قبل الدخول في الموضوع أحب أن أشير إلى أن التصدي لهكذا موضوع يجب أن يسبقه الكثير من التأني والاكتراث، نظراً لما قد يخلقه من حساسيات نحن الكورد بغنى عنها اليوم، حيث يتطلب منا كسياسيين ومثقفين وأكاديميين التركيز على نقاط الالتقاء وتعميق الوشائج التي تجمعنا وتزيد من لحمتنا، ووضع استراتيجيات بعيدة المدى، لأننا أمام استحقاقات وتحديات كبيرة يتطلب منا التصدي لها، لا اشغال أنفسنا بأمور ومواضيع هي موضع اجتهاد وخلاف، قد تزيد من تباعدنا. وعليه لم أكن أرغب كثيراً أن أرد على الزميل م. جوامير لأنني ببساطة لست بأكاديمي و بمختص في علم اللغات ولهجاتها، ولست متطلعاً بما فيه الكفاية على تجارب الأمم والدول التي تتداول أكثر من لغة ولهجة، وكيفية حلها لمشاكلها اللغوية – إن وجدت – للاستفادة من تجاربها. لكن سببين دفعاني للرد، الأول: الأفكار الغريبة التي جاءت في مقالته كما نوهت إليه أعلاه، وخاصة عنوان المقالة، والثاني: هو أن الكثير من الكتاب والأدباء الكورد لزموا الصمت لأسباب نجهلها، خاصة المختصون منهم في علوم اللغات والمطلعون على التجارب الناجحة للشعـوب في هذا الصدد.
لنبدأ من العنوان: ” ضرورة الشروع بتكريد كورد تركيا ” ماذا يمكن أن نفهم من هذا العنوان الذي بلا أدنى شك يهين كورد شمال كوردستان؛ إنهم نسوا أصلهم الحقيقي وبالتالي يجب على حكومة جنوبي كوردستان افهامهم بأنهم كورد، وعليهم الرجوع إلى أصولهم، والمعيار في نظر كاتبنا هو أنهم نسوا ( لغتهم الأصلية ) التي هي في نظره اللهجة الكرمانجية الجنوبية حصراً، أو المعروفة بين الكورد بالسورانية. هل حقاً لا يرى الكورد في هذا الجزء في أنفسهم كورداً، بما فيهم الذين نسوا لغتهم ويتكلمون التركية؟ هل من الحكمة والواقعية نشر مقالات بعناوين ومضامين استفززاية ومهينة؟ ماذا لو عرف كورد الشمال العربية وقرأوا مثل هذه المقالات؟ أعتقد جازماً أن النتائج لن تكون كما يبتغيها زميلنا. لأن واقع الحال يقول عكس ذلك، وإلا فبماذا يمكننا أن نفسر التجمعات والمظاهرات التي يقوم بها كورد الشمال، وبمئات الآلاف – سواء داخل كوردستان أو تركيا أو في أوربا؟ من أجل مَنْ، قدم ويقدم كورد الشمال مئات الآلاف من الشهداء والضحايا على الأقل منذ ما يزيد على ثمانين عاماً، ولاسيما في العشرين السنة الأخيرة؟ أليس من أجل الكردايتي وكوردستان؟ أعتقد جازماً يا زميلي بأنك لم توفق في عنوان المقالة.
