دايكا ردة حسين دوشى إلى جنَّة الخلْد

إبراهيم محمود

وها هي دايكا ردة حسين دوشى ” 1939—2024 ” ترحل بدورها رحيلها الأبدي، في أول النصف الثاني من ليل الاثنين ” 5-2/ 2024 “، ترحل كغيرها، وسيرحل غيرها مثلها، ووهي في عمر متقدم نسبياً ” 85 سنة “، سوى أن العبْرة المعتبَرة ليست في رحيلها، أو في عمرها، وإنما في أن دايكا ردة، ليست كأي اسم كان، كأي ردة في محيطها، وقبلها، ممن كنا نعرفهن بأسمائهن، إنما كانت الإنسانة الطيّوبة، الحيية، الوسيمة، والسخية بروحها في بيتها ومع أهلها وأقربائها صحبة زوجها الطيب الذكر الحاج حسين خلف ” 1934 – …”، الإنسانة الكردية، أم نصف دزينة من الذكور الطيبين، وابنة في صفهم، وهم شهود بطيبهم على طيب الشجرة التي ينتمون إليها. امرأة كردية، وأم من تقدموا في العمر نسبياً وهم بطيب معشرهم، وحين يؤتى على ذكرها تكون ” دايى، دايكا ردة ” تعبيراً عن سماحتها، وحسن جيرتها مع من حولها، وهي تضفي على لباسها الكردي، وسحنتها الكردية مسحة من الجمال الطبيعي والمختلف.
يا لجلَد دايكا ردة وقد عانت ما عانت في مكابدة علّتها، وقد تملّكها الخرس لسنوات، وما كانت العلة هذه تسببه لها من أوجاع، وهي تترجمها بعينيها وحركات يديها، وتضاعف أوجاع المعنيين بها، داخل بيتها الهادئ، وخارجه..
دايكا ردة التي تكون جدة كنّتي ” شيلان ” أعني أم حماة ابني ” عمشة ” ما كان لي أن أكتب هذه الكلمات، ولم أرها منذ سنوات، إلا لأن تلك السنوات التي كنا نتبادل الزيارات العائلية بين ” تاخا غربي- كورنيش ” قامشلو، كما لو أننا ننتقل من بيتنا الأليف إلى بيتنا الأليف، كما لو أننا ألفنا بعضنا بعضاً قبل الدخول في علاقة نسابة أو مصاهرة بسنين وسنين ، تلك السنوات هي التي كانت الحافز لتسطير هذه الكلمات عرفاناً بجميل روحها، وكرَم أخلاق زوجها، وحسن علاقات أفراد عائلتها، أكثر من كونها عزاء عائلياً، إنما هو شهادة لا تعبّر إلا عما يشغل كلاً مناً إنسانياً.
وأن واجب الوفاء بديْن الآخر، والتذكير باسمه في وضع كهذا، شهادة لا ترفَع إلى قاضي محكمة معينة استدعاء، أو دفاعاً عن قضية ما، إنما تتقدم إلى نطاق إنساني، وكردي في الصميم أيضاً، وأنا أحسب، ومن خلال تجربة عمرية، أن هناك أسماء يزداد رصيدها الاعتباري مع الزمن، وتشكل في وسطها الاجتماعي، وبعيداً عن أي توجه ضيق، تحزبي، أو غيره، فئوي، أو خلافه، أمثولة جميلة في الأخلاق، وتستحق التذكير بها.
نعم، هناك تاريخ لأشخاص معينين لاعتبارات مختلفة. إنما من الممكن النظر في تاريخ آخر، لعلها أبعد ما يكون عن مديح مجاني، أو لمكسب معين، تاريخ أشخاص سياستهم في الحياة هي أنهم لا يعرفون ماذا تعني السياسة، ومن، يوجّه السياسة، وكيف يتم التعبير عن السياسة، ما يعرفونه هو أنهم يحاولون التفاعل مع الجميع، كما لو أن قلوباً لديهم قادرة على احتضانهم معاً.
هؤلاء يواسون غيرهم، ويتواسون بهم، وصوتهم الرخيم والهادئ ينبني على سلام داخلي، ومحبة الآخر بالمقابل، ويخلصون للحياة وهي في سويتها وجمال علاقاتها.
الكلمات ليست نقوداً ليتم ربطها ببورصة مالية معينة، لكن يمكن النظر فيها، على وقْعها النفسي، على أنها في حالات معينة فوق كل اعتبار مالي، وبكل المقاييس التي يمكن تسميتها.
كانت دايكا ردة حسين دوشى قريبتنا في النسب، وفي المودة، وفي صلة الرحم بعمق، وفي التعبير يبعث على التفاؤل، رغم قساوة الظروف، كانت امرأة ممتلئة طيباً وحناناً وتواضعاً، وحين تعلِن عن رحيلها الأبدي، تكون قد تركت بصمة من روحها، وصورتها مشعة في ذاكرتنا نحن الذين نكون بأمس الحاجة إلى مؤاساة من هذا النوع، حتى وهي ترحل الرحيل الأبدي.
دايكا ردة حسين دوشى إلى جنة الخلد، التي تستحقينها، كما هو تقديرنا لروحك النقية، ووجهك الصبوح الذي عرفت به، وليس لنا إلا أن نقول لبافي ” زهير” بِكْر العائلة، زوجك الذي لا بد أنه يبكيك بصمت، ولكل أفراد عائلتك، وأهلك وأحبتك وأقربائك، ومن باب العزاء العائلي تأكيداً، ونحن في هذا المكان البعيد- القريب معاً” دهوك “: سلام على روحك مرتين: حين كنت مقيمة في الحياة، وحين أعلِن عن رحيلك الذي لا رجعة عنه، وتضمن ثباتك في قلوبنا..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…