائب، بل في القلوب

والحكايات التي تثقل كاهلنا ونحن نحاول عبور حدود الحياة.”

 

25/ 11/2025

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبحي دقوري

 

مقدمة

تمثّل قراءة جاك دريدا لمقال والتر بنجامين «مهمّة المترجم» إحدى أكثر اللحظات ثراءً في الفكر المعاصر حول الترجمة، لأنّها تجمع بين اثنين من أهمّ فلاسفة القرن العشرين

— بنجامين: صاحب الرؤية «اللاهوتيّة – الجماليّة» للترجمة؛

— دريدا: صاحب التفكيك والاختلاف واللامتناهي لغويًا.

قراءة دريدا ليست شرحًا لبنجامين، بل حوارًا فلسفيًا معه، حوارًا تُخضع فيه اللغة لأعمق مستويات…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف…

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…

صدر مؤخرًا عن دار نشر شلير – Weşanên Şilêr في روجافاي كردستان، الترجمة الكردية لرواية الكاتبة بيان سلمان «تلك الغيمة الساكنة»، بعنوان «Ew Ewrê Rawestiyayî»، بترجمة كلٍّ من الشاعر محمود بادلي والآنسة بيريفان عيسى.

الرواية التي تستند إلى تجربة شخصية عميقة، توثّق واحدة من أكثر المآسي الإنسانية إيلامًا في تاريخ كردستان العراق، وهي الهجرة المليونية القسرية…