يستهل م. جوامير مقالته بعرض ما تعرض له كورد شمالي كوردستان على أيدي النظم التركية المتوالية، منذ تأسيس جمهوريتها الكمالية وحتى اليوم، بما فيها منع التحدث باللغة الأم. وبالمناسبة لم نفهم لماذا تطرق الكاتب إلى كورد الشمال فقط، ألا يدري زميلنا بأن كورد غربي كوردستان الذين يزيد تعدادهم على مليونين و نصف المليون نسمة، وأكثر من مليوني كورد الشرق في منطقة شكاكا وأكراد خراسان بالاضافة إلى كورد الاتحاد السوفيتي السابق ولبنان وغيرهم يتكلمون بهذه اللهجة ويدونون نتاجاتهم بها!!؟ علاوة على ذلك فإن كاتبنا لا يفرق بين اللهجات واللغات، فهو يعتبر الكرمانجية الشمالية لهجة في طريقها إلى الإنقراض، و يرى في الكرمانجية الجنوبية اللغة الكوردية الأصلية، علماً أن كلنا نعرف أن للغة الكوردية، كغيرها من اللغات، عدة لهجات، وأن الكرمانجية الشمالية والجنوبية هما الرئسيتان، بالاضافة إلى الدملية ( الزازا ) وغيرها. هل ينم مثل هذا الكلام عن جهل لحالة لغوية في اطار خصوصية قومية كما أشار إليها زميلنا حليم يوسف؟ أم أنه يتجاهل ذلك عن معرفة؟ وكوني أهتم بتوزيع الكتب الكوردية سأسرد لكم حادثتين جرتا معي، الأولى: في العام 1999 حينما حضرت حفلة نوروز في مدينة بون الألمانية وعرضت الكتب، كان نصيب الكتب الكوردية المكتوبة بالألفباء اللاتينية طاولتين والعربية طاولة واحدة وأربعة كتب بالكرمانجية الجنوبية، فجاء شخصان، وكانا من جنوبي كوردستان، كلاهما جامعيان وشخصيتان سياسيتان، جال الرجلان بنظريهما حول الكتب المنضوضة على الطاولات أكثر من مرة، ثم سألاني سؤالاً غريباً كما بدا لي: ألا توزع كتباً باللغة الكوردية أيضاً؟. فقلت لهما: هذه الكتب أمامكما على هاتين الطاولتين كلها باللغة الكوردية. فردا عليّ سويةً: هذه ليست كتب باللغة كوردية. عندها أدركت أنهما يجهلان، أو يتجاهلان وجود أبجدية لاتينية يكتب بها كورد شمال وغرب كوردستان بالاضافة إلى قسم، ولو ضيئل، من كورد الجنوب والشرق وحتى كورد السوفيت السابق. فمسكت يديهما وأخذتهما إلى أربعة الكتب التي أشرت إليهما آنفاً، فتنفسا الصعداء وقالا بلهفة مَنْ أضاع شيئاً ثميناً، ثم وجده فجأة ً: هه، هذه كتب باللغة الكوردية.
والحادثة الثانية جرت معي في العام 2002 حيث حضرت كونفرانساً كان قد نظمه المؤتمر الوطني الكوردستاني الذي يقوده د. جواد ملا، ومحاضرة ألقاها في الكونفرانس الدكتور جمال نبز، حيث تم توزيع كليشة تعارُفٍ علينا لكي يكتب كل واحد منا اسمه عليها ويعلقها في صدره. كان عضوان مسؤولان من المؤتمر عند المدخل يستقبلان الضيوف والأعضاء، عندما هممت بالدخول إلى القاعة قال لي مستقبلي: كاكا من فضلك اكتب إسمك بالكوردية على الكليشة، فقلت: وهو كذلك. فرد الرجل قائلا ً: هذه لغة لاتينية وليست كوردية؟ قلت له هذه كوردية مكتوبة بالألفباء اللاتينية، ألا تعرف أن كورد شمال وغرب كوردستان يستعملون هذه الألفباء؟ فصمت و لم يُزد.
لنعد إلى كاتبنا الذي يتابع مقالته بالقول: ” …. ثم اعتقد أن عزلة كورد تركيا عن إخوانهم في جنوب كوردستان وشرقها تضاعفت بسبب بدعة اللاتينية التي لو أنها كادت قد قصمت ظهر الشخصية التركية مرة، فان الشخصية الكوردية تهمشت وتهمشت بها مرات، بسبب منع اللغة الكوردية على الاطلاق وانقطاع صلة كورد تركيا بالألفباء الكوردية الأصلية التي ظلت متداولة في جزء مهم من كوردستان وقدم بها الأدباء والكتاب والعلماء الكورد المبدعون آلاف النصوص الخالدة وأروع ما لديهم، إضافة إلى – كونها لغة التعامل في مناطق شاسعة من كوردستان، علماً أن الكوردية غدت لغة رسمية منذ اتفاق آذار 1970 بين الثورة الكوردية بقيادة البارزاني – والحكومة العراقية – .. وبالتالي انقطعت صلة أهلنا في كوردستان ( تركيا ) بجنوبها وشرقها بسبب تلكم المحنة التاريخية والمؤامرة السياسية الكبرى بشكل شبه نهائي منذ حوالي القرن.”.
