إلى عامودا الملتهبة بحرائقها ( قلب المدائن ) …أيتها الشامخة كشموخ الطود عامودة , على الرغم من انصهارك في أتون المحن و المصائب وعلى الرغم من حزنك الأبدي , وجحيم مآسيك السرمدية , وعلى الرغم من حرائقك المتأججة باقية أنت تستنشقين رائحة بيوتك الطينية، والقطرات المنهمرة من أسقفك في الشتاءات القاسية ، مازالت تروي لأجيالها القادمة حكايات الماضي,عن غارات الفرنجة مع قهقهات سكارى فاحت روائح سكرهم المنتشرة إلى إحدى قراها (تل حبش ), والتي لم يسلم منها أحد سوى فرداً مر بجراحه صارخا تعدى بحبوه حدود الألم ، بلوغا إلى ما بعد أسوار ماردين ,حتى انتهى مع قدره المحتوم تحت رحم مشاهدات مشبعة بالأنانية ، انحنت بهيئتها النتنة. ليشاهد الجريح بأم عينيه كيف يهتز في عنقه سلساله الفضي .؟!
كري شرمولى :
الذاكرة الحاضرة وهي الشاهدة الوحيدة على تاريخ عامودة من ترابها شيدت البيوت آوت الفقراء والمساكين , بالرغم من الحفر والفجوات في جسدها تحكي قصصاً وحكايات الأمهات لأولادها : آه كم تألمت لمعاول ( أوسي هري ) الحادة التي كان يغرزها في صدري وخاصرتي .
عامودة .. الصور والمشاهدات :
(– حيندرو – إسماعيلو – منجولة – هوار- بشير قلعو- شربلو ) والمارد الذي غاب نهائيا عن المشهد مع أسراره في خيمة ( كونكي عزو), و بطل عامودة الذي تحدى الزمن (حسين بيرتي )( صورو ) الذي كان يحمل على ظهره ثلاثة أكياس من الحبوب , وعليكي (مجبر الكسور) ربما وحده سيداري عنها الانكسارات. الذاكرة المجبولة بطين الحزن والألم والفقد . القتلى الذين يأخذهم القدر سهوا على بيادر المقابر كانوا ورودا ذات يوما 🙁 عدنان – مصطفى – أحمد .) وفي اتجاه آخر ( ايلو – شيخي طوبي – نك تابالو – شش تلي) و(شيخكو) بائع ( عيران ) في مختلف حاراة المدينة.
كولا عنتر :
إحدى مرابع ملتقى العشاق , نوالا زراعي , حمدوني المسلوبة المتناثرة مع أجزائها كانت ذات يوم روحاً و جسداً هنا وهناك نهبت وسرقت دموع فرحتها إلى ما وراء الظلال والأسلاك الشائكة تتأملنا من بعيد , رغبة بالعودة لحضن أمها الدافئة عامودة .
كري عامودي:
المتمردة حتى الآن , وجفاف ( جمي داري ) الذي كان يجري في وسط مدينة عامودة ذات يوم مضى فسموه بعد جفافه بنهر الخنزير.
سوق الهال : ( العرصة)
في سوق الهال عربات خشبية تجرها الأحصنة الشبقية متأوية تنتظر من يحمًلها خاصة (امينو) صاحب العربة لنقل الحنطة والشعير إلى طاحونة أش علاوي و عامودا وآخرين في السوق : (ملا حسين خليل) خياط الأكياس الفارغة , و صوفي ( محمد عيشاني ) لبيع الألبسة المستعملة, إلى جواره ( رفاعي كرمي ) ,و( حج احمد كرمي) , ( محمد عبدي كرمي) و( عبد الفتاح عوجي وأمين عوجي ) هؤلاء تجار : الحبوب بالكمسيون .
سوق الخضرة :
إذا صح لنا التعبير ان نسميه سوبر ماركت : لأنها تعج بالمارة المشتريين لان كل ما تتمناه تجده فيها ، وخاصة في صباحاتها الباكرة ,و في ذلك الزحام الكثيف من المارة : ما أجمل وألذ المشبكك( طيب ونيب ) يا معلم (مصطفى طاؤؤس) بالرغم من مضي وقت طويل إلا أننا مازلنا نتلذذ بطعمه حتى بعد هجرك الأبدي للعمل . وما الذ سندويشات كباب ( جتا)
سوق الفاتورة :
السوق المتميز عن غيرها من الأسواق في عامودة وخاصة بحوانيتها المتنوعة ، المتراصة واحدة تلو الأخرى على جوانب الشارع المكتظ بالسكان, والمارة بل أكثرهم من زائري المدينة . حيث يخيط ( ميرحاج) سراويل أبائنا ومات باكرا بسره .
