آرام.. هيثم حسين.. أنت.. أنا..

Bavê Tosin – Amûdê

 

إنّ رسالة الكاتب في كتابته هي رصد الواقع بكلّ متناقضاته، وتصوير هذا الواقع ونقله إلى القارئ عبر كلمات يقوم بترتيبها وصياغتها حسب قناعته ومفهومه للغة، وعبر شخصيّات منتقاة من الواقع، وذلك لتمرير قناعاته، وإضفاء الكثير من مفاهيمه وأفكاره عن الواقع، وعبر هذه الشخصيّات، والتي هي خليط من فكره، وصورة لشخصيّات من محيطه، وذلك لنقد الواقع، ومحاولة منه لإقناعنا بما هو مؤمن به، وكيفيّة تغيير هذا الواقع، لافتاً انتباه القرّاء إلى مواقع الخلل الاجتماعيّ والسياسيّ ورصدها.
لقد قدّم لنا الكاتب هيثم حسين في عمله “آرام” صورة دقيقة جدّاً لواقع مدينته، وكأنّه مصوِّرٌ يحمل كاميرا ديجيتال حديثة ويتابع شخصيّاته بدقّة، ملاحقاً إيّاهم في تفاصيل الحياة، بل ويدخل إلى داخلهم ويتقمّصهم أحياناً، ليرصد مكنوناتهم، ويحكي بلسانهم مفصحاً ومفضحاً ما يدور في خلجات أنفسهم من مشاعر، كالحبّ والنقمة، والتذمُّر، والتمرُّد، والعفويّة، والسذاجة، والجنون، والكثير من الاغتراب، مصوّراً بذلك معاناة سكّان مدينته بكافّة شرائحها تقريباً (( الأحدب العاشق، الهارب المغترب، الفنّان، مكتوم القيد، الجامعيّ، المثقّف ….. )).
وتتميّز روايته بأنّها لا تعتمد على البطل الخارق أو الوحيد المصنوع من خيال الكاتب، بل أنّ كلّ شخصيّاته أبطال من آرام إلى بافي كيشو، ولكلّ بطل صلة متجذّرة في معاناة عامودا، ولكلِّ بطل رواية وقصّة تطفّل الكاتب على تصويرها بعدسته الخاصّة.. فالأحدب الساذج يعتلي صهوة حصان جمل ولغة الكاتب أحياناً، أو يتقمّص الكاتب شخصيّة الأحدب ويتفاعل معه، ويطرح جمله من فم الأحدب، وهكذا فلكلِّ بطل نصيب من عدسة الكاتب الدقيقة في التصوير.
يبقى أن نقول بأنّ “آرام”  عمل روائيّ اقترب من دراسة واقعيّة لواقع مدينة الكاتب. هذه الدراسة التي لا تخلو أحياناً من نصائح يقدّمها الكاتب بأسلوب خطابيّ، وخاصّة في الجزء الأخير من الرواية التي ابتعدت قليلاً عن الحدث “Action ” الروائيّ، واقتربت من فنّ المقالة الفكريّة التي تدرس الواقع الاجتماعيّ.
أخيراً “آرام”  عمل يستحقّ القراءة بجدارة، ويحمل إحساساً مرهفاً لمصوّرٍ فنّانٍ استطاع أن يجبرك على الولوج إلى أعماق شخصيّاته، والعيش معهم، والصراخ، والبكاء، والتمرّد معهم..
فعندما تبدأ القراءة وكأنّك تتابع كاميرا، وتظلّ هذه الكاميرا مستمرّة في التصوير حتّى نهاية الرواية دون توقّفٍ، بل وتحسّ بأنّ للفلم بيقيّة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

هؤلاء أصدقائي كلنا جئنا من جهات مختلفة من سوريا (عفرين، كوباني، قامشلو والحسكة)، نحن أبناء مدن كانت بعيدة عن بعضها، ولكن الغربة قربتنا حتى صار بيننا ما هو أقرب من المدن.

لم يكن يخطر ببالي أننا سنلتقي يوماً ولا أن قلوبنا ستتشابك بهذه الطريقة، لكن الغربة بحنينها القاسي جمعتنا، وجعلت من…

حيدر عمر

 

نماذج من حكايات شعوبٍ آسيوية

1 .حكايات ذات نهايات سعيدة.

 

يمكن اعتبار حكاية “علاءالدين والمصباح السحري” من حكايات “ألف ليلة وليلة”، نموذجاً للحكايات التي تنتهي بنهايات سعيدة إذ نجد علاء الدين يصيب الغنى بمساعدة جنّي عملاق يخرج من مصباح قديم وجده في مغارة.

كان لعلاء الدين عمٌّ جشعٌ، طلب منه دخول المغارة للبحث عمّا…

زوزانا ويسو بوزان

حبّذا لو نتغاضى طرفًا…
نمرُّ هامشيّين على أطراف القرى،
نسيرُ كما يشاء لنا الريح،
نخطفُ فاكهتنا من حقائب الغجر،
ندخلُ خيامهم سرًا،
نغفو على موسيقاهم،
ونحلمُ كما يحلمُ الغرباء.

أغوصُ في التغاضي،
ألهثُ خلف أحاسيس مبعثرة،
ألملمُ شظايا ذكرياتٍ،
أتخاصمُ مع الواقع،
كأنني أفتّشُ في سرابٍ لا ينتهي.

كما أنقبُ عن ذاتي،
في مرآةٍ مكسورة،
ترسمُ ملامحي كما تشتهي،
تغفلُ ما خُطَّ على جبهتي من تجاعيدِ الرحيل،
ولا تُظهرُ…

أحمد عبدالقادر محمود

 

الجبلُ يبقى شامخاً لو عبثت فيه الفئران

صلدٌ لا ينحني و إن غزتْ سفحه الغربان

لا يرتضي بالخنوع و إن رمته النائباتُ أذان

تبقى المهابة فيه لو دنت الجيْفُ والخصيان

يعلو ولا يستجيب لمنْ أتاهم ذلَّة إذعانُ

صخرٌ ولكن ينادي في المدى عزَّة و برهان

لا تنكسرْ عزّتهُ لو مزقوه قسوة و هوان

يصغي لصمت الرياح و في ثناياه الأسى…