كما تلاحظون أعلاه فإن م. جوامير يرجع أسباب عزل كورد الشمال عن إخوانهم في الجنوب والشرق إلى: ” بدعة اللاتينية ” ويعتبر الألفباء العربية التي فرضت على كورد الجنوب بقرار سياسي بداية عشرينات القرن الماضي، أي أيام تأسيس الدولة العراقية يعتبرها: الألفباء الكوردية الأصلية. هنا يحق لنا أن نتساءل: أولم يدون علي حريري، وأحمد ملا باته، وبرتو بك هكاري، وأمير شعراء الكورد أحمد خاني ملحمته الشعرية ” مم و زين ” الذائعة الصيت، والتي قال فيها الأكاديمي يوسف أوربيلي: (( عندما نتحدث عـن قرب الشاعر والكاتب من الشعب و ارتباطه بالجماهير، فان علينا أن نذكر تلقائياً ثلاثة شعراء من الشرق، هم: فردوسي الإيراني، وروستافيللي الجورجي وأحمد خاني الكردي )). وفقي تيران والجزيري وغيرهم الكثيرين كتبوا إبداعاتهم بالكرمانجية الشمالية؟ أولم يدون جكرخون الذي أجج الشعور القومي لدى الكورد أينما كانوا على وجه البسيطة والذي اشتهر في كل أرجاء كوردستان على مدى أكثر من ستين عاماً، هي عمره الفني و السياسي، من القرن الماضي، وكذلك قدري جان وعثمان صبري وغيرهم، أشعارهم ونتاجاتهم بالكرمانجية الشمالية، وبالأبجدية اللاتينية التي تعتبرها جهلاً ” بدعة ” كمالية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تمتنع شركات التوزيع التركية عن توزيع الجريدة اليومية الكوردية اللاتينية في شمال كوردستان ” آزاديا ولات ” وفي كثير من المرات تصادر الكتب الكوردية، مثلما صادرت و أحرقت الطبعة الأولى من مم و زين المكتوبة بالألفباء اللاتينية عام 1968 علماً انها كانت مرفقة بترجمة إلى اللغة التركية، و كان مترجمها الكاتب المعروف محمد بوز أرسلان قد حذف منها كل بيت يشير إلى عنجهية الأتراك؟؟ أم أنك لا تعتبر هؤلاء أدباءً وكتاباً كورداً؟ ألا يعتبر كتاب ” مم و زين ” أحمد خاني أروع نص شعري وفلسفي وفكري كتب منذ أكثر من ثلاثمائة سنة وحتى تاريخنا هذا؟ ثم بالله عليك وأنت مسلم متدين، أيهما تـُتداول في القسم الأكبر من مناطق كوردستان، الكوردية الجنوبية أم الكورية الشمالية؟ لماذا هذا التجني الفاضخ على الحقائق؟. ولماذا تعتبر وجود اللاتينية: “… محنة تاريخية ومؤامرة سياسية كبرى …”؟. احتلال كوردستان وتقسيم وتمزيق شعبها وأرضها من قبل الأنظمة العربية وتركيا وإيران هي المحنة التاريخية ومؤامرة سياسية كبرى أم وجود لهجتين كرديتين أو أكثر بين الكورد؟؟. لا أريد أن اقنع نفسي بأن مقالتيك الأخيرتين بهذا الخصوص ناتجة عن حقد دفين من قبلك والذين يشاطرونك هذا الرأي على الكرمانجية الشمالية والأبجدية اللاتينية، بل سأعتبر ما نشرته تسرعاً وجهلاً بالكرمانجية واللاتينية. ولطالما نشرت مقالتك الأخيرة – موضوع النقاش – بمناسبة مهرجان: دهوك جسر للثقافة الكوردية فأحب أن أذكر زملينا الفاضل بأن كلمة رئيس حكومة كوردستان الأخ نيجيرفان البارزاني بالكرمانجية الشمالية كانت رسالة واضحة له ولغيره، عسى أن يتعظوا منها.
