سليم بركات ووعده المؤجَّل.. قراءة في شذرات كتابه «تأليبُ المعاني على أصولها، وتصعيد المَطَالب بحقوق النثْر»

إبراهيم محمود 
في المكاشفة وتابعها
سليم بركات كاتب الشعر والرواية ومقالات لها صبغة توأمية بينهما، بذيوع صيته، يسعى في كتبه، في نصوصه النثرية إلى أن يكون كماً وافراً لا يحاط به من الوجوه التي تختلف عن بعضها بعضاً، تعرّف بهندستها الإبداعية من معين روحي ربما لا يشبهه سواه، ربما هو نفسه لا يستطيع حصر هذا الاختلاف، وإلا لعرفَ حدود تحركاته، في آفاقه الكتابية، ومارس ضبطاً لمعانيه، وهو ما يستحيل البت فيه، حتى من لدنه، حين يمضي – كعادته اللاعادة في تنوع أبعادها- في كل عمل له، إلى تقديم ما يميّزه عما كان عليه، ربما هو رهانه مع نفسه، ربما هو هاجسه البحثي عما هو ضال في مقدوره، يرشده بطريقته إلى سبيل هداية ما. فاللغة التي تستحوذ على ملكة التخيل لديه، سرعان ما تتراجع ليكون هو المتحكم، من جهة بنائها الفني، ببوصلتها، كما لو أنها سعيدة بـ” فتاها” هذا، ولا غرابة في ذلك إزاء هذا الوله باللغة وما هو في حكم الميت أو المواد ألفاظاً منسية كثيراً، يمرّر عليها ” راحة ” خياله، ليمنحها حضوراً، ليؤكد أن ما يموت ليس ما هو لغوي إنما كائنه.
بركات، في اهتمامه بهذا المغاير اللغوي، أشبه ما يكون بـ” صانع ألعاب لغوية ” محوّل ما هو مهمل أو متنحى أو مهمش جانباً إلى ما يجعله جديراً للنظر إليه في الواجهة، وملؤه توق إلى الذي يعدُ نفسه، كلّيته، به، دون بلوغه، وهو ما لا يريد تلمّسه، ما كان يتنفس حياة هنا وهناك.
في شذراته، أو كتابه الشذراتي اعتباراً(تأليبُ المعاني على أصولها، وتصعيد المَطَالب بحقوق النثْر )” 1 ” يعزّز هذا  الشغف اللغوي المتحوَّل في مخاضه المستمر الذي يترجم تلك الإرادة داخله تحولياً، وفي مسعاه: ردم الحدود المتراسية والتليدة بين المصنَّف شعراً، والمؤطَّر نثراً، كما هو المتوخى أو الممكن تبيّنه عميقاً في عنوان الكتاب الذي لا يخفي طوله، كما لو أننا إزاء عنوانين: تأليب المعاني على أصولها. وما يمكن أن تكونه أصولها، وما إذا كان هناك مثل هذا التمثيل الفعلي لمفردة ” الأصول “، و: تصعيد المطالب بحقوق النثر. أربع كلمات مقابل أربع، وما في السياق من تحريض ملموس، ودعوة إلى عصيان مثمّن موعود بما لم يعرَف محتواه، وتسويغ جانب العصيان” العقوق: أبوياً “، وفي الشق الثاني، تكون الحالة قائمة في مفهوم ” تصعيد المطالب “. عنف يواجه عنفاً
ذلك يذكّر بكتابه القديم بطابعه المقلاتي( التعجيل في قروض النثر ).
سوى أن الذي يتقدم به كتابه هذا، مغاير كل المغايرة، كما يمكنني القول، وكما هو المفصَح عنه في تلك السرديات المتقطعة والداخلة في شباك بعضها بعضاً، أي خاصية الشذرات البركاتية، بدمغتها التأملية أو الحِكَمية أو حتى المواعظية، من النوع المختلف عما هو منبري، بنفاذ صورتها وودلالة الصورة ، وتباين الصور في درجة الوضوح والغموض، الجدة والمعهود لديه بنسبة ما . 
