الشاعر محمد المطرود …. الكتابات النقدية مرتبطة بلوبي شعري متحكم متسلط

حوار : إبراهيم حسو

أصدر الشاعر السوري محمد المطرود مواليد القامشلي 1970 مجموعتين شعريتين ( ثمار العاصفة 1997) و( سيرة البئر 2005 ).

كان هذا الشاعر خلال هاتين المجموعتين يقدم مشاهداته الخاصة للعالم الخارجي, و الأشياء و الناس والمحيط الدلالي الذي يدور حوله مجمل نتاجه الشعري و يقترح رؤى جديدة لمستقبل قصيدة النثر في سورية فنصّه ( سيرة البئر ) كان نتاجاً معرفياً و بلاغياً , ليذهب محمد بعدها إلى الحفر في اللغة والتكوين الرؤيوي, ليقول قصيدة مثقفة تتشاكل مع فعل حياته و تتكاثف اللغة عنده, لتتحول إلى ميدان التحولات و التجذرات بدءاً من الصورة و انتهاءً بالتخييل. نصوصه قائمة على التذكر و تسجيل إحساساته المرعبة تجاه الكون و الإنسان.. باختصار نص محمد المطرود يشبهه كما يقول في هذا الحوار الذي يدور حول نصوصه الأخيرة ( سيرة البئر ) و حول مستقبل قصيدة النثر في سورية .:‏
أريد أن ابدأ معك الحوار حول اختيارك قصيدة النثر في معظم نتاجك الشعري الذي امتد على مجموعتين شعريتين كان آخرها (سيرة البئر ) و بعد هذه المجموعة توقفت عن نشر الشعر, لتتفرغ لكتابات نقدية متفرقة في الصحافة السورية , لماذا قصيدة النثر ؟‏

أولاً شكراً على دقتك «توقفت عن نشر الشعر» ولم تقل توقفت عن الشعر، فأنا في الفترة المعطلة نشراً, كنت أعمل على نصي الشعري الجديد، ثمان سنوات فصلت بين عملي الأول والثاني سيرة بئر, ثم مايقارب الخمس بين الثاني و( مايقوله الولد الهاذي ) ومع أن كتابتي النقدية تأتي في الفترة التي أتخلص فيها قليلاً من لوثة القصيدة، فإن الفترة التي يطيب للبعض تسميتها فراغاً أو استراحة محارب, لم تكن عندي كذلك ،بل هي اشتغال إبداعي آخر أو موازٍ يبزه، عموماً أنا أطمح لتأسيس نص مثقف /موار/متغير، وكما يقول نزيه أبو عفش بما معناه: « الله الشاعر متغير أو يجب عليه أن يغيره باستمرار» معرفة وتضاداً في اللون والبديهيات تساوقاً مع بورخيس: « أن نرى في الموت حلماً، وفي غروب الشمس حزناً ذهبياً ،هذا هو الشعر» .‏

ولماذا قصيد النثر لتسم منجزك الشعري؟ بمعنى هل كانت وفية لك لتنحاز إليها كلياً؟‏

في قصيد النثر تتمظهر الحرية بشكلها الحقيقي، بمعنى أن هناك المسؤولية الأخلاقية والأدبية تجاه النص، ومايسمىَّ تحرراً من الوزن،أو انفلاتاً لايخلق شعرية مالم يكن الفهم الدقيق لوجهات قصيدة النثر, وامتلاك الذكاء في إدارة اللعبة الشعرية, وربما هيدغر وضَّح عندما دعا إلى اللعب, ولكن بتيقظ شديد، برأيي: التيقظ هو معادل طبيعي لما يتمسك به قارئ كسول من أسبقيات يقرأ وفقها، أنا انزاح إلى قصيدة النثر لكن هذا لايعني بأني سأراهن عليها إلى مالانهاية‏

أعود إلى ( سيرة البئر ) تلك المجموعة التي لم تعلن عن نفسها إعلاميا بما فيه الكفاية, رغم بعض الكتابات النقدية القليلة التي لامست أطرافها دون أن تتوغل في عميق جذورها الإبداعية و الروحية, بل ذهبت تلك الكتابات إلى إلصاقها بمعايير نقدية هي بريئة منها, السؤال و بعد مرور 5 سنوات تقريبا على سيرة بئر هل ترى أن النقد أنصف تجربتك الشعرية ؟‏

