مفارقات «من ثمرات عمر قائم»

إبراهيم محمود

إنها لمفارقة كبيرة أن يمدَّ أحدنا يده لأي كان، ويُعتبَر ذلك عند الكثيرين خفّة، وليس دعوة إلى التعايش السلْمي.
إنها لمفارقة كبيرة أن يستقبل أحدنا نهاره وهو بادي السخط، ويدعو إلى التفاؤل في الوقت نفسه .
إنها لمفارقة كبيرة أن يتجاهل أحدنا تسّرعه في إطلاق حكْم ما على سواه، مثل من يزدرد طعاماً، سريعاً.
إنها لمفارقة كبيرة أن تبتسم امرأة لرجل، فيتغندر أمامها مثل ديكَ حبش. تلك علته لا علَّتها.
إنها لمفارقة كبيرة أن يتباهى أحدهم بجماله الجسماني وكماله، تاركاً عورته لأنظار الآخرين من حوله. 
إنها لمفارقة كبيرة أن يعتقد أحدنا أننا في عصر السرعة فيسرع. حسنٌ. لنميّز بين النهر والسيل، ولنر.
إنها لمفارقة كبيرة أن يمدح أحدنا إنسانيته، وداخله غابة مأهولة بالضواري والسباع الهائلة الفتْك.
إنها لمفارقة كبيرة أن يميّز أحدنا نفسه عن الحيوان، بينما المطلوب الأهم، كيف يؤكّد تميّزه عنه.
إنها لمفارقة كبيرة أن يعتدَّ أحدنا بنفسه، فقط لأنه ذكر. ثمة ذكور حيوانات ” تحترم ” إناثها ” أكثر  بكثير منه. 
إنها لمفارقة كبيرة أن ترى المرأة نفسها محل اعتبار لمجرد سماعها عبارة” أحبك ” من لسان ساقط.
إنها لمفارقة كبيرة أن يذمَّ أحدهم حذاءه الضيق، متجاهلاً ضخامة رجْله. 
إنها لمفارقة كبيرة أن يعتبر مسئول ما نفسه لسان حال شعب بكامله، من وراء حجاب سميك. 
إنها لمفارقة كبيرة حين نرى الكاتب يحيط نفسه بكمّ هائل من صوره الشخصية، ليخفي عريه الداخلي: حقيقته!
إنها لمفارقة كبيرة أن يَرى أحدنا في تقدير سوانا لنا دَيْناً، وليس فضيلة أخلاقية اجتماعية.
إنها لمفارقة كبيرة بين حبّك للمرأة كونها امرأة وحبّك لها كونها مصدر متعة. يا للفظاعة.
إنها لمفارقة كبيرة أن يغني أحدنا وسط آخرين، لمجرد أنه يملك صوتاً. إنه احترام الذات المفقود.
إنها لمفارقة كبيرة أن يخلط أحدنا بين دودة التربة والدودة في أحشائه، الأولى عامل تنفيس.
إنها لمفارقة كبيرة أن يغفل أحدهم عن أن لسان أي منا هنا وهناك قد يكون أسمَّ من ناب الكوبرا في المردود .
إنها لمفارقة كبيرة أن يتوهم أحدهم أنه بالتشويش على سمعة سواه يؤمّن لنفسه سمعة إنسان معتبَر.
إنها لمفارقة كبيرة أن يجهل كاتب ما أن حاضره يضمن مستقبله، والواقع يقول: المحك هو الغد.
إنها لمفارقة كبيرة أن تأخذ صورة للعالم من زاوية واحدة، وتعتبرها حقيقة العالم ظاهراً وباطناً.
إنها لمفارقة كبيرة أن يخلط أحدهم بين التقدم في العمر واكتساب الخبرة. حيث الكيف يعرّي الكمَّ.
إنها لمفارقة كبيرة أن يزعم أحدنا أن تسمية الأشياء كبيرة علامة نضج. المراهق أشهر مَن يُسمّى هنا.
إنها لمفارقة كبيرة أن يندفع كاتب ما في تفخيم حبه لوطنه سريعاً، وبالسرعة ذاتها يختفي عن الأنظار.
إنها لمفارقة كبيرة أن لا يربط أحدهم بين عضة الحمار ورفسته، فالاثنتان سلاحه ومِيزته.
إنها لمفارقة كبيرة أن يأخذ أحدهم بجمال الحيَّة دون حساب لسمّها.
