.
غريب ملا زلال
لا أعرف لماذا قفز إلى ذاكرتي رياض صالح الحسين و أنا أقرأ نبأ رحيل الفنان التشكيلي الكردي السوري الشاب محمود مجدل، ربما رحيلهما المبكر و هما في أوج بحثهما عن منعطف ما في مسار إبداعهما فرياض رحل دون أن يدق باب الثلاثين و مجدل دقها مجدداً، و ربما لأن كل منهما كان صاحب مشروع إبداعي فرياض أعتبر فيما بعد من أهم شعراء قصيدة النثر و فعل فعله و ما يزال فهو حاضر بعذوبة الضوء و بقوة العشق، و هل سيتحول مجول إلى رياض صالح في الفن التشكيلي و يتم تفجير البؤر التي زرعها في فضاءاته، فمجدل اشتغل بحساسية جديدة لا تقتصر على إشتقاقات دلالية خفية بل يتداولها أيضاً و على نحو أخص حين يتعرف و يعرفنا معه على أنساق تصبح أداة لتوليد أنساق أخرى و تأويلها بالإستعانة بعلامات تحديد عناصر هذا التأويل، إشتغل مجدل بحساسية تمهد لخلق خطاب مشتق بدوره من النوتات الموسيقية وهذا قد يعود إلى إهتمام مجدل بالموسيقا فزاوج بينها و بين أعماله التشكيلية،
حساسية تقترب من حساسية الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز و الأرجنتيني خورخي لويس بورخريس في الأدب، حساسية جديدة فيها إنعكاسات عميقة لتجربة ستتمخض لاحقاً عن ضوء حلمه الذي تركه كشظايا في أعماله، تلك الأعمال التي إنغمس بدورها في ذلك الحلم بإنعكاسات لا تخضع لوحدة الحس بل تسترجع الذات بتعبير جمالي معرفي كإنعكاسات عتامة البني بكثافة تبديدالظلمات برشقات ثخينة تبعثرها مع الهواء المحيط بتألق فيه وميض اللهب الموصوف كالماء في الضباب، و كإنعكاسات ظلال الأخضر بتمفصلاته الغيمية ( نسبة إلى الغيوم ) التي ستهطل لاحقاً بأسئلة تؤدي إلى رصد المجال و جذب التوازن إليه بتصورات تتحرك ضمن عالم سيميائي فيه يمكن القبض على غيوم مجدل قبل هطولها فهو يزيل لمعان اللون كونه وأقصد اللون مولّد حي يرفض البريق إن لم يكن لإكساب الحالة الجمالية بوصفها الحد الفاصل بين إرتداد الضوء بأشكاله المختلفة دون أي إضمحلال في تحويلات الدلالة في عالمه، و دون أي تعديلات في فضائه التوتري الذي يحتضن جلّ تجلياته الحسية كمعيار قيمي معرفي جمالي، كما أن مجول يدرك بعمق أن للضوء قوام عال في العمل الفني و يفعل فعله في الإدراك الحسي بإنبهار وهذا يمهد لخلق طاقة قوية و شديدة لها دورها في تنظيم السرعة الإيقاعية في عملية بنائه الفني . و هذا يجعلني أعيد لأقول هل سيكون لمجول بعد هذا الرحيل الأسرع شأن تمايزي في الشارع التشكيلي كما كان لرياض صالح الحسين بعد رحيله في الشارع الأدبي، نترك ذلك للقادمات من الأيام .