الكتاب في ” 18 قسم ” لكل قسم عنوان مختلف بموضوعه” عناوين متحابة ضمناً لبعضهاً بعضاً. ربما خلان وفاء الكاتب في الربط الحميم فيما بينها”، وهو حامل مجموعة من الشذرات التي تختلف من قسم إلى آخر جهة المساحة وكثافة الشذرة، بين كلمات عدة، وسطور عدة، تبعاً للقسم نفسه، وعلى صعيد الخطاب الموجه، بين المتكلم المخاطب، والغائب، وإسناد القول إلى الحيادي..
دون أن يعني ذلك تمفصلاً كلياً بين مدخلات كل قسم والبقية.
أي إن العناوين لا تخفي حدودها المفتوحة على بعضها بعضاً، ولا مأثور شذرتها قرابةً، وما في هذا التنوع والتداخل من إمكان سبْر نوعية العلاقة، والثغرات القائمة نفسها في بنية العبارة وجدتها.
جهة الأقسام
بعيداً عن خاصية الاستعراض لعناوين الكتاب، أِشير إلى بعض منها:
ق1: مناعة المشي على الأرض
ق2:من أبرم عقد الله مع القلم، وزج بالحبر في المآزق؟
ق5: أسبوع حافل: أيها العنف المسالم
ق7: سأُعدُّ إفطاراً هذا الصباح للحريق المشرَّد
ق 10: كلمات تتجنب النظرَ إلى عيون المعاني
ق13:آخر وصْف وحشيّ
ق16: هكذا أفهم نفسي
ق18: ضبط النفس 
ومن ذلك ما ورد في سياق الأول:
ضع الكرة ركلاً بقدمك في مرمى إله،
وقوَّض مرماك إن إرجع الكرةَ إليك ركلاً بأقدام قدّيسيه ” ص5 “
الدموع براءة اختراع ” ص 6 “
في سياق الثاني:
حين تستيقظ صباحاً أيقظ الصباح معك .” ص 15 “
الأفران أخبار نارية ” ص 17 “
كل وضوح مرهَق من وضوحه ” ص 21″
في سياق الخامس:
السيء والأسوأ كلاهما رتبتان بحقوق كاملة، متساوية، إن استؤجِرا لحماية كل حق ” ص 36 “
تقدَّمَ في السن حتى خرج منه ” ص 40 “
في سياق السابع:
خذني ، أيها الدليل، في جولة على ما تبقَّى مني .” ص 55 “
الأجيال حماقة زمنية ” ص 59 “
سأعدُّ إفطاراً هذا الصباح للحريق المشرد ” ص 60 ” وهي تمثل عنوان القسم أيضاً، كما رأينا.
في سياق الثالث عشر:
سيدخلون التاريخ من ثقب فيه نُسي إغلاقه بالشمع ” ص 113 “
الشكل غلاف المحتوى ” ص 114 “
في سياق الثامن عشر:
أريني حدائقك ِ،
أركِ المداخل إليها . ” ص 146 “
أعطني شاحنة،
وخذ منّي الطرق كلها . ” ص 150 “
قلبٌ يرى بعينيْ حوت قلب بحريّ .” ص153 “
أرى أن قارئه الذي يكون على بيّنة من لعبة اللغة لديه، وهي منسوبة إلى طيات أقسامها، وكيف وردت في جملها الفعلية والاسمية، ومحتواها، يمكنه أن يتلمس فيها تلك النزعة القائمة لديه مذ ظهر لافتاً بصنعته في الكتابة( منذ عام 1973 ) مع ” كل داخل سيهتف لأجلي، وكل خارج أيضاً “. هذه النزعة ليست مجرد هاجس نفسي، أو عارض تخيلي، إنما ” مشَغل ” تخيلي متعوب عليه، إن جاز التعبير، وثمة إرادة وعي في تأكيد هذا التنوع ما أمكنه ذلك، وما في ذلك من إبقاء أو استبقاء تلك العلاقة مع ما كان جهة الصياغة، أو طابع أسلوبي معين في صوغ العبارة، تحت وطأة فتنة، أو غواية، حمّى التأثر بسطوة المتنفّذ في القول، وما يوسّع في حدوده بالمقابل، كما الحال هنا .
