ضرورة الشروع بتكريد الكورد في تركيا

بمناسبة إنعقاد مؤتمر : دهوك جسرٌ للثقافة الكوردية
 
 محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني
 
 لا يخفى على أحد ما حصل لكورد شمال كوردستان ( في تركيا ) من التطهير العرقي والتصفية الثقافية والفكرية المنظمة واغتيال الشخصية  والروح  الكوردية بكل مقوماتها، من لدن تركيا، منذ تأسيس جمهوريتها إلى اليوم.. وكان في مقدمة هذه الأمور منع التحدث باللغة الكوردية أو النبس بها، دع عنك التدريس والتعليم بها، ليس فقط في المدارس الرسمية، بل حتى في حجرات الجوامع أو في محافل المواعظ الدينية.. ودخلَ المنع البيوت والمحلات أو دنيا الغزل بين العشاق أو بين الزوجين في عشهما الحلال منذ الازل.. وأصبحت هذه اللغة من المنكرات، والمتحدثون بها من النكرات ولم تزل.

والمشكلة تكمن في أن تلكم المعوقات القانونية وإفرازاتها وتداعياتها أصبحت إزالتها في غاية الصعوبة، والكل يلاحظ التباطؤ الذي تتميز به عملية التغيير التي يقال انها جارية وما أدراك ما هيَ، بحيث أن تعديل كلمة واحدة في دستور تركيا بحاجة إلى عقود.. ثم أعتقد أن عزلة كورد تركيا عن إخوانهم في جنوب كوردستان وشرقها تضاعفت بسبب  بدعة اللاتينية التي لو أنها كانت قد قصمت ظهر الشخصية التركية مرة، فان الشخصية الكوردية تهشمت وتهمشت بها مرات، بسبب منع اللغة الكوردية على الاطلاق وانقطاع صلة كورد تركيا بالالفباء الكوردية الأصلية التي ظلت متداولة في  جزء مهم  من کوردستان وقدم بها الادباء والكتاب والعلماء الکورد المبدعون آلاف النصوص الخالدة واروع ما لديهم، اضافة الى –  كونها لغة التعامل في مناطق شاسعة من كوردستان، علما ان الکوردية غدت لغة رسمية
 منذ اتفاق-  اذار 1970 بين الثورة الکوردية بقيادة البارزاني –  والحکومة العراقية – .. وبالتالي إنقطعت صلة أهلنا في كوردستان ( تركيا ) بجنوبها وشرقها بسبب تلكم المحنة التاريخية والمؤامرة السياسية الكبرى بشكل شبه نهائي منذ حوالي قرن.
  وأنا هنا لست بصدد الرد على ما يقال ـ حتى عند بعض الكورد جهلا ـ  بان أصل
 الألفباء الكوردية هو اللاتينية التي أعتبرُها ـ وبالقناعة العلمية والواقعية ـ التركة الكمالية أو ( الريح العقيم ) المدمرة لأصالة الثقافة الكوردية، أو على حد تعريف أول قدوة  لي  ـ سابقا ـ في الفكر والفلسفة والإجتماع والصراعات كارل ماركس: الافيون، الذي أنعم به اتاتورك على الكورد بعد قرار القضاء على لغتهم وألوانهم وتراثهم وأغانيهم وملابسهم وشخصيتهم ، بل حتى على أساطيرهم وأضغاث أحلامهم.!
  ولا أريد الخوض في قول أن التلميذ التركي الحاصل علي بكالوريا الثانوية التركية والراغب في الدراسة في احدى الجامعات السويدية مثلا، عليه أن يدخل دورات او كورسات انجليزية اضافية لعدم اعتراف ( دائرة تعادل الشهادات ) بالسويد بانجليزية تركيا برغم اعتماد الاتراك الحروف اللاتينية التي كانت ـ من المفترض وحسب الادعاءات ـ ان يكون الاتراك بفضلها من الفطاحل في الانجليزية، في حين أن انجليزية أثيوبيا الفقيرة المسكينة ـ مثلا ـ معترف بها لدى السويد ولها على انجليزية ولاتينية الاتراك فضل القائم على القاعد، و كذلك العراق.
