أبحث عن..

إبراهيم محمود
على ضفاف أنهار…
تنبسط على أسرَّة خضراء
أبحث عن أولئك المتباهين بخطاهم
وكيف تتدفق مشاعرهم
في الجانب الأبعد من تلك الأسرَّة
منافِسةً سرَيان فعل النهر
كيف يتناوب الكربون والأكسجين أعمارهم
في المستوى المعقول من التنفس
عن زئبق الرجولة فيهم
وكيف يتلون في دوامات غير مبرمجة
بشهادة الماء القاتلة
أو الأمواج التي تغزل ضفائرها في هواء مارق
عن اختبار جهدهم المؤكَّد
وكيف يتعرى على قمة جبل مشهود لها بالعلو
وإلى أي درجة يصادق نجمة على الحافة
كيف يتحين الوادي فرصة الإيقاع بهم
عن قلوبهم التي رافقتهم طويلاً
على منصات صخرية لا تقاربها الريح كثيراً
وامتحان العشب المتبقّي على جنباتها
وآخر مسحة لليل متروكة أثراً هناك
وأي حب يقفز فجأة ناطقاً بالمخبَّأ
عن نساء وكيف يستدرجن الغابة كاملة
إلى مخادعهن في صمت مهيب
علها تشهد بالغيوم الواعدة في صدورهن
بالمنحدرات الخطرة في أحلامهن المهددة
عن أياد يستهويها قطف الرغبات الصاهلة باسمهن
ليعشن ماضيهن غير  المفرج عنه بعد
خوفَ رجال دون ظل من ورق مقوى
يأخذونهن رصيداً مختوماً بصلافتهم
صحبة طرق لا تنفذ إلى الجدير بالعناق
عن أطفال لم يُفصَح عن ولادتهم بعد
منتظرين تصريحاً من فاقدي الطفولة
ليلتقوا سن رشدهم الذي أعياه اسمه
أبحث عن الطفل الذي أريده أمامي
الطفل الذي يعلّمني كيف أكبر تدريجياً
كيف أعيش عمري المعطى لمرة واحدة دون تقسيط
عن الرجل الذي أريده خلفي
عن المرأة التي أريدها بموازاتي
وهي ترشدني إلى ذكورتي المعدّلة
لأحسن التعبير عن آتيّ
بعيداً بعيداً عن نسوانجية يُهتدى بها هنا وهناك
عن امرأة تبحث عني هي الأخرى
بميزان الطبيعة الرؤوم
لأهذب وزني
ظلّي
صوتي
لسان حالي
وجهي الغريب على نوعي
وأرفع نجمي نخب المرأة
على ملأ من قطيع لا يُغتفر
وأنا ملئي سماء ترفع عني خيمة آباء دخلاء على زمرتي الدموية
دون تخوف من أمس متجهم
دون أن أعلَق في عسل حاضر ٍ سبخي
أبحث عن قلبي الذي أرهقته الدبكات الشعبية
بزعم أنها ذاكرتنا الموقَّرة
وهي لا تورثنا سوى فقدان التوازن
عن عيني التي أعمتها الشعارات
بزعم أنها بوصلتنا إلى الضفة الأخرى من الزمن
وهي لا تملّكنا سوى شرفات مطلة على الظلمات
عن روحي التي استنزفها تاريخ كان وكان
بزعم أنه غد أمجاد لا ينفد
وهو لم يلبّسنا حتى الآن إلا السير على هاماتنا
أبحث عن اسمي
في الطرقات المهجورة
علّي ألتقي باتجاه ينتظرني
في المنعطفات الخطرة
علّي أعانق نجمة عالقة في فراغ الوقت
في المسافات البعيدة
علّي أدشّن ولادتي التي لم يؤرَّخ لها بعد
في سهول غرقت في نومها
علي أعثر على نبع يخرجها من ورطتها
علي أقول في كل ذلك
هوذا أنا
مع حجري الذي يحلق بي
مع نهري الذي يمضي بي
مع لغتي التي تنيرني بصمتي
مع أفقي الذي يعلّمني قامتي
مع اسمي الذي يهديني صورتي
المختلسة مني
منذ غابر العصور
ومنذ أبدية أعاقَب بها
وأنا لا أنا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…