بهذه المناسبة من المفيد أن أسلط بعض الأضواء على سيرته , لأنها مهمة إنسانية وثقافية بل قومية ووطنية نظراً لما قدم هذا الأمير الخالد من خدمات ثقافية ولغوية لبني قومه ..
من هو الدكتور كاميران بدرخان , وماذا قدم لشعبه ؟!
للإجابة عن هذين السؤالين لابد من الرجوع إلى تاريخ العائلة البدرخانية والأمير ( بدرخان الآزيزي ) تحديداً حتى نستطيع الغوص في عالم الأمير الدكتور كاميران بدرخان : ينتمي الأمير كاميران بنسبه إلى أمراء ( جزيرة بوتان ) المشهورين بين الكورد بـ ( أمراء بوتان ) وهو حفيد آخر أمير لجزيرة بوتان , المعروف بـ ( الأمير بدرخان الآزيزي : 1802-1868 ) تقلد هذا الأمير مقاليد الحكم وراثة عن أبيه وجده وكان عمره آنذاك ثمانية عشر ربيعاً , وبحلول سنة 1842م كان قد تمكن من إنشاء وحدة إقليمية كوردية تحت رايته تشمل : (موصل – وان – رواندوز – دياربكر – اورمية – ومدينة الجزيرة ) .
وفي سنة 1843 سكّ النقود باسمه ، وأعلن استقلاليته شبه التامة عن السلطان العثماني . هذه الاستقلالية أقلقت السلطان ودفعته إلى إرسال قوة عسكرية كبيرة لإخضاع الأمير بالقوة بعد أن يئس من إخضاعه باللين ، وكان له ما أراد ، ولكن بعد ثمانية أشهر من المعارك والحصار إلى تم أسر الأمير بدرخان ثم نفيه إلى استنانبول مع عائلته الكبيرة وأركان دولته .. ومن استانبول تم نفيه إلى جزيرة (( كريت )) ثم إلى دمشق حيث توفي في سنة 1868 . وتم دفنه في مقبرة الشيخ خالد النقشبندي.
كان الأمير بدرخان قد خلف واحداً وعشرين ابناً من المذكور والعدد نفسه من الأناث ، ومن هؤلاء الأبناء والد الدكتور كاميران ( الأمير أمين عالي : 1851-1926 ) .
تحمل الأمير أمين عالي شأن أخوته – مسؤوليات العائلة البدرخانية بعد وفاة والده الأمير بدرخان وسخر حياته لشعبه الكوردي وذلك لتحقيق أهدافه ونيل مطامحه في الحرية والاستقرار .
وفي سنة 1889 ترأس مع أخيه مدحت انتفاضة ترابزون وارزروم إلا إنها لم تثمر ، لذا اضطر إلى أن يعمل في منصب مفتش العدلية في كلٍ من استانبول ، أنقرة ، قونيه ، سالونيك و عكا ، إلا أنه لم يهدأ له بال وكانت قضية شعبه ماثلة في ذهنه دائماً وتتأجج في دمه ، لذا شكل في سنة 1908 جمعية (( التعالي والترقي الكوردية )) مع والده والشيخ عبد القادر النهري والفريق شريف باشا وآخرين ، ومن بعدها (( جمعية التشكيلات الاجتماعية الكوردية )) …
في سنة 1922 , ومع دخول الجيش الكمالي إلى مدينة استانبول صدر فرمان بسجن الوطنيين الكورد ونفيهم ، ومن ضمنهم العائلة البدرخانية بدعوى خطورتهم على آمن الدولة التركية ، حينها توارى الأمير أمين عالي وأبناؤه الخمس : ثريا ، جلادت ، كاميران ، توفيق ، وصفدر ، عن الأنظار ، وبسرعة غادروا الأراضي التركية ، ودخلوا سورية – مدينة جرابلس – ومنها سافر مع نجله الكبير ثريا إلى القاهرة حيث توفي فيها سنة 1926 .