 ولكن الأهم الآن هو أنه بعد  حدوث التحولات التي لم تتوقف بعد في منطقتنا  وأنها سوف تستمر وخاصة في بلاد الكورد، فان الأمور في شمال كوردستان ( تركيا ) تبدو وكأنها تسير وبتحد وبكل قوة، برغم عدم سماح الحكومة بفتح مدرسة كوردية واحدة أو التكرم على الكورد بدعم مجلة أو صحيفة أو نشرة باللغة الكوردية بدفع ليرة يتيمة من خزينة الدولة.! ونحن نعلم بأن كل أمر مهم يتعلق بأمة، إن لم يدخل في اطار المؤسساتية الحكومية المكلفة بالتمويل والتخطيط  والتنفيذ والاشراف، فانه لن يتحقق
 منه ما هو مرجو من قبل الشعب.
 ولعل من المهم القول ان ثمة ـ وفيما يخص إنهيار اللهجة الشمالية وقوقعتها وعزلتها وتوقفها عن النمو وبالتالي مغادرتها شمال كوردستان ـ أوجه شبه كثيرة بين كوردية كورد تركيا و عربية الشعب الجزائري الذي لم يزل يعاني الصعوبات في الفهم والإفهام.
 في وقت كانت لهجة الجنوب الرسمية ( أو التي سميت عندئذ ـ لا الآن ـ بالسورانية ) تشهد ازدهارا منقطع النظير سنة بعد اخرى في كل المجالات وخاصة بعد تاسيس المجمع العلمي الكوردي عام 1970، وكأنه كان هناك كتاب مقدسْ تولى حفظ الكوردية من الصدأ والاهتزاز والانقراض والنفسْ.
 كما ذكرت آنفا فان وضع الكورد في تركيا ـ وبرغم عدم توفر الدعم الرسمي له مطلقا ـ في طريقه الى التغيير بسبب الوضع العالمي وليس بفضل انسانية وعدالة حكومتها..
 وهنالك في الضفة الكردستانية الفيدرالية آمال في طريقها إلى الإنجاز والتحقيق وعلى أرض الواقع، إضافة للتقدم الهائل بالمقارنة مع الأجزاء الأخرى من الوطن، وكذلك إقبال الطلبة الكورد على الدراسة في مدارسها وجامعاتها.
  لذا، فانني أعتقد ـ كما قلت في المقالة السابقة ـ أن الفرصة مواتية للعمل على إستيعاب هؤلاء الطلبة وتنشأتهم ـ على هدي خطة منهجية منظمة  بالإستفادة من التجربة الجزائرية بعد رحيل الاحتلال ـ لتأهليهم حتى يكونوا بمثابة الكوكبة الأولى التي سوف تتحمل مسؤولية تكريد اهلهم من كورد تركيا وذلك باشاعة وتطبيق اللغة الرسمية المعمول بها في جنوب كوردستان بما في ذلك الالفباء الكوردية الأصيلة  و ليست الالفباء اللاتينية الکمال- الاتاتورک – المزورة والغريبة والبعيدة بعد المشرقين حتى عن اخواننا الأتراك. وان لا يصبح حال هؤلاء كحال اهلنا الكورد اللاجئين في مجمع مخمور حيث أهملوا بعد أن إنعزلوا، وغدوا كأنهم يعيشون في كل الدنيا عدا كوردستان، وأكاد أجزم بأن فهمهم للتركية ـ وهم في قلب كوردستان ـ أفضل من فهمهم للغة الكوردية الفصحى.!
  عند ذاك يمكننا أن نتنفس الصعداء ولا نخشى أي تصدع مستقبلي متوقع ـ بكل تاكيد ـ في جسد لغتنا الجميلة, وننادي باعلى صوتنا في تركيا قائلين : لقد عدنا بأصالتنا وخصائصنا وشخصيتنا الكوردستانية الجديدة.. نحن بألفباءنا ولغتنا الرسمية المعتمدة في جنوب وطننا، وأنتم بألفباءكم ولغتكم.!
 ما أظن أن هذه البادرة صعبة المنال من قبل حكومة كوردستان، ان كان هناك همة، مع وضع سقف زمني للارتقاء بالامة.
 
 mohsinjwamir@hotmail.com 
 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…