نعم! بموجب اتفاقية آذار المجيدة غدت اللهجة الكرمانجية الجنوبية رسمية في جنوبي كوردستان ولا ضير في ذلك، لكن لم تنقطع صلة أهلنا في الشمال والغرب ولا كورد الشتات بالجنوب، وإذا كان ثمة معوقات تحول دون التواصل الإداري والسياسي و… فالتواصل الثقافي و المعنوي و كذلك المشاعر لم ينقطع يوماً، و تلك المعوقات ليست، كما تعلم، من صنع الكورد، بل هي من صنع أعداء الأمة الكوردية، وليست اللهجة أو استعمال الأحرف اللاتينية هي السبب الرئيسي، مع إقرارنا بأن وجود اللهجتين، وبنوعين مختلفين من الأحرف يشكل عرقلة وصعوبة في التواصل و في الاطلاع السريع المرجو على النتاجات الأدبية والفكرية وغيرها. ومع ذلك أولم يكن لكورد الشمال والغرب حضور سياسي ومعنوي في جمهورية كوردستان الديمقراطية عام 1946؟ أولم يكن لكورد الشمال وغربه حضور سياسي ومشاركة بشرية ومادية في الثورة التي قادها البرزاني الخالد؟ وفيما بعد ثورة كولان؟ بماذا نفسر وجود المئات، إن لم نقـل الآلاف من كورد الشرق والجنوب خاصة، ناهيك عن كورد الغرب في صفوف حزب العمال الكردستاني؟.
ويتابع م. جوامير قائلاً: ” وأنا هنا لست بصدد الرد على ما يقال – حتى عند بعض الكورد جهلاً – بأن أصل الألفباء الكوردية هو اللاتينية التي اعتبرها – وبالقناعة العلمية والواقعية – التركة الكمالية أو ( الريح العقيم ) المدمرة لأصالة الثقافة الكوردية، …. الأفيون، الذي أنعم به أتاتورك على الكورد بعد قرار القضاء على لغتهم وألوانهم وتراثهم وأغانيهم وملابسهم وشخصيتهم، بل حتى على أساطيرهم واضعاف أحلامهم.! “.
يبدو لي أن كاتبنا لا يعرف كيف ومَن الذي وضع الألفباء الكوردية اللاتينية، أو أنه يتجاهل ذلك عمداً. في كلتا الحالتين سنوضح له بأن الأمير جلادت عالي بدرخان سليل العائلة البدرخانية الكوردية المعروفة، عندما كان مشرداً في دمشق هو والكثير من أفراد عائلة بدرخان هرباً من بطش الترك والكمالية، قد بدأ في العام 1919 بإعداد ألفباء كوردية لاتينية، أي قبل أن يستخدم الترك والكماليون هذه الأحرف بخمس سنين، مستفيداً من خبرته، حيث كان يتقن 7 – 8 لغات، منها: الفرنسية والألمانية والفارسية والعربية والتركية والكوردية و…. وللعلم فإنه وفي سنة 1927 يصادف أن يمر من دمشق إلى جنوب كوردستان العلامة توفيق وهبي ويلتقي بجلادت بدرخان ويعلمه بأنه هو الآخر قد أعد ألفباء كوردية تختلف في جزء منها عن التي أعدها جلادت، ولضيق الوقت يتفق الإثنان على أن يلتقوا ثانية لوضع أبجدية كوردية موحدة لكل الكورد، فيؤجل جلادت نشر نسخته، لكن الظروف لم تسعف توفيق وهبي فلم يتمكن من الالتقاء ثانية بجلادت بدرخان، الذي ينتظره مدة خمس سنوات لكن دون جدوى، حينها يضطر جلادت إلى إصدار نسخته مع إصدار العدد الأول من مجلته: ” هـاوار ” في 15/5/1932. وكل الملمين بعلم اللغات وباللغة التركية والكوردية اللاتينية يدركون مدى البون الشاسع بين كلتيهما، وإن كانت اللاتينية أساس اللغتين، شأنها في ذلك شأن اللغات الانكليزية والألمانية والفرنسية و…. وعليه، من حقنا أن نتسائل: مَن هو الجاهل بأمور لغته ولهجاتها يا ترى؟. وبحسب قناعة م. جوامير و علميته و واقعيته يجب أن ننعت جلادت بدرخان بالتآمر، لا بل نخوٍّنه ونشكل له محكمة غيابية كونه متـَّهمٌ بالتآمر و إصدار الألفباء اللاتينية التي دمرت أصالة الثقافة الكوردية حسب ما يدعيه م. جوامير!!.