ما له طابع جنسي
أراهنك أن تلك المرأة لن تخلع بنطالها في السرير، قبل أن يتعرى السريرُ من ماضي صريره. ” ص7 “
الشفاه متشابهات. شغف التقبيل يخلق اختلافَها الفريدَ ” ص 15 “
من اغتصب الكاهنة، فأولَدها نسلاً من لُقطاء الرؤيا ؟ ” ص 63 “
الأرض. السماء: مؤنثتان في لغات، ومذكرتان في لغات، لكن لم يهتد أحد إلى محجوبهما في المعاني المفتضحة: إنهما اغتَصَبتا في التذكير، واغتُصبتا في التأنيث ..”ص 70 “
يمكن لهذه الصيغ التعبيرية أن تكون تأكيداً على مدى حرص بركات على كيفية الزج بأكبر قدر ممكن من التصورات ذات المرجعية الجنسانية، والتي تتميز بمكانتها في الحياة اليومية، في سياقات كهذه، لما لها من مكانة واعتبار ودلالة، إنما من الزاوية التي يلمّح إليها طبعاً، وهو المأثور الذي نشهد له حضوراً في جل كتبه، والشعرية منها على وجه الخصوص .
بالطريقة هذه يمحوّر الجنس ككلمة ما هو مفهوم ومشتمل على لائحة كبرى من المؤثرات نافذة الأثر في الجسد، وفي تكوين صور لامتناهية عنه، تمد به إلى ما وراء ” الغيب ” دينياً بالذات. ولتكون المرأة التي التي لم يدّخر بركات جهداً، في تنويع طرق تمثيلها فنياً شعراً ونثراً.
إنه يصوغ فكرته في قالب أمثولي، أو مثل مستحدث لا يخفي طانباً انقلابياً على السائد، تنبيهاً إلى أن هناك ما يستقر خطأ ونقيصة، وما ينبغي النظر في الجهة التي يتمثل فيها الصواب أكثر.
إنه البحث عن جسد محرر من ” تابواته ” الجسد الموجَّه بتعليمات أو نواه ذكورية قولاً وفعلاً.
ما يمكن اعتباره امتداداً لما سبق
هنا أستطيع التأكيد أن ليس من جديد بالكامل، مهما أفصح الكاتب عن تلك النزعة بأن ما أتى به نسيج وحده” هذه العبارة كثيرة التداول”، ربما كان في هذا بداهة، لمن يكون على بيّنة من بنية اللغة وتاريخها وشبكة علاقاتها الاجتماعية ونوعية سريان فعل الحياة في مسالكها وغيرها، إنما ثمة ما يجري التكتم عليه أو عليه، لأسباب ذات صلة بطبيعة المجتمع المحكوم أحادياً.
بركات ، لديه ذخيرة حية مما هو جديد ومستجد، لكنه في كل جديد له هنا، جهة المنشور الأدبي: الروائي، الشعري، المقالي، لا يطعّمه بما هو مغاير، وإنما يداخل نصه ما كان مأثوراً سابقاً بنسَب متفاوتة من نص إلى آخر، وأرى أن قارئه الفعلي، يسهل عليه التقاط هذه العلاقات، من خلال معرفته، بأسلوب الكتابة لديه، إنما أيضاً حتى طريقة تخيله، واستدعائه لكلمات دون أخرى لذلك.