سيرة بئر حظيت بنصيب وافر من الدراسات والقراءات الصحفية،على عكس مارأيته أنت, لكن أوافقك بأن أكثرها لم يلامس حواف البئر من الداخل، لست حزينا لأن النقد لم ينصفني حالي حال الكثيرين، وربما أنت أحدهم ،غير أن ماأريده ألا تمر التجربة أيا كانت مرور الكرام دون محاكمتها وإضاءتها، فالنقد يكرِّس، وعندما يتخلى عن مهمته، فإن الإبداع بأرقى حالاته يكون رهن الصدفة، أعني الكتابة المختلفة /المغايرة سيختلط حابلها بنابل الكتابة غير المسؤولة.‏

تكتب القصيدة ( النثرية ) اليومية القصيرة و أحياناً قليلة ( التفعيلة ) و أعتقد أنك تجد نفسك في القصيدة الملحمية الطويلة ذات النفس الرؤيوي التي تجتزئ الصورة و الكلمة و تترك للمعنى حرية التكوين و التأويل الممتحنين, في أي طريق يتجه محمد المطرود بشعريته ؟‏

لم أستطع أن أخلص للفراهيدي، رغم توفر السليقة بحكم بيئة أنتمي إليها، بل يممت وجهي مساحة ملتبسة فيها التكثيف والإيقاع غير الممنهج, والغنائية المستترة، كان هذا هو السطر الذي بدا نثرياً الأجمل على حد تعبير باسترناك، ورأيت أن نصاً طويلاً يحملني على جناحيه الخرافيتين، ويعبر بي إلى الرواية التي طالما حلمت بكتابتها, أفضل لي وأجدى, لهذا ضمنت المكان الذي تفترضه الروايةُ قصيدتي، بشكل مخاتل مايخلق الرؤية والرؤيا، وعليه فالزمنية الطويلة بين كتابة نص وآخر تكون هاضمة لتراكمات وويلات وأفراح, وهنا يصير لزاماً َ أو يفرض عليَّ كتابة نص متعب في ولادته ومتعب للقارئ إلى حد ما, من غير أن أفكر كثيراً بالشكل لحظة الكتابة الأولى، لكن فيما بعد، أجلد نصي إلى أن أدميه أو حتى أمسخه، وهذا جوهر خلافي مع الأصدقاء الذين يقرؤون لي، بأني أخرجه من تلقائيته وروحه الأولى.‏

في ( سيرة بئر ) تتحول بنية المعنى إلى فضاءات سردية، تهيمن على السياقات الشعرية أقصد الطابع الحكائي مثل نص ( أضيق حزناً بالمكان ) حيث تضيق المسافة بين الشعري و النثري, و بين القصيدة و الحكاية؟‏

سؤالك يرتبط بالآنف, ليست هي بنية المعنى فقط, والاشتغال أيضاً, إذ إن فهماً دقيقاً للغة يجعل من السردي متعالقاً مع الشعري ومشتبكاً معه، الدخول على اللغة ومكاشفتها يعني ماطمحت إليه في القصيدة، وبث السير- ذاتي ليلقي بظلاله على الشكل بكليته، وأنت قلت تضيق المسافة, ولم تقل تختفي، وهذا يكفي بالنسبة لي، لأقول إن تحييراً للمتلقي يتم ،مايترك لديه انطباعاً قوياً بالاشتغال المتحصل, والناشل للشعري من النثري ….وكفى المؤمنين شرف المحاولة .‏

لديك نظرة نقدية في المشهد الشعري السوري (التسعينات) تحديداً عبر كتابات متفرقة في الصحافة المحلية, أو عبر كتاب نقدي أنت بصدد طباعته قريباً, كيف تجد اليوم و نحن ندخل الألفية الثالثة هذا المشهد و مستقبل النقد ؟؟‏

