تراجيديا الكرد في رواية «الزلزال»

 
زارا صالح 
 
يحاول الكاتب والشاعر ريبر هبون من خلال تجربته الأولى في حقل الرواية تسليط الضوء على مآسي الكرد ومعاناتهم عبر مقاربة “الزلزال” الذي يحمل عنوان الرواية كتعبير عن حجم الظلم والقمع الذي يتعرض له هذا الشعب في مختلف أجزاء وطنه المحتل كردستان وحتى في المصائب والكوارث الطبيعية. حيث تبدأ احداث الرواية التي تقع في 216 صفحة والصادرة عن دار لوتس للنشر الحر عام 2023 ، منذ بداية الزلزال الذي حدث قبل حوالي سنة في مناطق تركية وسورية وتحديدا جنديرس، دياربكر، أورفا إضافة إلى مدن أخرى.  
دلالات العنوان المختار ونتائجها الكارثية كظاهرة طبيعية يسقطها هنا المؤلف على واقع الحياة، خاصة فيما يخص الكرد، مستندا على حدث الزلزال عبر شخصيات الرواية مثل بيكس، لزكين ، رونيا، اينور، أبو بروسك ومن ثم ربط ذلك مع ما حصل في سوريا منذ عام 2011 وحتى قبل ذلك في ظل حكم البعث. 
الزلزال الذي ضرب المنطقة بصعود التنظيمات المتطرفة مثل داعش ومستنسخاتها من فصائل المعارضة السورية بعد احتلال تركيا لمدن سورية وكردية مثل عفرين وسريه كأنيه وكري سبي وعمليات التهجير والتغيير الديموغرافي التي تحدث هناك وممارسات هذه الميليشيات التكفيرية بحق الكرد. يحاول الكاتب من خلال فصول الرواية وشخصياتها المتعددة نقل حجم تلك الانتهاكات والمعانات، حيث يعثر بيكس الذي ينحدر من مدينة سريه كانيه المحتلة ويعيش في أورفا ونجا من الزلزال. يعثر على رسائل عشق تحت الأنقاض كان قد كتبها لزكين( الذي قضى تحت الأنقاض في تركيا) لحبيبته رونيا من عفرين والتي كانت تعيش زلزالا يوميا في سجون فصائل المعارضة في عفرين( تعذيب واغتصاب) . إضافة إلى ذلك يستحضر الكاتب نفس المعاناة والزلزال في الجزء الشمالي من كردستان على لسان ابطال اخرين من الرواية ( أوسمان آمدي، زيلان، ميران) وكذلك ربط ذلك الواقع تاريخيا بسياسة تركيا الممنهجة والمجازر المرتكبة ضد الكرد وصولا إلى الزلزال الأخير وممارسات الميليشيات المتطرفة التابعة لها. 
ينجح الكاتب بسرده الروائي وشخصياته في ازمنة وأمكنة متعددة في إظهار حجم ذلك الزلزال السياسي وآثاره على المجتمع السوري وبشكل خاص على الكرد. فمثلا كوباني كانت حاضرة بلسان شخصية روغيان الذي نجا بأعجوبة من مدارس داعش الشرعية بعد اعتقاله وهو في طريقه إلى حلب لتقديم امتحانات الثانوية ، ثم ينجو من موت محقق بعد رحلة قارب الموت في البحر المتوسط الذي يتعرض للغرق على السواحل اليونانية، معاناة المهاجرين وممارسات مهربي البشر، موضوع آخر في سياق الرواية وفصولها. 
الزلزال، رواية واقعية ذو خلفية تاريخيّة واحداث قريبة جرت في المنطقة، إضافة إلى طابعها السياسي بحكم الأحداث والخلفيات التاريخية وربطها بأنظمة وجماعات حكما، سلطة وممارسة، عدا عن ذلك هناك بعض الصور الشعرية الجميلة يستحضرها الكاتب في سياق السرد، وهذا يبدو واضحا بحكم خلفية واهتمامات المؤلف الشعرية كتابة باللغة العربية والكردية. هنا الطابع السياسي للرواية قد يكون تعبير عن حالة معاشة طبيعيا لايمكن فصله عن الواقع وما يحدث اليوم وماحصل في السابق. الملاحظ ايضاً من خلال قراءتي للرواية هو تكرار مرور بعض الأحكام القطعية من قبل المؤلف، وهذا أحيانا قد لا يترك الكثير من المساحة لخيارات وتفكير القارئ في استقراء الحكم فيما بعد. وبحكم التجربة ألأولى، حاول المؤلف طرح الكثير من القضايا والأفكار خلال كتاب واحد وهذا ما بدا واضحا عبر فصول الرواية والتي يمكن كتابة قصة بذاتها في كل فصل، قد تؤخذ هذه الملاحظة بعين الاعتبار من قبل الصديق ريبر في أعمال مستقبلية. 
هذه قراءة مختصرة وسريعة لرواية “الزلزال ” وطبعا لم تكن كافية لإعطاء الرواية حقها، لكنها تعبير عن وجهة نظر وقراءة من قبلي كقارئ فقط وليس كناقد أدبي الذين بدورهم يستطيعون قراءة وتقييم الرواية برؤية نقدية أدبية مختلفة. 
بالتوفيق للكاتب والصديق ريبر في أعماله الأدبية القادمة.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…