خواطر رمضانية (7) صغارنا 000 وصوم العصافير

علاء الدين جنكو

        منذ نعومة أظفاري وأنا أحفظ هذا المصطلح الذي يرافق الصغار حتى يصبحوا في مصاف الكبار 000 صوم العصافير 000 كان والدي يصف صومي بها ، عندما كنت صغيرا كالعصافير !!
كنت أستيقظ قبل الجميع في السحور وأجلس قبل الجميع على المائدة ، كان الناظر إليّ يحسبني  سأصوم وأصبر أكثر من الكبار من شدة اندماجي مع الأكل !! ولكن في الصباح كنت أدور حول والدتي لأقنعها أني لم أعد أتحمل الجوع 000 فإني ما زلت صغيراً ، والدي لم يكن يمنعني من ذلك ،  بل كان يشجعني ويقول لي : صم يا بني 00 صم مثل العصافير !!
الصوم عبادة روحية جسدية ، يتعلم منها الطفل الصغير الإخلاص الحقيقي لله تعالى ، ومراقبته في السر والعلن ، وتتربى إرادة الطفل بالبعد عن الطعام رغم الجوع ، والبعد عن الماء رغم العطش .  كما أنه يقوى على كبح جماح رغباته ، ويتعود فيه الطفل على الصبر والجلد ، ومنعهم من الصوم أمر خطأ ، وعلى الوالدين أن لا يلجئا إلى ذلك بحجة أن ابنهم سيتأثر بترك الطعام والشراب ، لأنه متى ما وصل إلى حالة تعب فيها سمح له بالأكل والشرب ، في أي وقت من النهار كان .
بل تشجيعهم على الصوم يعودهم على تحملها ، ويشعرهم بالمسؤولية منذ بداية نشأتهم ، وهنا تكمن أهمية تربية الأبوين ، وصدق من قال :
و ينشأ  ناشئ  الفتيان  منا          على ما كان عوده  أبوه
وما دان الفتى بحجاً و لكن          يعلمه   التدين    أقربوه
حتى قال الإمام الشافعي رحمه الله : أنهم يؤمرون به للتمرين عليه  .
وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتربية الأطفال ، وتعويدهم على تحمل المسؤولية والعبادة منذ صغرهم ، وإشعارهم بأهميتهم ، وأمثلة ذلك كثير منها :
روى أبو داود والحاكم عن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع ) .
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم ، وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله .

وقد ربى الصحابة الكرام أطفالهم وصغارهم على عبادة الصيام ، حتى أن البخاري رحمه الله عنون في صحيحة باب صوم الصبيان ، ومن اهتمام الصحابة بصيام أطفالهم أنهم يهيئون لهم اللعب أثناء الصوم ليتسلوا بها فلا يشعروا بطول النهار 000
وفي الصحيحين عن الربيع بنت معوذ قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم عاشوراء إلى قرى الأنصار : من كان أصبح صائماً فليتم صومه ، ومن كان أصبح مفطراً  فليصم بقية يومه ، فكنا نصوم بعد ذلك ، ونصوّم  صبياننا الصغار منهم ،  ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن ( إي الصوف ) فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه  إياه حتى يكون عند الإفطار .
وكان الصحابة رضوان عليهم يجمعن أطفالهم  ويدعون الله عز وجل لحظة الإفطار رجاء استجابة الدعاء في تلك اللحظة المباركة ، فعبد الله بن عمر رضي  الله عنها كان إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا .
نعم 00 هكذا لابد أن نتعامل مع براعمنا وما أجمل ما قال فيهم محمد الخضر حسين : لا يدري كثير من الناس أن الطفل واحد من رجال الأمة إلا أنه مستتر بثياب الصبا ، فلو كشف لنا عنه وهو كائن تحتها لرأيناه واقفاً في مصاف الرجال القوامين ، لكن جرت سنة الله أن لا يتفق زوال تلك الأستار إلا بالتربية شيئاً فشيئاً ، ولا تؤخذ إلا بالسياسات الجيدة على وجه التدرج .
مهما تحدثت عن أهمية الصغير وتربيته لن أوفيه حقه ، ولأن الصغار في نظر الأمم كبار ، أقول لكم ما وصى به أحد الملوك رجاله : من أحسن أدب ولده أرغم أنف عدوه !!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…

مازن عرفة

منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، يتسارع الزمن في حياتنا بطريقة مذهلة لا نستطيع التقاطها، ومثله تغير أنماط الحياة الاجتماعية والإنسانية، والاكتشافات المتلاحقة في العلوم والتقنيات، فيما تغدو حيواتنا أكثر فأكثر لحظات عابرة في مسيرة «الوجود»، لا ندرك فيها لا البدايات ولا النهايات، بل والوجود نفسه يبدو كل يوم أكثر إلغازاً وإبهاماً، على الرغم من…

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…