ذلك ما يمكن إيراده بصدد هذا الجانب، مما يشغل الذاكرة الأدبية هذه المرة، كما في :
الحياة حيلة، والهذيان مخرج عقلاني . ” ص 15 “
الأفران أخبار نارية . ” ص 17 “
صنبور من التاريخ ليس صنبور ماء ” ص 83 “
المعضلة لا تزور بل تزار . ” ص 133 “
والأهم ما يكون في خاصية التكرار للمفردة الواحدة، وهي سمة يعرَف بها نص بركات كثيراً:
يا لآدم.
يا لطفولة الطين،
وصِبا الطين،
والموت الطين . ” ص 24 ” 
تنظيمٌ شيطاني:
حلوى قُطنية،
وحلوى هُلام،
وحلوى زئبق،
وحلوى كأحزاب ربيع في خريفه . ” ص 41 “
عُضَّ كلَّ يد أطعمتك. ما همَّ؟:
حياةٌ عضٌّ.
موت عض.
قيامة عض.
قيامة وثواب عضٌّ بأسنان كأسنان الكلب . ” ص 127 “
إزاء هذا التكرار، يكون للمعنى دور آخر، بالتأكيد، إنما الإشارة تسمّي ما هو مألوف في الذاكرة الكتابية لبركات، في لاوعيه، وما عليه جنس تخيله، في اعتماد ما بات مأهولاً به نصياً، إلى درجة الإكثار من هذه المفردة الواحدة أو تلك، ولا أسهل من قراءتها في نصوصه الشعرية وغيرها ” 2 “.
في كل تأكيد ثمة ما يفصح عن خلل مستمر، عن تصدع قائم لا يُنتبَه إليه، يجلوه بركات بأسلوبه.
وما لكل ذلك من بنية استجابة لمكنونه النفسي، ورغبته في الدفع بكل ذلك على الورق .
ما يكون بينيَّاً ” حالة وسط “
إنها نوعية أخرى من العلاقات التي يحرص بركات، كما يبدو على إبرازها في لعبة المتناقضات الحياتية لديه، أو كما يتصورها هو بالذات، شعوراً منه أنه بذلك يشغل جهة أخرى في التفكير، وفيما هو مأخوذ به في الحياة، واللغة هي التي تتولى باسمها ما يرغب في تسميته. من ذلك:
الجنون مريد العظمة الوفي. ” ص 16 “
أقسم بالظلام، أيها النور الواشي. ” ص 20 “
الفلسفة كمين المنتقم من المنتقمين. ” ص 80 “
الجذور طيش، 
والسماد صلاح أخلاقها. ” ص 134 “
أشير هنا إلى أنني لا أريد الدخول في علاقة حوارية مع نص الكاتب بما هو تفسيري، أو إقرار حالة تفسير، بوصفها المحدّد المعرفي أو الدلالي لقول له هنا أو هناك، وإنما ما يمكن التوقف عنده، وأفق المثار دلالياً من خلاله، وتلك الهجنة في التركيب المعمول به في نصه، أي التقاط الطرافة في كتابة العبارة بفصرها، أو طولها النسبي، وطبيعة المسافة بين الواحدة والأخرى في هذا الجانب.
على سبيل المقال/ التقابل الضدي بين الظلام والنور، وما يحرّر النور من خاصيته المستقلة، لحظة توصيفه بالواشي، وما ينحّيه في صفته المعهودة جانباً. ذلك مختلف مع ” الجذور طيش ” وما يلي ذلك لحظة قراءة المضيء للقول غير المنتهي طبعاً: صلة السماد ، كمادة ذات صلة بالزراعة، بالأرض، وما يخرج القول عما هو زراعي إلى ما هو ثقافي، كخاصية استعارية بالتأكيد.
مفارقات، وهي متنوعة، وكثيرة
حيث يكون في مقدور القارىء تلمُّس هذا الشغف المولّع في تخيله بالمفارقات ومخاض فعلها، والمؤتى من كل ذلك، على مستوى التخيل، وكيفية رسّو معانيه المتعددة على حد الممكن توصيفه:
أغروب أمَّة هذا؟
متى كان شروقها ؟ ” ص6 “
الثعلب شكل روحاني للقفص الذي سيقيم فيه الغراب. ” ص 7 “.
