الفوات الأبدي للتدارك

ابراهيم البليهي
يتكرر في الثقافة العربية القول بأنه ما من مؤلف يفرغ من تأليف كتاب إلا وتطرأ على ذهنه الرغبة في العودة وإعاة التأليف لتدارك النقائص وتجنب الهفوات واستكمال الجوانب ….
ولو أن المؤلف أعاد تأليف كتابه فإن اكتشاف النقائص سوف يلازمه لأنه لا نهاية للتجويد ولأن الكمال محال ……
 إن الفرد يتعلم من كل ما يراه ويسمعه ويفعله فهو في حالة تعلم دائم لذلك يشعر بالفوات بعد إنجاز أي عمل فالنضج واكتساب الحكمة لا يأتي إلا متأخرًا …..
وقد عبَّر الفيلسوف الأكبر هيجل عن هذه المعضلة حين أكَّد أن طائر الحكمة لا يطير إلا في الغسق أي عند المغيب الذي يعني الاقتراب من نهاية حياة الفرد وهو يعني أن الفرد لا يكتسب الحكمة إلا بعد فوات الأوان ……
أما نتشه فيصور هذا المأزق البشري بأن كل فرد هو  كمن لا يكتشف عيوب البيت الذي بناه إلا بعد الفراغ من تشييده وفي هذا يقول نتشه:
((حين ينجز المرء بناء البيت يكتشف أنه تعلَّم أثناء البناء أشياء كان عليه أن يعرف أنها ضرورية قبل البناء وذاك هو فوات الأوان الأبدي إنه ندم الفوات الذي يعقب كل إنجاز)) يقول ذلك كل مبدع وكل كاتب وكل مؤلف وكل من أدار عملًا أو أنجز مهمة …..
وهذا درسٌ مهم على كل فرد أن ينتبه له ليدرك أن عليه أن يتعلم من كل خطوة من خطواته فالعلم ما هو إلا تصحيح متواصل لأخطاء البشر فكل اكتشاف علمي كبير هو تبديد لوهم  أو تصحيح لخطأ …..
إن هذه النتيجة التي لا تُكتشف إلا بعد فوات الأوان تستوجب من كل إنسان أن يتواضع وأن يتخلى عن الوثوق الأعمى وأن يستحضر في ذهنه دائما أولوية الخطأ وأصالة النقائص واحتمالات الوهم وأن يتدرب باستمرار على التفكير النقدي وأن يقتنع أن احتمالات الخطأ قائمة مهما بذل من تمحيص ………

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…