عمر كوجري
احتفلت اللجنة المنظمة والمشرفة على “الأمسيات الكردية “şevbêrkên kurdî قبل فترة بالعام الرابع على انطلاقتها ، واحتفل معها أيضاً الجمهور الذي يواظب على الحضور، وأصبح تقليداً في أواخر كل شهر، وهي فرصة بالتأكيد لتتلا قح الأفكار وتثمر عن شيء مفيد ، إضافة إلى خاصية الاطمئنان على الأحوال والأوضاع على اعتبار أن سلوكية “اقتصاد السوق الاجتماعي ” والمعمول به في البلاد قد جعلت المرء يركض وراء لقمة العيش ليلاً نهاراً من دون أن يظفر بحياة تليق بأبناء الأوادم .فالعمل بدوام واحد يعرض الإنسان إلى مهانة السؤال والحاجة .
ومما يثلج الصدر أن هذه الفعاليات الثقافية تمت –لا تزال- باللغة الكردية سواء أكانت أبحاثاً في الفكر والفلسفة، أو في الدراسات النقدية ، أو في مجال الإبداع أو التراث والفلكلور الكردي، وقد اعتمدت الفعاليات على النوايا الطيبة للقائمين عليها دون أن يكون ثمة مشروع واضح المعالم والرؤى لتنهج عليه، وتسير بهديه خاصة إذا عرفنا أن الحقل الكردي كان خالياً من هكذا أنشطة على الأقل باللغة الكردية وحسب ، بطبيعة الحال كانت بعض الأنشطة موجودة،لكنها مشروطة بالسياق الحزبي الذي لم يستثمر الحالة الثقافية في إطاره العام ، بل اتصفت بواجبات حزبية صرفة . وأنا هنا لا أبعد “الأمسيات الكردية ” من الإطار الحزبي لكنها في أحيان كثيرة استضافت وجوهاً لا تتناغم مع البعد السياسي والحزبي ، لهذا الطرف أو ذاك . وفتحت المجال إلى حد بعيد للمناقشة والتحليل والقراءات المفتوحة والنقاشات الحرة .
وربما يعزو نجاحها الملفت في هذا الجانب إلى أن الأمسيات استطاعت أن تحمي نفسها ،ولا تسقط في مطب الو لاءات الحزبية والبعد الضيق والقاصر لتقديم الأفكار وقراءتها وخضوعها لمنطق النظرة القاصرة والضيقة .
وكأي نشاط ثقافي لم تكن ” الأمسيات الكردية بريئة من بعض الأخطاء أو الهنات البسيطة ،هذا الأمر لا يقلل من شأنها بقدر أن أي نشاط يمارس لا يسلم من نسبة الخطأ
وخاصة إنها تتم بجهود تكاد أن تكون فردية ،ومشروع يحمل أفكاراً معينة بحاجة إلى ورشات عمل واختصاصين على أكثر من صعيد بغية الارتقاء بالعمل الثقافي وتنميته وكذلك تنشيط الإدراك المعرفي ليكون بين يدي قطاعات ترى نفسها قريبة من الشأن الثقافي .
ليس مدحاً – وهم مستحقون – إذا قلت أن القائمين على إنجاز واستمرار هذا النشاط الملفت حائزون على تقدير واحترام القريبين من هذا الحقل ، والجهد برمته صعب وغير مجدي على الصعيد المادي بل مخسر من حيث توفر المكان الملائم ،والاتصال مع المهتمين ، وكذلك دعوة الأدباء والكتاب لقراءة أعمالهم ومناقشتها وقبل ذلك طبعها وتوزيعها في إطار مقبول ليكون الكثير من الحضور على استعداد للدخول في السجالات والتعقيبات .
ولعل من أصعب الأمور توفير المكان في ظل غياب أية جهة تملك إمكانيات معينة تسخر لصالح الأمسيات ،هذا إذا أضفنا أن أنشطة كهذه لاتتم برعاية الدولة حتى تفتح مراكزها الثقافية “وهي لن تفعل” أمام الجمهور الكردي الذي يتحمل أجواء غير مغرية بالمطلق ،ويتكدس الحضور ضمن غرف ضيقة ومحصورة ، والعديد من المتابعين لم يستمروا ولم يواظبوا في الحضور بسبب الظروف السيئة .
وقد عانت اللجنة المنظمة أيضاً من صعوبة توفير الكوادر الثقافية التي تملك الجديد لتقوله ، وخاصة في مجال التأسيس والحفر في اللغة الكردية التي ظلت إلى فترة طويلة أسيرة النزعات الشعرية والقصائد التي كررت نفسها وأصحابها ،ولم تخرج من عباءات الكلاسيكيين ، وهذا الكلام يصح على الأقل عدن كرد سوريا على وجه التحديد .