سوق الملح :
سميت بسوق الملح لكثرة وجود بائعي الملح فيها خاصة ( ملا سراج هساري ) رحمه الله إلا متجرين وحيدين يتسمان بالخصوصية تميزانهم عن غيرهما الا وهما المتجر الاسكافي ( بابوش ) الذي رقع ودرز نعال و صبابيط أكثر مواطني المدينة ,قليلا ما كان يخرج من دكانته زبون إلا واكتسب منه حكمة أو نكتة أو سخريةً…؟ والمتجر الثاني لـ ( قاسمو) الذي حف الكثير من سكاكين المواطنين وخاصة لفقرائها ويتماها .
علي بك :
ألبيك وهو( علي بك ) الذي قدم من كردستان تركيا ينظر إلى هذا الكرنفال العامودي من أمام دكانته التي تقع في وسط العرصة بألم وحسرة متذكرا أيام المنازلات واصطياد الغزلان على جبل أومريان
عامودة… و مقاهيها الثلاث :
مقهى ( بوس كنيس) خالد بن الوليد الذي كان يأوي إليها من الشوعيين ( شريف مجدو- ورشيد كرد ) .
والثانية: (مقهى داري) –( الحرية ) كان يأوي إليها فئة من المثقفين. أما الثالثة فهي كانت: (مقهى جوزي) لصاحبه ( أبو نعوم ) مرابع الارستقراطيين والبرجوازيين الأغوات والبكوات .
خالد ابن الوليد ( الشارع الفرعي في عامودة ) :
في شارع البلدية تحس بلوعة هادئة خلال المشاهد الجميلة حين السير فيها اوالنظر إليها : مقهى جوزي – اجنطة (متى خاجو )– (سوكو سوكو) بائع الدخان الوطني بكشكه الخشبي ,وحانات جان قواص ,بحدي كبك , جان كوًرو مدفونة – سمانة (عبدي هارون) . ونادي البلياردو لصاحبه تاجو حيث يتسكع عندها المتسكعون والزعران .
الحلواني : مقصودو .
بالرغم من هذا الغياب الطويل الا أننا لازلنا نتذوق بوظاك المدورة الملازمة بمناداتك المتكررة في اذقة المدينة : (بارد نبيل صانع جميل صوفي خليل) .جرجس رحمه الله مالك فرن (اعتماد) وخبازه الماهر( دكو) والذي أصبح فيما بعد بـ (دكران), مازلنا نشم رائحة خبزه الفواح حين انتهاءه من عمله كان يتجه إلى نوله ليحيك السجاد وخمارة حنا هيلون الكلاسيكية – وتاجر الجملة جورينا – الخياط ( سعيد احو) إلى جانب عمله كان يدرس مادة الرسم , ربما وحده يستطيع رسم مدينة عامودة بكلّ نبراتها الحزينة هذه…
عامودة… الجوامع و المنارات :
مناراتك الشامخة والمضيئة في مساءات عامودية لا توصف أبدا إلا للذي يتأملها عن قرب كـ منارة :
الجامع الكبير للعلامة ملا (عبد اللطيف سيدا) – منارة جامع الأحناف ملا عبد الحليم وأخيرا منارة جامع النصر عبد القادر قبلاتي .
موزان ( مملكة اوركيش) :
هي شرقي عامودة وعلى مسافة سبعة كيلومترات ( كري موزا – اوركيش مملكة الحوريين ( مدينة العشق ) المدينة الثانية بعد (وأشو كاني) التي ألهبت قلوب الباحثين ) اما في شمالها الحزين : السكة الحديدية كحزام حديدي ملتف حول خاصرة كري عامودة (عامودة القديمة ) والتي أصبحت (كري كمالية) فيما بعد رغبة للطورانيين .
محمد سعيد اغا الدقوري : ( أب الشهداء )
البطل الذي خيّب مآرب الفرنسيين في قمع مدينته, ورماد سينما شهرزاد : لأننا في أعماقنا مازلنا أرباب المقابر وعلى الرغم من جغرافيتنا الصغيرة لكننا نحتضن شواهد مقابر جماعية استشهدوا لأجل الحرية وضحايا ثورة الخرائط والتي باتت لهم في غياهب الذاكرة أمكنة واسعة في الإنسانية.
عامودة الحزانى :
المدينة التي لازالت تنتظر إجابات ( احمد بن بلة ) الرئيس الجزائري السابق والذي سأله ( شيخموس شويش) في الماضي عن الحريق الكبير في سينما (شهرزاد) , وأيضا عن الوفد العائد من “الجمهورية المتحدة “ الذي بقي في صمته .وهل مازال تمثالها المنحوت بأنامل (محمود جلال) والممزوجة بعرقه, منصوبا في ساحة سينما (شهرزاد) , ودخانها التي أصبحت غيمة حزن في قلوب الأمهات.