عندما تم إرغام الأمير بدرخان وأنجاله على الإقامة الجبرية في استانبول تزوج الأمير أمين عالي ثانية من أمرأة جركسية (( سنيحة )) ورزق منها يوم ( 21/8/1895 ) بولد سماه (( كاميران )) ترعرع كاميران هذا في رغد من العيش والثراء ، حيث كان والده رجلاً ثرياً ، ذا جاه وسلطان ، وبعيد النظر ، واسع الرؤية وشاعراً بالجهل والتخلف اللذين يعاني من وطأتهما شعبه الكوردي ، ونتيجة هيامه باللغة الكوردية كان يستقدم المغنيين والضليعين باللغة الكوردية من جزيرة بوتان إلى داره في استانبول لتعليم أبنائه كما كان يستقدم معلمي اللغات الأجنبية أيضاً ..
في هذا الجو الأثير أنهى كاميران دراسته الابتدائية والثانوية في أستا نبول ومدن أخرى . تربى بحب وطنه البعيد (( كردستان )) شأنه شأن والده وأعمامه أخوته ، وأراد حمل أعباء شعبه والسير في طريق أجداده ، طريق الكفاح والنضال لأجل رفع الظلم عن شعبه المقهور . في سنة 1918م ، كان له موقعه المميز داخل صفوف الحركة الكوردية في استامبول وكان من المنادين باستقلال كوردستان ، كما كان يكتب في مجلتي (( ژين وسربستي )) إلى جانب الوطنيين الكورد أمثال : عبد الرحمن رحمي الهكاري وابراهيم حيدري زاده ، دكتور برخو ، توفيق سليماني ، حمزة بك المكسي وعمه صالح بدرخان…
في صيف 1919 ، عشية انعقاد مؤتمر سيفر توجه برفقة أخيه الأمير جلادت وأكرم جميل باشا وفائق توفيق من السليمانية مع الموفد الإنكليزي (( الميجر نوئيل )) إلى كوردستان لمعرفة مطالب الشعب الكوردي ، وما إذا كانوا قادرين على تحمل مسؤولياتهم .. وكانت معاهدة (( سيفر )) ببنودها الثلاثة :62 ، 63 ، 64 الخاصة بكوردستان…
وفي سنة 1922 اضطر على مغادرة تركيا – كما ذكرنا – إلى سورية (( مدينة جرابلس )) وفي جرابلس اقتنوا جوازات سفر سورية بواسطة آل (( بوزان شاهين )) ومنها توجه مع أخوته (( جلادت ، توفيق وصفدر )) إلى ألمانيا وتوزعوا في مدنها وكان استقرار كاميران في مدينة (( لايبزيج )) ، وفيها اكمل دراسته العالية في الحقوق وحصل على الدكتوراه . وعاد إلى منطقة الشرق الأوسط ليعمل على رفع مستوى شعبه ورفع النير عن كاهله ، وانضم إلى جمعية (( خويبون )) وعمل بشكل فعال بين أعضائه وذلك في مساعدة انتفاضة (( آكري داغ : 1930 )) إلا أن سحق انتفاضة آكري داغ عام 1930 م بقسوة خلق انطباعاً مؤسفاً لدى الدكتور كاميران وشقيقه الأمير جلادت حيث فقدا الأمل من جدوى النضال المسلح وذلك نتيجة أسباب عديدة أهمها الجهل والوضع المزري للشعب الكوردي و..و.. لذا انصرف مع أخيه الأمير جلادت إلى نشر المعرفة بين الشعب الكوردي وكانا قد استنتجا بأن المعرفة لا يمكن امتلاكها إلا عن طريق اللغة القومية .. لهذا سخرا كل جهودهما لنشر الأبجدية الكوردية المستقلة
(( اللاتينية )).