لهذا رأينا في أحيان كثيرة ترهل بعض الأنشطة وضعف الضيوف ،بل وارتباكهم أمام الحضور ،ورغبة من اللجنة المنظمة من التنويع في أمسياتها أوقعها في بعض الأحيان في التسرع في دعوة البعض ، وأنجزت بعض الأنشطة الهامشية واللامجدية
على العموم استطاعت هذه الأمسيات ورغم تواضع الإمكانيات أن تعمل حراكاً جميلاً ضد الركود الذي تعانيه حياتنا الثقافية بعامة والكردية على وجه الخصوص ويكفي هؤلاء الأحبة أنهم اجتهدوا في سبيل فعل شيء مفيد للثقافة الكردية ،ولعل عدم تخصص اللجنة في ضروب الأدب والفكر وغيرهما ساهم في عدم وضع مخطط محكم ورسم عناوين مهمة وبالاتفاق مع المعنيين بالشأن ليتجاوز هذا النشاط إطار النوايا الصادقة والطيبة ، فبعض العنوانات – على سبيل التمثيل – كانت فضفاضة وبراقة من دون أن يكون المردود أو المتن غنياً . وهذا يتعلق بالنقد الأدبي الذي لم يثر معارفنا الثقافية ، ولم تحرك البعد الجمالي في نفوسنا . والمفارقة إذا قلت لأحدهم :أين بحثك من النقد والنقد الحديث ،سيرد من غير خجل : لست ناقداً لكنني أحببت أن أشارككم في هذه الأمسية وما أقوله انطباعات نقدية وليس نقداً …
وللوقوف أكثر على نشاط الأمسيات الكردية كانت لي هذه الوقفة مع السيد محمد قاسم أحد أعضاء اللجنة المنظمة
ما فكرة هذه الأمسيات ؟؟
انطلقت الفكرة في تقديم شيء ثقافي لشعبنا الكردي هنا في دمشق، وكان شريكنا الأستاذ جمال ملا محمود سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي السوري بالإضافة إلى السيدين عباس أوصمان وكومان حسين ،وفي البداية لاقينا بعض الصعوبات مثل موضوع إيجاد كتاب يشتركون معنا في إحياء هذه الأمسيات،وكذلك المكان .وقد عملنا كفريق واحد مبتعدين عن الأنانية . ولعل هذا هو سر استمراريتنا ونجاحنا.
بعد أربع سنوات ماذا حققتم؟؟
لقد حافظنا على مداومة واستمرارية الأمسيات الكردية ،وأمنياتنا أن تتطور هذه الأمسيات وأن نوفق يوماً ما في إيجاد مكان خاص وملائم لممارسة نشاطاتنا بحرية أكبر وراحة أكثر .
ما الدافع في حصر نشاطاتكم باللغة الكردية؟؟
كنا نريد خلق أرضية باللغة الكردية في العاصمة وفي حارة الكرد ، فثمة الكثير من أبناء شعبنا هجروا من قراهم ومدنهم قسراً ، وكانت الرغبة ألا يندمج هؤلاء مع المدينة إلى درجة ينسون لغتهم ،وكذلك أردنا الحفاظ على اللغة والثقافة الكردية عبر إيلاء الاهتمام باللغة الكردية .
شعرت في بعض الأحيان أن تدبيركم وعملكم يشوبه بعض الضعف
هذا يتوقف برأيي على الضيف الذي يقدم مادته ، وهو يعلم أنه هو المسؤول الأول والأخير عن قوة وضعف مادته ،وربما بالغنا أحياناً في الاحتفاء بالكاتب الفلاني لكنه هو لم يحترم ملكته الإبداعية فجاءت مساهمته عادية غير متعوب عليها جيداً ،ونحن لا نتدخل في خيارات المشاركين والكتاب مطلقا .
هل ركز تم على الجانب السياسي في هذه الأمسيات؟؟
منذ البداية اتفقنا أن تكون أمسياتنا ثقافية بحتة ،ولا نريد التركيز على هذا الجانب في الفترة القادمة أيضاً .
هل اللجنة المنظمة هي التي تقوم بكل الترتيبات ؟؟
لا أحياناً كثيرة نعتمد ونستعين ببعض الحضور الذي يواظب على حضور الأمسيات ،بل نسلمهم إدارة الندوة من ألفها إلى يائها .
ألديكم لجنة استشارية تنسقون معها في بعض الأمور ؟؟
الحضور هو لجنتنا الاستشارية هؤلاء يهمنا أمرهم ومشورتهم
مابين أول أمسية وآخر أمسية أين أصبحتم؟؟
في البداية وكما قلت لك لاقينا بعض الصعوبات في إخبار المدعوين ، أما الآن فالمثقفون من تلقاء ذواتهم يتصلون معنا مستفسرين عن موعد النشاط القادم وهذا دليل عافية
هل يتغير الحضور أم أن الوجوه نفسها تتكرر؟؟
لا، أعتقد أن الحضور متجدد في أمسياتنا ، أحياناً بعض المثقفين يعتذرون عن الحضور لأسباب معينة ونحن نحترم رغباتهم بالتأكيد
شكراً لك أستاذ محمد وأتمنى أن تستمر أمسياتكم لما فيه عافية الثقافة الكردية
شكراً لك أيضاً، ونتمنى أن تسنح الظروف الملائمة لنخدم جميعاً ثقافتنا الكردية .