إنها لمفارقة كبيرة أن يقارن أحدهم نفسه بسواه، دون أي اعتبار لعمره أو جهوده في العمل الذي عرِف به.
إنها لمفارقة كبيرة أن تجد من بين معلّقي الفيسبوكات من يستحقون تسمية الكاتب أكثر من كثيرين يُعرَفون كتاباً.
إنها لمفارقة كبيرة أن يراهن أحدنا على الكتابة وليس في رصيده ما يكفي لتسطير جملة تميّزه من أهلها.
إنها لمفارقة كبيرة أن تجد منخور السن يتَّهم سواه بأن طعامه غير مطبوخ بصورة جيدة.
إنها لمفارقة كبيرة أن يخالط أحدنا الآخرين ليس حباً بالمشاركة، وإنما ميلاً إلى بلبلتهم.
إنها لمفارقة كبيرة أن شخصاً ما لا يعرف المشي إلأ في ركاب غيره بدافع التواضع المزيَّف.
إنها لمفارقة كبيرة أن أحدهم يهمه النظر في وجه سواه، ولم يحصل له أنه رأى وجهه في المرآة يوماً.
إنها لمفارقة كبيرة أن أحدهم لا يقتعد إلا المكان الرطب، لأنه لا يسيطر على مؤخرته.
إنها لمفارقة كبيرة أن أحدهم يتَّعظ من رؤية خنفساء الروث وليس من نملة تحمل حبَّة في فمها.
إنها لمفارقة كبيرة أن كلباً ينبح يردُّ عليه نظيره بأنه ” يزأر ” لينال منه مديحاً مشابهاً.
إنها لمفارقة كبيرة أن كاتباً يعتقد أنه يستطيع مجاراة غيره وسط زحام الكتابات، دون أخْذ الزمن في حسبانه.
إنها لمفارقة كبيرة أن يجهل من يعرَف بالكتابة أن أول خطوة فيها، بداية لطريق طويل وليس نهايتها.
إنها لمفارقة كبيرة أن كاتباً ما، يسهل عليه مدْح أي كان، فقط ليظهر كيدْه لغيره. تلك طريقة أخرى للسقوط.
إنها لمفارقة كبيرة أن يذم أحدنا سواه في طريقة عيشه وتفكيره، وهو يحتمي بأيّ كان ليستمر في الحياة.
إنها لمفارقة كبيرة أن يستخدم أحدهم كلمات لها تصم الآذان في رقعة أشبه بجحْر.
إنها لمفارقة كبيرة أن كتّاباً يحاولون التشويش على سواهم بطرق شتى، ولو بإصدار روائح منفّرة تسمّيهم.
إنها لمفارقة كبيرة أن يعتبر أحدهم أن طريقك الذي اختطته لنفسك إساءة إليه لأنك لم تعطِه علماً بذلك.
إنها لمفارقة كبيرة أن هناك من يرميك بلوثاته الكريهة بزعم أنك لا تغطي على رائحتك بعطر ما.
إنها لمفارقة كبيرة أن أحدهم يتحدث بصوت عال ٍ لئلا يسمع صوته وليس ليسمعه الآخرون.
إنها لمفارقة كبيرة أن أحدهم يتسول وبيده خرْج كبير، وليس في أن يمد يده بدافع عجْز ما.
إنها لمفارقة كبيرة أن دجاجة تواجه طائراً جارحاً لحماية صيصانها، وبيننا مَن يخاف من تسمية عدو بجواره.
إنها لمفارقة كبيرة أن أحدهم يكبّر لقمته بزعم اشتهاء الطعام، وواقعاً بدافع الشراهة المنفّرة .
إنها لمفارقة كبيرة أن كاتباً، وباسم الكتابة يعرّف بنفسه، ولا يعرَف إلا في الزوايا الضيقة.
إنها لمفارقة كبيرة أن تكون عينه على باب جاره ليس حباً وإنما تعبيراً عن اشتهاء فاضح.
إنها لمفارقة كبيرة أن هناك كثيرين يخلطون بين التعبير بلغة ما، والتعبير عن قيمة شخصية لافتة.
إنها لمفارقة كبيرة أن بعضهم يعلّق على غيره ليعرَف من خلاله وليس بنفسه .
إنها لمفارقة كبيرة  أن مدّعي كتابة ما لا يهمّه نوع اللغة التي تتحدث بها، المهم له، أن ينال منك باعتباره نداً لك.