مقبرة الشهداء :
مقبرة عامودة التي تجانب مقبرة أخرى لإخواننا المسحيين ، وهذا دليل حي على التعايش والتسامح والتآلف بين الأديان في الحياة والموت وهي مساحة ارض واحدة مقسمة بين طرفين, وضرائحها المكفنة بلون البياض جُمِلت المقبرة كلها، كتبت على شواهدها : (كانوا في ريعان الشباب)
ورغم بسط فسحاتها الخصبة متحدية كلّ العواصف والأعاصير..
ورغم تعفن البذرة في خصوبة التربة. تنبثق منها مواكب الحياة في رحلة النكران.. القاهرة للتحديات في زمن العطاءات الخالدة للوجود في مسيرة البقاء أرى بوضوح مستقبلك الآتي مشتعلا ينير ربا هذا الكون.
كبيرة..وهائلة أنتِ يا عامودة..! كأنك القدر الآتي من غياهب الغيب يقهر في سمائنا سحابة الظلمة المعششة في مكائن النفوس الضعيفة.
كبيرة.. وهائلة أنتِ يا عامودة..! بشعرك وشعرائك بفنك وفنانيك بأدبك وأدبائك . فإليك يا عامودة وقد غنى لكِ : عبد الرزاق جروه ,إسماعيل جناتي , رفعت داري, بافي جميلة, سليمان رشي , طاهرو, داود عدواني , أكرم درويش , عبد القادر رمضان , جميل مجدو -وعازف الجمبش الذي بقي يقلد الفنان أرام ديكران حتى مماته – وعازف الجمبش الرائع محمود حميد– و المغني الشعبي إبراهيم أوسي (بافي دلو ) أعذب المواويل وأجمل الأغاني بحناجرهم زينوا لياليك شموعا, وقناديلا :
عامودي وا بداره فهيمة
شوقو لته شفيقة.
عيشانة علي لي وأي
ليه ليه وسو وسيلاني
عامودا شوتي
عامودة… القصائد والمواويل :
وكتب من أجلك , قصائد رائعة وكلمات لن ينساها الزمن : (بافي نازي , جميل داري , دحام عبد الفتاح ,محمد بكرو , دلاوري زنكي – احمد الحسيني , محمد عبدو نجاري ,وعبد الباسط سيدا . حليم يوسف و نذير ملا وإسماعيل كوسة و حميد عثمان) حيث قال الأخير في عامودا وسينماها المحروقة في قصيدته المقطع التالي : ( السعير)
سأركب رأسي واستنطق الرماد
رماد عامودا
شجر وبشر
عطور وروائح
حكايا لا تندمل
المشهد كيف بدأ المشهد
فصل آخر من الحريق
شاءت أصابع معلومة
أن تعبث بنيران حقدها الدفين
التهمت وطنا
وحين لم تشبع
بحثت عن فريسة جديدة
عامودا عروس الحرائق
ماذا بقي غير الرماد ليفترسوه
( الشاعر والحداد )… صباح قاسم
الذي قال عنه إسماعيل كوسة 🙁 لا يفل الحديد إلا القصائد) كأنك آت من أغوارالتاريخ (الموز وبتامي) ما أجمل قبعتك آه .. لو لوتعتني بكلماتك أكثر, وتهتم بفضاءات القصيدة ولحظة انفجارها لكنت شاعرا شبيها( بإليوت أوعزرا باوند ).
إسماعيل كوسة..شاعر المتاهة والأسئلة
قلت في مجموعتك الشعرية ( حديقة واسعة للتعب ) أكثر من مرة : من سيداري عنا هزائمنا بعد هذا الغياب من سيقدم الورود والقرنفلات لحبيباتنا الطائشات في الظلام الواضح ( الغامض المعاكسة المرايا ).
العامودي التائه .. نزير ملا نواف
من الذي يستطيع ان يترجم قصائدك الرائعة إلى العربية وأيضا قلت ذات يوم وفي حديث جانبي: آه.. لوعاد مغتربوا عامودة كلهم دفعة واحدة : لانجرفت المدينة أمام دموعهم , والفنان التشكيلي سونداي والشاعرتان الرقيقتان العاموديتان ماجدة داري و شيرين كيلو.
بيوار إبراهيم في قصيدة لها عن عامودة :
إنها عامودة, مملكة الشقاء الأزلي والحرائق المشتعلة أبداً,المدينة التي لا تنتمي إلى سلالة الصمت و الهدوء , عامودة التي أرهقتني وترهقني بحرائقها و تبعث لي أبناء القصائد والمواويل عبر الرياح والعواصف , تتهمني بلامبالاتي نحوها دون أن تدرك الغرق الأسود الذي أغوص فيه بين أمواج دخانها اللازوردي الممتع.