الظلام محايد. النور غيرُ محايد . ” ص 17 “
من تُصبْه الطلقة يكن متواطئاً معها . ” ص 19 “
الجدار الذي يمكن فتحه يصير باباً ” ص 56 “
الفلسفة مناعة ناقصة،
والفقر سموم. ” ص128 “
ذلٌّ يغتفر ذلَّك أيها الحق:
ولدتَ هزيلاً .” ص 151 “
مطلوب ضبطُ عقارب الساعات على توقيت واحد،
وضبط القتل على توقيت واحد،
وضبط الإيمان على توقيت واحد،
وضبط الهول على توقيت واحد لإطلاقه ضارياً.
لكن يلزمنا، قبل ذلك بقليل، ضبط النفس . ” ص 156 ” 
يمكن إجراء التقابل بين كلمة وأخرى، حيث تمارسان دورين مختلفين، ودوراً واحداً على صعيد المعنى المسمى في متخيل الكاتب، وما يمكن لقارئه أن يعثر عليه بطريقته، وما في هذه القراءة من لعبة قائمة بين كتابة بركات وقراءة المعني بها هنا، وإلى أي درجة يمكن فتح ” أكثر من محضر ضبط دلالي ” أو المساءلة حول مدى نجاعة التمثيل الصرفي للقول ونوعية صوغه، ليكون له مثل هذا الحصاد في الممكن استنتاجه أو اكتشافه بالمقابل.
مثلاً، جهة الربط بين مفهوم ” الفلسفة ” وخاصية وضعها في نطاق ” مناعة ناقصة ” كاجتهاد، ومدى صواب القول وإلى أي مدى يجوز النظر مع الكاتب فيما أتى به، وهو ما يضاء به قوله لحظة النظر في ” الفقر سموم “، حيث يمكن تفهم العبارة الأخيرة، بصورة أسهل، خلاف الأولى، انطلاقاً من الحمولة المعرفية والمركَّبة كثيراً في بنية ” الفلسفة “.
في هذا الصدد، ماذا يحصل لو قلت هكذا عكسياً: الفقر مناعة ناقصة- والفلسفة سموم ؟ ربما أجدني إزاء مكاشفة لا تخفي حيويتها وجدّتها، وقابليتها لإثارة أكثر من سؤال جهة التقابل..؟
وفي المثال الأخير، وهو الأخير في الكتاب، ويتميز بطوله النسبي مقارنة ببقيَّة الأقوال الواردة، نجد أن كل ما تكرر جهة الضبط وجد مستقراً له، وما يحدد قيمته ونوعه الرمزي بـ” ضبط النفس “، كما لو أن ” ضبط النفس ” هو المشرحة هنا، وهو المختبير الاعتباري لكل ما تقدَّم .
مختارات للنظر
هنا وجدتني متوقفاً عند شذرات لا تكف عن التنبيه إلى بدعة بركات في التخيل اللغوي.
المتعة تسمى هنا، والغرابة لا تفارقها. وكل متعة معنية بتسمية نسبة غرابة في ” عجينتها ” بغية التعرف على ” خميرة ” المتوخى فنياً، وقابلية الديمومة في الأثر.
تكون الشذرات بالطريقة هذه، مكوّنة لجمهرة حيوات ذات نسب واحد، واسع الطيف، موشوري، جهة المتابعة لبنية الفضاء المفتوح على صعيد
 الحوار، والممكن تبينه دون تأطير معين.
