زكريا عبد الجواد يوثّق تفاصيل رحلته في كردستان العراق

أصدرت منشورات رامينا في لندن حديثاً كتاب “الشمس في قبضة اليد” للروائيّ والصحافيّ المصريّ زكريا عبد الجواد الذي وثّق رحلته في كردستان العراق.
يُعنى الكتاب برصد الحالة التي كانت عليها كردستان العراق، في الوقت الذي تزامن مع قيام الكاتب بزيارةٍ إلى دهوك وأربيل والسليمانيّة وجمجمال وحلبجة.
هذه الجولة التي بدأت في نهاية نوفمبر 1999 واستمرّت إلى ما بعد منتصف ديسمبر 1999، شملت العديد من المدن والقرى التي تتوزّع على معظم أقضية كردستان، ولكنّها أيضاً تزامنت مع اندلاع خلافٍ بين أكبر حزبين فيها، غير أنّ ذلك لم يؤثّر على جدول الرحلة، ولا أعاقت أيّة محاولةٍ لرسم خريطةٍ شاملةٍ لكردستان، التي كانت تمرّ في ذلك الوقت بمنعطفٍ تاريخيٍّ، وواحدةٍ من أشدّ أوقاتها حساسيّةً.
كانت قد مرّت سنواتٌ محدودةٌ على كارثة ضرب حلبجة بالكيماويّ، وعلى كارثةٍ أخرى هي الأنفال، وهو الأمر الذي أتاح للكاتب الفرصة، للحصول على شهاداتٍ حيّةٍ، ممّن عايشوا ما حدث. وإجراء حواراتٍ مع عددٍ من المسؤولين الأكراد، الذين شهدوا بعض اللحظات الفارقة، التي مرّت على كردستان.
هذا الكتاب ليس مجرّد توثيقٍ لرحلة، بل هو نافذةٌ يطلّ من خلالها الروائيّ زكريا عبد الجواد على تفاصيل دقيقة وأحداثٍ مفصليّة شكّلت واقع كردستان الحالي.
يشار إلى أنّ الكتاب جاء في ١٨٤ صفحة من القطع الوسط، ولوحة الغلاف للفنّانة الكرديّة السوريّة ملك مختار وتصميم الغلاف للفنّان يونا ليونارد.
مقتطف من الكتاب:
  راح مشهد الجبال، يترامى أمامنا في مهابةٍ. بينما كانت السيّارة تواصل الانطلاق بنا، ولم يكن في مقدورنا تجاهل ما كنا رأيناه للتو، بعد أن فرض هذا المنظر سطوته تماماً، ودفع إلى الذهن تلك الحكايات التي كنّا نسمع عنها، والتي كانت خلاصتها تشير إلى أنّ تلك الجبال، تختزن قصصاً، من تلك التي تخصّ أحداثاً تستعصي على الحصر، تدفّقت فيها دماءٌ من حوافّ الرؤوس الجبليّة الهابطة، لتروي الساحات المترامية، التي يغطّيها بساطٌ ساحرٌ من خضرةٍ يانعةٍ.
لكنّنا لم نكن نحتاج إلى من ينبّهنا، إلى أنّ هذا الاخضرار، يخفي تحته روافدَ ظلّت تتدفّق، فيما كانت الحكايا تتردّد عنها، وعن إنّها كانت تجري في هذا المكان، بالتوازي مع جريان هذا النهر، الذي كنّا قد عبرناه بالعرض، وانتقلنا معه للتوّ، من حدودٍ إلى حدودٍ. كان الأمر يحتاج إلى التقاط الأنفاس قليلاً، وكان السائق يدرك ذلك جيّداً، لأنّه أفضي بنا في النهاية، إلى أحد الفنادق التي ستحتوي تلك الليالي، التي سوف نقضيها في مدينة دهوك.
ظلّت الأفكار تتلاحق، لأنّ المكان لم يكن مألوفاً، ولم تكن تأتي سيرته إلّا بالتزامن مع سردٍ، لحكاياتٍ دارت، على أرض تلك البقعة طوال تاريخها، لم يكن الوقت آمناً لكي يتمّ اختياره لتلك الرحلة على وجه التحديد، كنّا في الربع الأخير من عام 1999، حينما استدعانا رئيس التحرير، أنا وزميلي المصوّر وكلّفنا بالاستعداد لإنجاز تلك المهمّة الصحفيّة في كردستان العراق. لم يكن الوضع هادئاً بأيّة حالٍ، وكان علينا أن نتعايش مع المخاوف التي راحت تراودنا، كلّما كان موعد السفر يقترب. ففي ذلك الوقت، كانت تلك المنطقة تشهد خلافاتٍ حادّةً وصلت إلى درجة الاشتباكات بين قوّات الحزبين الكبيرين، وكانت المنطقة قد حصلت على حكمٍ ذاتيٍّ في أعقاب انتفاضتها، لكنّها سرعان ما انقسمت إلى حكومتين، واحدةٍ في أربيل (ھولێر) والأخرى في السليمانيّة (سلێمانی). لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، فمناطقُ قريبةٌ من دهوك كانت تشهد هي الأخرى في نفس توقيت تلك الرحلة أيضاً، اشتباكاتٍ بين القوّات التركيّة وجماعة أوجلان. وكلّ تلك الاشتباكات تجري، بينما كانت قوّات النظام تفرض حصاراً على المنطقة. فيما تمّ فرض حظرٍ للطيران شمال وجنوب العراق، من قبل مجلس الأمن الدوليّ.
جاء وصولنا إلى هذه المنطقة، متزامناً مع مجمل هذه الأوضاع، لكن هناك من تحمل بكفاءةٍ، مسؤوليّة التنسيق، وتمهيد الطريق أمامنا للانتقال بين الأقاليم الكرديّة، وعبور منطقة الكيلومتر الفاصلة بين محافظتي أربيل والسليمانيّة، حتّى وإن حدث في العبور الأوّل، انطلاق دفعةٍ من أحد الرشّاشات بالخطأ، كانت على بعد أمتارٍ قليلةٍ، من اصطياد أرواحنا.
تعريف بالمؤلف: 
زكريا عبد الجواد روائيّ وإعلاميّ مصريّ، عمل في مجلة العربي الكويتية، ثمّ مديراً لتحرير عدد من الصحف اليومية، وحاز على جائزة الصحافة العربية عام 2002، وجائزة الرواية العربية (كتارا) عام 2018. صدرت له روايات عدة منها: “خيار الصفر” عام 2006. “قبعة الوطن” عام 2008. “الجحيم يصحو مبكرا” عام2011. “الاحتياطي” عام 2013، ثم صدرت للمرة الثانية عام 2015. “شغف خافت” عام 2015. “صهيل تائه” عام 2018. كما صدرت له المجموعة الشعرية “ما لا تشتهي السفن” عام 1984. وكتاب “الركض فوق بساط البلور” في أدب الرحلة، عام 2013. ترجمت روايتاه “قبعة الوطن” و”صهيل تائه” إلى اللغة الإنجليزية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…