يقول احد الشعراء الكرد :
إنها عامودة إذن , عامودة .. الحرائق والمتاهات , عامودا الذاكرة المغتصبة على مرساة شجرة ذابلة في هذا الحنين , كأن القدر أراد لها هذه المذبحة ( الكربلائية) ..ثم إذا أردت الدخول إلى ذاكرتها تشتتك بقسوة براريها وأشجارها الزيزفونية وورق عنّابها ,ضحكات أطفالها ألشاحبي الوجوه , هي إذاً الحرائق المؤلمة تحت أصابعي الخجولة ..!
وهذه هي عامودة معروفة لدن كلّ مهتم بالثقافة والفكر،إنها قدمت الكثير بسخاء دون مقابل أو حساب وكذلك هي مهتمة بضيوفها من المثقفين ورواد الفكر والأدب ، ربما تترك فيهم انطباعات وتأثيرات قد لا تنسى حتى سنين عديدة ، ومن هنا تأتي أهميتها الثقافية .
عامودة قوافل الأدباء..!!
لقد مرعلى أرضك الطاهرة ( اوصمان صبري- جكرخوين ـ سليم بركات ـ بافي نازي – نور الدين زازا – احمد نافذ – رشيد كرد- قدري جميل باشا و اكرم جميل باشا , تيريز والفنان ( فقيه طيران نظام الدين ارج) والشاعرة , ديا جوان, بيوار إبراهيم و أوسي حرسان مراسل مجلة (هاوار) الكردية لصاحبها جلادت بدرخان ) .
القافلة العربستانية ( 1967)
مازال الأهالي يبحثون عن بقايا ذاكرتهم المتناثرة مع تلك القافلة التي سارت في وسط عامودا والتي أذهلت في حينها رؤى مواطنيها من المشاهد والصور لربما كانوا( عربستان ) 1967 .
دواوين تحكي قصص عامودة .
وقد صدرت فيها حتّى الآن ما يعادل (100) كتاب مابين شعر وقصة ورواية ودراسة فكرية وثقافية .
عامودة الكنائس والأديرة :
كانت لكنائسك ونواقيسها , وقعها الجميل على آذاننا, بالرغم من توقفها الصامت والحزين منذ آمد غائر إلا إنها مازالت تدَوي صدى دقاتها جوارح المدينة بكامل مساحتها الإنسانية.
كنيسة مار إيليا للسريان الارذدوكس – كنيسة مار افرم للسريان كاثوليك- كنيسة بروتستانت
عامودة… والزيارة التاريخية .
هل ينسى احد مجيء الزعيم شكري القوتلي والذي حل ضيفاً على البرلماني العامودي ( سعيد اسحق ) بعامودا وذاك الشبل الصغير الذي فاجئ الجميع أمام مبنى البلدية بصرخته، والذي غطّى المكان كله : نطالبكم بالكهرباء لمدينتا عامودة يا سيادة الرئيس… كان هو الدكتور (محمد بكرو ).
عامودة الوجوه و المتاهات ….
ومن لا يتذكر ( نيشان) صانع العربات ذات الدواليب الأربعة الخشبية التي كانت تجرها بغال و( بأمين) و(سلو شالوري) بائعين متجولين في قرى عامودا . وصالح كويتي( القهوجي) الذي كان يضيف زوار عامودة بالقهوة المرة وخاصة في مدخل المدينة شرقا( جانو ) ذاك الحارس المشهور لفريق الحرس القومي الارمني , وايضا ستراك وعليكي آلوجي، يحًمل على ظهر بغله من البضاعة ما يقارب سعة دكان بكامله وينادي بأعلى صوت ما لديه: ( حنة-هباري – فلفل اسود- فلفل احمر- مسلات) والدكتورالعنتابي لولا خبرته ومعرفته لإنقاذ المرضى الهالكين لما كان المسرحي داريوس حياً يرزق الآن .وجنكور – بائع متجول في أرياف ومختص بخصي الأحصنة والخيول . وأيضا ( راعي الأبقار على ضفافك ومراعيك , خليلي كافانو,, ونواعيرك في ( أش علاوي) وبقاياها المتناثرة حتى الآن .؟!
لم تكوني يوما ظلا للخيالة والدرك كما يقول الشاعر( روفائيل البرتي ) ( أنت في وحدتك بلدُ مزدحم ) هاكِِ نرجسَا من قلبي أيتها الجميلة الرائعة عامودة .