إبراهيم محمود
كلما مددتُ يدي المسكوبة بالحسرة إلى وردة تضج عطراً في حديقتك المقدامة
تعبس جدرانها في وجه المتاح لي محاولةً سحبَ الأرض معها إليها وهي تزبد
يرميني القمر بسياط من جليد محاولاً بدوره جرَّ السماء إليه وهو يزفر زمهريراً
ينذرني الهواء نفسه إن تماديت إلى حد اتهامي بالعصيان وإخضاعي لحكمة العواصف السالخة
وهذه ستأتي على كل نفس لي، ولن تدعني إلا وأنا جسد صفصف كوني أشهرتُ اسمك ِ الفارع الدلالة
وسيؤلب الهواء خطاي علي وهي تندم على مشاركتها لي في شعوري المخيَّم باسمك
أي مسافة هذه التي تعلّق الرغبة في مشنقة المحظور وهي تتقاسمنا في كلّيتنا نهبَ حصار عار ٍ؟
لو.. لو كانت المسافة رقعة لأخضعتُها للقياس وعلَّمتُها كيف تحفظ اسمينا رغم أنف صخرة الزمن
كلما تمنيت القليل من خميرة ضحكتك ذات النشاء المرئي
لتصبح عجينة روحي أكثر قابلية للنضج النموذجي في تنور الرغبة
داهمتني حقولٌ من شوق وأغبرة جائحة لإفساد خيالي المعنّى بفيض جنوحك الأنثوي
هددني رمادُ المكان بالمزيد من الويل والثبور العائليين طوعَ الذاكرة المعممة
بقلب التنور على هامتي لإفقادي حتى رؤيتي المتواضعة لغوايتك المديدة كغابة جلجامش
وحرماني من ساعة دفعت عليها سنوات من عمري مقدَّماً
أي مسافة هذه التي تصيّر أفقَ الرؤية سراباً معمِياً جهات المكان الذي يهمنا أمره؟
لو.. لو كانت المسافة فضاء لألحقته للملامسة وأسرْت له كيف يحمي ظلنا من البلى عالياً
كلما أمعنتُ النظر في تفاح المشهد الذي يتهجى وجهك وكامل طولك تدريجياً
تنبسط بحيرة توقي إلى قاعك الحميم تاركة شطآنها لقنص الآخذين بركام ما كان
تهافتت علي نجوم محنطة تنز روائح تسمم أفق ماض ومثله آت ٍ كثيراً
أشعل جليدُ المكان ناره الزلقة في بؤرة خيالي وأجفل حلمي المرتجى قبل لحظة نومي
وآزره حمأُ اللغة المعمرة بالمزيد من تأليب حجارة النهر الموقوف لرجم قلبي الذاهل عما يجري
أي مسافة هذه التي تجعل الأرض صفيحة ملتهبة يكتوي بامتدادها ظلٌّ من بقية عمر مرتعش لنا؟
لو… لو كانت المسافة ناراً لفركتُها في أذنها لتتوسل مطلبنا وتقينا من كل برْد مسبَّح باسمه هنا وهناك
كلما هززتُ المكان الذي يضمني إليه علّي أظفر برقعة حانية منه لأمل يقدّمني لشجرة متوقفة عليك ِ
تفتحت صدوع من صيحات جماعية تكبّر دفعاً لشرور قلب مشرّع لقمر يرصد أصداء أصواتهم المعكوسة
استغرقني صدأُ الزمن الناطق بأسماء القيمين على يباب يكتم للعشب أنفاسه ويقايض روحه برشفة ماء
لتجني الساعة نفسها على خطاي بدقاتها المراوحة في المكان بإمرة مسالك لا منافذ لها
لا وردة في منعطف أي منها يدل على هواء صحي أو ماء يعدُ الروح الكليلة بمسكّن راحة ما
أي مسافة هذه التي تخرق المكان بوهْم لنفيه عن اسمه وتبئيس المسافة إلى أجل غير مسمى يخصنا؟
لو…لو كانت المسافة رقْية لنسفتُ شؤمها وأنذرتها بما لا يسر إن لم ترفع عنا شرها المستطير
كلما نشطتُ قلمي غامساً إياه في محبرة تسمّينا معاً لأحفر كتابة اسمها في روزنامة لمّ شملنا
أجهزوا على المحبرة عابثين بحبرها، لئلا يكون هناك اسم يضمن استمرار تدفق نبع زلال فينا
ليستحيل ورق المكان إلى سجل تحفظ الذاكرة عبرها وجهتها وتشدنا إليها في ليل بهيم مباغت
وأبقوا القلم في وضعية الحائر في أمره وهو يلتقط أنفاسه التي توشك على النفاذ والمحبرة غليان
والتاريخ إلزام بالصمت وسط سريان الزمان خواء في عراء الجغرافية السحيق
لا نقطة من حبر تُقدَّم لقلم أقضه انتظار واجم، ليصلح ما بين الزمان واسمه وبيننا معاً
أي مسافة هذه التي وُضعت تحت العناية الجبرية ، مجرّدة من وجهها ممحوة من علاماتنا الفارقة فيها؟
لو.. لو كانت المسافة أثراً لأعملتُ فيه حفْراً حتى أفصله عن قاعه لأودعه آتينا المشترك
كلما باعدت بين يدي ويدي علّي أؤمّن لنفسي مساراً إلى أفق رغبتنا العالقة في زمن من بخور ماكر
ارتجت أرض ذاكرتهم المعتمدة تحت وقْع جسدي الذي أدمن هواهم طويلاً فتنكروا لوجهه
كان عليهم في الحالة هذه أن يستعينوا بالرقى والجهات المسجلة في ذمة الرجال الجوّف
كي يسقطوا عني كل انتماء لغصن نابت فيّ يسمّي شجرة فيهم بمنشار قطيعة لم تعرف الابتسامة لحظة
ويحرموني من عمري الذي نسجته بطيف الينابيع والتربة الناعمة لأرض أنقذتها من مواتها فيهم
لئلا يمكّنوا هذا الذي ينبض داخلي من ملاقاة وردة تبتزها عتباتهم الفخاخية منذ طويل زمان
أي مسافة هذه التي أقصت نفسَها عنا باسم شرعة مسابح عمياء تستبد بحاملها الزمني دون حساب؟
لو… لو كانت المسافة قانوناً لأثرتُ عليه بلاداً، وصفْرته ليكون تلاقينا بنده الأول شرط بقائه