هل ستفاجأ إذا قلت: الشعر السوري بخير؟!‏
بالنسبة لشعراء التسعينيات فقد ظلموا، ففترة تبلورهم حظيت بتبدلات حياتية هائلة، ماجعل الشعر والثقافة, ولنقل الحياة نفسها في شهوة أقل, وقابلية استمرارأقل، على عكس الأجيال السابقة ،مافتح الباب أمام المواهب الأقل أيضاً تماشياً مع المفرز الجديد ،وغياب الحقيقي والمختلف لهيمنة ذائقة معطوبة، تقتل تحت مسميات كثيرة, ثم إن غياب النقد والمنهجية زاد الأمر سوءاً، و ما نقرؤه هو نقد صحفي انطباعي لايؤسس لحالة, ولايلغ حالة غير مستحبة، الشاعر السوري له حضور، لكن الحاضنة /المؤسسة التي يجب أن تحتفي به ليست حاضرة, على الأقل في الوقت الراهن..لنا أمل بالمستقبل، ونحن محكومون به – رحم الله سعدالله ونوس -.‏

معظم الكتابات النقدية التي تتناول الشعرية السورية تتجه اليوم نحو تجاهل التجارب الجديدة, و يستحيل أن تجد قلماً نقدياً يتناول تجربة شعرية شابة متميزة ؟؟‏

الكتابات النقدية على ضآلتها وقصورها مرتبطة أصلاً بلوبي شعري متحكم متسلط, لأنها كما أسلفت غير ممنهجة، مزاجية، محسوباتية، واللوبي تتناهبه أطراف ثلاثة: اتحاد الكتاب العرب, ووزارة الثقافة المتبنية للحداثة وقصيدة النثر وتخندقها لصالحها، بمحاربين لهم الذائقة ذاتها، والعمل على تقديم جديد حسبه أنه جديد دون أن يمتلك المشروعية الكافية ليتم الرهان عليه, وتقديمه على أنه الأفضل, أما الطرف الثالث فهو الذي يعتبر نفسه مغبوناً فاته قطار الاتحاد, ولم يلحق بميكروباص الثقافة، طرف متأزم غير قادر على إدارة أزمته, وهكذا ترى النقد يقدم أسماء محددة جداً أو (يلمِّع) وهذه الأسماء المرتاحة، ستخاف على نفسها, والجديد لن يمر من (خرم إبرتها) إلا بمعجزة مع العلم أن عهد المعجزات انتهى.‏

كيف يقرأ الشاعر محمد المطرود مستقبل الصحافة الثقافية في سورية و حال الأقلام الثقافية الشابة التي تحاول اقتحام المشهد ؟‏

بالنسبة للمستقبل لا أملك النبوءة لأقرأه، الصحافة الثقافية في سورية حاضراً ليست كما يجب, هناك سلطة للأسماء لا للمنتج، وإلى الآن وباستثناءات قليلة، فالصحافة الثقافية عاجزة عن إثارة إشكاليات, ومواضيع ذات حساسية لتحريك الراكد ومحاكمة المشهد، ويمكن بسهولة إجراء مقارنة بينها وبين الصحافة اللبنانية مثلاً أو المصرية أو الكويتية ليكون السبق للأخرى! والعلة برأيي تكمن في عدم وجود الجرأة الكافية مع أن انفتاحاً واضحاً تم لصالح الفعل الثقافي، ثم إن من يرى الكتّاب السوريين وغزوهم للصحافة العربية, سيتأكد بأن المرض في القائمين على المنبر الثقافي، وجهلهم بما يحصل، وإلا ما معنى أن ترفض المادة في صحيفة سورية لأنها (over) ثم تنشر في صحيفة خليجية، وتقرأ في سورية ،دون أن تخرب الدنيا! الأقلام الشابة فاقدة لفعل الأمر، ليست صاحبة الشأن، وفاقد الشيء لا يعطيه, وبذلك هي تقترب أو على وشك من الأقلام (المختيرة) .‏

محمد المطرود شاعر وناقد و عضو اتحاد الصحفيين السوريين. من إصداراته: ثمار العاصفة 1997 شعر, و سيرة بئر 2005 شعر, و أيضاً ما يقوله الولد الهاذي 2009 شعر‏

عن مستقبل الشعر والحلم – دراسات – كتاب مشترك مع كتَّاب من الوطن العربي – صدر في المغرب‏

مخطوط : سلطة المثقف – دراسات -‏

نهب الآخر – نصوص -‏

يكتب في الدوريات السورية والعربية

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…