وفي سنة 1932 اصدر الأمير جلادت مجلة (( هوار : النجدة )) ومن ثم مجلة (( روناهي: النور )) وكان الدكتور كاميران من أوائل المساندين له بكتاباته الغزيرة . في سنة 1943 استقر الدكتور كاميران في بيروت واصدر فيها صحيفتين بالكوردية والفرنسية وهما (( روژا نو : اليوم الجديد )) أسبوعية ، و(( استر : النجمة )) شهرية وعمل مذيعاً في القسم الكوردي بإذاعة الشرق في لبنان وفي العام نفسه افتتح أول مدرسة كوردية في بيروت (( حي زقاق البلاط )) للمهجرين الكود…
وفي سنة 1947 غادر بيروت نحو باريس حيث عمل أستاذاً في جامعة (( السوربون )) قسم اللغات الشرقية, وفيها درس اللغة الكوردية وبعدها تسلم رئاسة القسم وبفضله تخرج العشرات من الأجانب وهم يجدون اللغة الكوردية ..
في سنة1954، تزوج من أميرة بولونية أسمها (( ناتاليا )) ولم يرغب في إنجاب الأطفال . في أثناء ثورة أيلول المجيدة توطدت علاقاته مع قائد الثورة الكوردية المرحوم (( مصطفى البارزاني )) واصبح ناطقاً رسمياً باسم الثورة والبارزاني الخالد في أوربا .
وفي سنة 1970 م زار كوردستان مع زوجته ناتاليا . وفي سنة 1975م توفيت زوجته ، وبعدها بثلاث سنوات ( 4/12/1978 ) توفي الأمير الدكتور كاميران أمين عالي بدرخان في باريس ، ثم غدا معروفاً بأنه كان قد تبرع بجسده للكليات الطبية الفرنسية لأجل إجراء التجارب العلمية عليه بعد مماته…
كان الدكتور كاميران بدرخان يجيد ست لغات عالمية حية بالإضافة إلى لغته الكوردية وهذه اللغات هي : العربية ، التركية ، الفارسية ، الألمانية ، الإنكليزية . مثل شعبه الكوردي في كثير من الندوات والمؤتمرات الدولية . ويمكن القول بأن (( المعهد الكوردي في باريس )) الذي يشكل ثاني صرح ثقافي أجنبي في باريس بعد (( معهد العالم العربي )) قد تأسس بفضل الدكتور كاميران وجهوده الشخصية .
لقد كتب الدكتور كاميران العديد من الكتب والدراسات حول شعبه الكوردي ولغته وبلغات عديدة وفي أماكن مختلفة من العالم . بحيث يربو عدد كتبه عن ثلاثين كتابا. كماً أنه أول كوردي يترجم القرآن الكريم والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة إلى اللغة الكوردية, وهو ثاني كوردي بعد الأمير جلادت بدرخان يكتب الكوردية بالأحرف اللاتينية . ومن كتبه المطبوعة والمدونة :
1- الألفباء الكوردية .
2- القراءة الكوردية .
3- ألفبائي .
4- دروس في الشريعة .
5- الأمثال الكوردية .
6- قلب ولدي .
7- رباعيات الخيام .
8- ثلوج النور .
9- نسر كوردستان .
10- ملك كوردستان .
11- العوامل الحقيقية لسقوط ادرنه .
12- قواعد اللغة الكوردية .
13- القاموس الكوردي الفرنسي .
14- القاموس الفرنسي الكوردي .
وأخيراً يمكن القول بأن الدكتور كاميران بدرخان كأخيه الأمير جلادت بدرخان كان أسير حبه لآبائه وأجداده ، وكانت قضية شعبه الكوردي ماثلة في ذهنه دائماً ، وهذا ما جعله شغوفاً إلى حد الهيام باللغة الكوردية وثقافتها نظراً لإحساسه المرّ بعدم وجود من يحافظ على تراث هذا الشعب من الضياع ..