نفحات من ذاكرةِ الآن.. قصص قصيرة جداً

نارين عمر

اسمٌ وتهمة
   لم تكن تعرف من السّياسةِ حتى اسمها إلى أن جاء اليوم الذي
بات اسمها الرّقمَ الأكثر صعوبةً في معالم السّياسة,  حين كانت
تنادي على ابنها الصّغير في الشّارع لتطعمه :
_آزاد, بنيّ, تعال!  آزادي… حياتي
أثناء المناداة والنّطق (آزا….) وقبل إتمام (…ديـ…) كانت

الرّصاصة لثمت جبينها, والتّهمة…….؟؟؟
بأيّ عشقٍ سُجّنتْ؟
كانت تلتقي حبيبها في تلك الزّاويّة المعتمة خلف بابِ دارها
فيدغدغُ مسمعي قلبها وشعورها بنفحاتٍ من وحي شوقه, ثمّ
تعودُ مسرعةً.
في المرّةِ الأخيرة وجدت نفسها وجهاً لوجهٍ أمامَ حالها في بقعةِ
أرضٍ طولها يوازي عرضها متراً في مترٍ بتهمةِ تزويدِ ابن الشّارعِ بجرعاتِ تحريضٍ وفوضى.

والمولودِ وما نطق
تعالتْ صرخات الأمّ مع تمنّياتِ الآخرين بالتحامِ صرخته
مع صراخها.
أصابَ الجميع بمَنْ فيهم الوالدان بما يشبه الصّدمة من ضحكةِ الوليدِ الهادئة.
على الفور أطلقَ مفرداتٍ فهمتها الأمّ فقط, ثمّ تكفّلت بترجمتها:
أمّي! في الشّهور الأولى من إقامتي في أمان رحمكِ وقّعتُ مع
الأجنّة الآخرين على صكّ عدم الانتماءِ إلى عالمكم, بعد أشهرٍ
صرنا نتضامنُ معكم وها نحنُ ولدنا والقلبُ فوق الرّاحتين.
 
طلقات فوضويّ
قبل رحيله أوصى بثلاثِ زهراتٍ:
واحدة سيّجها بنجيعِ الأرض
وواحدة رسمَ فيها قلب حبيبته
والثّالثة وعلى شكلٍ دائريّ زركشها بالحروفِ الأولى
لسعادةٍ حبلى, ثمّ توجّه إلى صدرِ أمّه, فغرس فيه
الزّهرات الثّلاث.

الّلجوء
سخرتِ الدّمعة من البسمةِ فقالتْ:
-لمَ التّعالي؟ الفمُ الذي ارتميَ في حضنكِ
كان وليدي أوّلاً.
أجابتِ البسمةُ:

-لو كان حضنكِ مهداً قريراً, لما طلبَ الّلجوءَ إلى صدري أنا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…