وفي مكان آخر يدخل زميلنا نفسه في تناقض واضح، فهو من جهة يعتبر وجود اللاتينية بين كورد الشمال بدعة كمالية أتاتوركية ويقول في الوقت نفسه: ” … برغم عدم سماح الحكومة بفتح مدرسة كوردية واحدة أو التكرُّم على الكورد بدعم مجلة أو صحيفة أو نشرة باللغة الكوردية بدفع ليرة يتيمة من خزينة الدولة!… “. ثم يشير الكاتب إلى: ” … إنهيار اللهجة الشمالية وقوقعتها وعزلتها وتوقفها عن النمو وبالتالي مغادرتها شمال كوردستان….. “.
لا يا عزيزي! كيف يحدث هذا! لطالما ادعيت جهلاً أن اللاتينية بدعة أتاتوركية، نشروها بين الكورد للقضاء على كل ما يمت إلى شخصيتهم القومية بصِلة، فلماذا يمنعون فتح مدرسة أو دعم إصدار جريدة بهذه الأحرف بين الكورد؟؟. أحب أن أطمئنك بأن الكرمانجية الشمالية في خير وازدهار مضطرد، فهناك العشرات من الجرائد والمجلات تصدر بهذه اللهجة وبأحرف لاتينية، بما فيها جريدة ” آزاديا ولات ” اليومية، وكذلك مئات الكتب، لا بل أحب أن أذكرك بأنه هنالك ومنذ سنين دورات لتعليم وتخريج المعلمين بهذه اللهجة في الجزء الغربي من كوردستان الذي أنكرته في مقالتك لأسباب نجهلها، وفي أوروبا حيث العشرات من المعلمين ومئات التلاميذ إن لم نقـل الآلاف يعلمونها و يتعلمونها. كلها مؤشرات ايجابية ومشجعة تدل على ازدهارها وحيويتها. ولطالما لم يتخلَ الكورد في أحلك وأصعب الظروف التي مروا بها؛ يوم كان الكوردي يُحرق ويُقتـَل ويُذبح دون أن يدري به أحد، أو يتحرك الضمير الإنساني، لا بل كان الكثير يعتبر ذلك شأناً داخلياً لا علاقة له بها، لطالما في هذه الظروف لم يتخلَ الكورد عن لهجتهم وأبجديتهم، فكيف في وقتنا الحاضر، الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة، والعصر عصر التكنولوجيا والسرعة، عصر احياء ممنوعات الأمس، عصر رحيل أنظمة الحزب الواحد والفكر الواحد و القائد الواحد الضرورة و … و…
يقيناً إن إصرار البعض، – أياً كان؛ من الجنوبيين أو الشماليين – في فرض لهجة ما على عموم الكورد والغاء الأخرى أمر مرفوض وغير ممكن بتاتاً، ويثير أكثر من تساؤل. لقد ولى زمن فرض الأمور، وإذا كانت الغاية كما يدعي هؤلاء هو حماية وحدة الكورد من خطر التقسيم والتشتت والتشرذم إلى عدة شعوب ولغات، فأنا أقول: بالإضافة إلى عامل اللغة واللهجات، هنالك التاريخ المشترك، والتراث، والأرض، والمشاعر و… ولنا أن نورد مثال دولة سويسرا التي تتداول فيها ثلاث لغات، هي الألمانية والفرنسية والإيطالية، وبلجيكا هي الأخرى كذلك بعدة لغاتها. ثم لماذا لا نطرح أموراً أكثر واقعية، وممكنة للنقاش، وعلى سبيل المثال: إمكانية توحيد اللغة الكورية من خلال تلاقـُح اللهجات، والاتفاق على اختيار ألفباء واحدة اهتدءاً بمدى ملاءمتها للنـُّطق، فلتتشكل لجان من المختصين وأصحاب الشأن من اللهجات الكوردية ولتعقد المؤتمرات والندوات يلتقي فيها اللغويون المختصون باللغة، بل باللغات و اللهجات، ليتداولوا الأمر، و يخرجوا بتوصيات أو قرارات مُلزمة، أقول مُلزمة، لأنهم هم وحدهم القادرون على بحْث هذا الموضوع برؤية علمية قادرة على استقطاب القبول و الاحترام، لِما يتمتعون به من معرفة و خبرة..