أورد أمثلة مما تقدم:
من تدفن الأخرى أولاً:
السماء أم الأرض ؟ “ص11 “
الاستعانة بالحكمة في المآزق خيار يائس . ” ص 12 “
السؤال قفاز،
والجواب يدٌ ترتدي القفاز. ” ص 29 “
الموتى جيّدون كدروع ” ص 63 “
أوسع المقابر الجماعية يمتد أميالاً في سطر من الشّعر. ” ص 76 “
الركض جيّد فوق هذا الجمر،
بقلب انتعلته في قدميك. ” ص 99 “
لا هوية لأحد بلا خوف ” ص 129 “
قيّدوه إلى جذع الشجرة المنحنية،
كم قيَّدَ الحياة إلى جذعة المنحني . ” ص 152 “
من المؤكد أن الأمثلة كثيرة في كل منحى كتابي، وطيّ العناوين الفرعية، وما جرى إيراده بغية رغبة اكتشاف ومكاشفة للعبة اللغة والكتابة لدى بركات، وفي الجانب الآخر، ما يبقي الحدود مفتوحة، حيث يتم رفع العناوين” الأقسام ” لنشهد توافد شذرات من هنا وهناك إلى جهات أخرى، دون أن يفقد الكتاب فنيته، أو ما جرى ترتيبه بركاتياً. ثمة ما يتخيله الكاتب، وثمة ما يبقى طريد تخيله، وثمة ما يبقى غير مسمى، وما يمكن دفعه في خانة ” مثار الشبهة المعرفية كذلك” أو حتى ما لم يدقق فيه الكاتب إلا بناء على تصورات نفسية، ووقتية ونفسية كذلك، إذا حاولنا النظر في النفس، وكما خصص هو نفسه قسمان ” 16-18 ” لذلك، وفتنها في تلوين المقصد ومهبط القول والمراد منه، وبركات ليس خارج نطاق هذا الملعوب القولي وثغراته، إن جاز التعبير” ضبط نفسه ” الذي ينسّبه إلى من حوله، ويمنحه حضوراً آخر، جهة القول المنتقى، القول الفني، بالمقابل .
وما يترتب على كل ذلك من تأليب لاحق على تأليبه، وتصعيد ماض يخص تصعيده، وما في كل ذلك من إثراء للغة عينها، وقد تحررت من كل تسوير وصفي وسواه لها. 
وثمة ملاحظة
في الشذرات: الأقوال التي جرى نسخها ووضعها على الغلاف الخارجي للكتاب” بتوجيه منه أم ممن أخرجوا الكتاب؟” وهي ” 15 ” شذرة، تكاد تمثل جل أقسام الكتاب، تفصح عما هو متنوع، وما يمكن الاستئثار به، وقعاً ودفعاً للمأثور الجمالي إلى أبعد مدى له، ودون ترتيب في الاقتباس، لحظة الربط بين ورود الشذرة وموقعها في الكتاب.
إلى جانب تغيير أحدها:
حين أُبرِمُ عَقْدَ الله مع القلم زُجَّ بالحبر في المأزق ” ص 21 “
في ظاهرالغلاف، بصيغة استفهام: من أبرمَ عقد الله مع القلم، وزج بالحبر في المأزق؟ 
الكتاب سيستمر في نسج ما يغايره، مادام قائماً على مغامرة المغايرة وبدعة الفن تخيلاً وتسطيراً.
هل أقول: كتاب بركات يظل يستدعي آتيه، بمقدار ما يحمّل نفسه ما تستطيع حمْله، ليكون في كل مرة بركات الذي لم يعهده من قبل، وبركات الذي يكونه في آن، ليعيش متعة مفارقاته البركاتية!
هوذا حقه في التخيل والكتابة، ولقارئه حق آخر، في قراءة بركات،من موقع المغايرة، دونها لا الكاتب يكون موجوداً ، ولا قارئه موجوداً بالمقابل..!
إشارتان
1-سليم بركات: تأليبُ المعاني على أصولها، وتصعيد المَطَالب بحقوق النثْر، المؤسسة العربية، بيروت، ط1، 2024، وأرقام صفحات الكتاب تردُ في المتن، للإيجاز .
2-مثلاً، يمكن تبيّن ذلك في المجموعات التالية:
السَّيل،2011- الغزلية الكبرى، 2016- مغانم الرياضيين والتعاليم كمَا التزَموها، 2019-تنديد روحاني،2022…إلخ

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…