إنها لمفارقة كبيرة أن أحدهم يعجز عن وضع حجرتين فوق بعضهما بعضاً ويتحدث عن بناء وطن بكامله.
إنها لمفارقة كبيرة أن يقشعر بدنه من رؤية قبس ضوء، ويتهم سواه بالخوف من الضوء وهو في وضح النهار.
إنها لمفارقة كبيرة أن أحدهم يطالب سواه بأن يعرّف بنفسه، وهو أجبن من أن يأتي على ذكر اسمه.
إنها لمفارقة كبيرة أن هناك من ينتظِر أياً كان يمر بجواره لينبح عليه، فقط ليظهِر أنه قادر على النباح.
إنها لمفارقة كبيرة أن ينظَر إلى المرأة كشهوة فقط، لأن ذلك يعني التخلص من النصف العلوي فيها كلياً.
إنها لمفارقة كبيرة أن يضع أحدهم حداً لتمادي والده، وينهال بالسوط على كل من يرفع رأسه في وجهه.
إنها لمفارقة كبيرة أن يبوس أحدهم يد أمه وباليد الأخرى يضرب زوجته
إنها لمفارقة كبيرة أن يسقي أحدهم الآخرين بالقطّارة وحنفية الماء لديه مفتوحة .
إنها لمفارفة كبيرة أن يعلّم أحدهم مَن حوله كيف يصبحون منتجين بينما بالكاد يُرى في الدوام .
إنها لمفارقة كبيرة أن يقرأ أحدهم شعراً ثورياً في خمارة، وشارعه مستباح.
إنها لمفارقة كبيرة أن يعيب أحدهم الوردة في عبيرها، ويتناسى أنها فاقد لحاسة الشم كلياً.
إنها لمفارقة كبيرة أن يكون النوم للكثيرين تخلصاً من المسئولية، وللقلة التقاط أنفاس .
إنها لمفارقة كبيرة  أن يعتبَر أحدهم الوطن جنَّتَه، ولم يُظهِر نفسه لأعدائه يوماً ما.
إنها لمفارقة كبيرة أن يُسمّي أحدهم النمس نمراً وهو في الأساس ابن آوى.
إنها لمفارقة كبيرة حين يلتزم أحدهم الخرَس ويعتبره صمتاً، فبعض الصمت تحدّ ومواجهة.
إنها لمفارقة كبيرة أن نرى في سلوك حيوانات دفاعاً مستميتاً عن بعضها بعضاً أكثر من بني البشر أنفسهم.
إنها لمفارقة لكبيرة أن يذم القاعدُ الواقف، وليس في مقدوره الوقوف على رجْليه .
إنها لمفارقة كبيرة، ألا يكفّ أحدهم في التمجيد بالماضي،ولا يجرء على التفوه بعبارة واحدة عن مأساة شعبه.
إنها لمفارقة كبيرة أن يشدّد أحدهم في كلماته على ” سين ” المستقبلية، والحاضر مازوم .
إنها لمفارقة كبيرة أن يُسمّي أحدهم نفسه وطنياً ولا يعرف من الوطن سوى الدبكات الفولكلورية.
إنها لمفارقة كبيرة حين يبقى أحدهم خلف قطيعه، ويتراجع عنه تاركاً إياه تحت رحمة تجار المسلخ قابضاً الثمن مسبقاً.
إنها لمفارقة أن لا يكف أحدهم عن مخاطبة شعبه بـ” أنتم ” ويبقي ” أنا ” في المحصّلة.
إنها لمفارقة كبيرة حين يبول أحدهم في وعاء، ويملأه ماء يقول أنا عطشان.
إنها لمفارقة لكبيرة حين يحوّل أحدهم أكباشه إلى خراف يقدّمها لذئاب الآخرين وهم أصلاً ثعالب.
إنها لمفارقة كبيرة أن يقرأ أحدنا بعين غيره، ويعيش أعمى القلب، ما بقي حياً.
إنها لمفارقة كبيرة أن يرى أحدنا في مصيبة غيره بشارة له، وهو لا ينفك يدعو إلى محبة الآخرين قياماً وقعوداً.
إنها لمفارقة كبيرة أن يكون أحدهم كاتباً ويعيش داخله نمس صغير يرافقه في كل مكان.
إنها لمفارقة كبيرة أن نكون دعاة مجتمع مثالي، وثمة من يكثِرون بيننا من زرع الزؤان في زرع بعضناً بعضاً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…